“طوفان الأقصى”: ضربةٌ غيّرت قواعِدَ اللعبة وأسقطت هيبة إسرائيل!

عرفان نظام الدين*

دخلتُ إلى مكاتب جريدة “الحياة” في بيروت صبيحة الخامس من حزيران (يونيو) ١٩٦٧، وفوجئت بحشدٍ من الزملاء يُكَبّرون ويتوسّطون زميلًا يقف على كرسي وهو يحمل عصا ويشير الى مواقع سقطت ويشرح سير المعركة وتباشير النصر الاكيد: الجيش المصري يقتحم الحدود والجيش السوري حرّر الجولان والقوات العربية بدات الزحف وسط هتافات الله اكبر و… انتصرنا.
عدتُ إلى مكتبي والمشاعر تصارعني بين الفرح والقلق، وبعد ساعات قليلة بدأت وكالاتُ الأنباء تتناقل أخبارًا عن سقوط المواقع العربية وسيطرة العدو على جبهات القتال والباقي معروف، ولم تطاوعنا قلوبنا أن نتوسّعَ في نشر أخبار الهزيمة التي أُطلقَ
عليها إسم نكسة، واكتفينا ببعض البيانات وأفردنا صدر الصفحة الأولى لبيانات النصر وتدمير الطائرات والدبابات الإسرائيلية بالمئات لأنَّ الراي العام العربي لم يكن يقبل بأيِّ تلميحٍ عن الهزيمة إلى أن اتضحت الصورة القاتمة، وسادَ صمتٌ مرعب وانكسارٌ وخيباتُ أمل دامية وسط الصراخ والبكاء وسيل الدموع.
ولكن هل ينطبق هذا الواقع على ما حدث في غلاف غزة ونجاح الأبطال الفلسطينيين من “حماس” وغيرها؟ بالطبع لا، فالفروقات كثيرة وكبيرة أولها النجاح لأول مرة في عبور الحدود والتوغّل داخل المستعمرات الإسرائيلية وقتل المئات وإصابة وفرار آلاف المستوطنين وأسر العشرات من جنود الاحتلال ضمن محصلة خسائر لم تتكبّد إسرائيل مثيلًا لها من قبل. أما الخسائر المعنوية والعسكرية فهي أكبر من أن تُعَدّ وتُحصى أهمها سقوط الهيبة الإسرائيلية لأوّل مرة منذ ٧٥ عامًا وإسقاط مزاعم عن الجيش الذي لا يقهر، كما فضحت العملية هشاشة النظام الأمني الاسرائيلي حين اقتحم الأبطال عمق المستعمرات بدون مقاومةٍ تُذكر لساعاتٍ عدة تم خلالها تدمير المنازل والدبابات ونقل الأسرى إلى أماكن آمنة سرّية.
هذه الصورة الجلية للواقع، لكن المهم اليوم طرح السؤال المقلق وهو: ماذا بعد وإلى أين تسير المنطقة والقضية الفلسطينية من أساسها؟
الأكيد أنَّ إسرائيل ستُصعّد جنونها، وتضربُ ضرب عشواء في. قطاع غزة وغيره وربما في.الضفة الغربية ولا سيما القدس المحتلة، وترتكب المجازر ومعها عمليات اغتيال تطال قيادات في “حماس” وغيرها، ومن غير المستبعد لجوء المستوطنين لمهاجمة المسجد الاقصى المبارك تحت حمايةٍ عسكرية مع توقع: تصعيد غير مسبوق و طرح احتمالات فتح جبهات أخرى مثل لبنان وسوريا ما سيجر المنطقة إلى حربٍ لا نهاية لها وتأكل الأخضر واليابس وأوله إسرائيل، وهنا يطرح تساؤل آخر: هل كان هناك دورٌ لإيران في دعم عملية “حماس”، أم أنها خططت ودعمت ونات بنفسها عن الرد والمخاطر؟ بل ذهب البعض إلى توجيه اتهام لطهران على أنها أرادت توجيه ضربة لوقف أي تطبيع للعلاقات بين اسرائيل والمملكة العربية السعودية ونسف مساعي السلام التي طرحتها السعودية خلال المفاوضات والتي تتضمن بنودًا من مبادرة السلام العربية – لكن أيّ تاكيد للدور سيعني حتمًا جرّ إيران إلى حربٍ حتمية.
في المقابل لا بدَّ من تحرّك عربي دولي لتبريد الأجواء، ومنع امتداد الحرب، وطرح حلول جذرية، وإشراك إيران في المفاوضات، والتوصل إلى اتفاقٍ جديد حول الملف النووي الايراني، فالعالم لا يتحمل اليوم حربًا بعد تداعيات حرب أوكرانيا.
تبقى كلمة أخيرة مُستَمَدّة من واقع الحال منذ الاحتلال، وهي أنَّ إسرائيل قد تنجح في التدمير والقتل لكنها لا ولن تنجح في تدمير إرادة الشعب الفلسطيني البطل، وعلّها ان تتذكر أنَّ عملية اليوم هي نتاجُ سنواتٍ من القمع والقهر، وأنَّ مَن قامَ بها هم أبناء وأحفاد أبطال الإنتفاضة الأولى والثانية التي قادها الشهيد ياسر عرفات وساعده الأمين الشهيد ابو جهاد وحققت الكثير من تاييد الرأي العام الدولي، وأيُّ تصعيدٍ سيرتد على اسرائيل مهما طال الزمن.

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي عربي مُقيم في لندن، كان سابقًا رئيس تحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى