هل يُمكن أن يُصبح كارتل الغاز قوياً مثل “أوبك”؟

فيما تتحكّم منظمة الدول المُصدّرة للنفط “أوبك” بأسعار النفط، فإن مُنتدى الدول المُصدّرة للغاز يسعى بدوره إلى التحكم بأسعار الغاز الذي بات سلعة مهمة للطاقة في العالم، على الرغم من أن أميركا وأوستراليا لم تنضمّا إلى هذا المنتدى.

 

فلاديمير بوتين: الرابح الأكبر من إنشاء منتدى الدول المصدرة للغاز

بقلم رؤوف محمدوف*

مُنتدى الدول المُصدّرة للغاز (GECF) الذي يضم 12 دولة، والذي عَقَدَ آخر اجتماع له في غينيا الإستوائية في 28 تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت، لم يتمتع أبداً منذ إنشائه بقدرة منظمة الدول المُصدّرة للنفط “أوبك” على التحكّم في أسعار الطاقة، ولكن من المُحتَمَل أن يتغيّر هذا الأمر مع تحويل الغاز الطبيعي المُسال سوق الغاز من الإقليمية إلى العالمية.

تم تأسيس منتدى الدول المُصدّرة للغاز في الدوحة بقيادة روسيا وقطر وإيران في العام 2001، بعد خمسة عقود من إطلاق “أوبك” في العام 1960. أحد الأسباب الرئيسة لعدم تمكّنه من التحكم في أسعار الغاز هو أنه يفتقر إلى أحكام حصص الإنتاج الخاصة ب”أوبك”، والتي يستخدمها كارتل النفط لرفع الأسعار من طريق تخفيض أو إيقاف بعض الإنتاج في السوق. بدلاً من ذلك، يحاول أعضاء منتدى الدول المصدرة للغاز التأثير في أسعار الغاز من خلال تنسيق سياساتهم.

لكن تطور سوق الغاز والمشهد الجيوسياسي يعنيان أن لدى منتدى الدول المُصدّرة للغاز القدرة على التطور إلى كارتل للطاقة يجاري ويُنافس نفوذ “أوبك”. تتمتع زعيمة المنتدى روسيا بثقة بعد أن لعبت دوراً رئيساً في نجاح “أوبك +” في رفع أسعار النفط العالمية، ويتولى الآن نائب وزير الطاقة الروسي السابق، يوري سينتيورين، رئاسة المنظمة.

كيف يُمكن أن يصبح الغاز عالمياً

قبل أن يتمكّن مُنتدى الدول المصدّرة للغاز من التحكّم في أسعار الغاز، يجب أن تُصبح السوق دولية أولاً. لطالما كانت الطريقة الرئيسة لشحن الغاز عبر خطوط الأنابيب، وهي التي حدّت من قدرته على أن يُصبح سلعة تجارية دولية. ولكن بفضل الإنتاج المتزايد في الولايات المتحدة وقطر وأوستراليا وأماكن أخرى ، فإن الغاز الطبيعي المُسال يُشكّل الآن 11 في المئة من الإنتاج العالمي، وهذا الرقم آخذٌ في الإزدياد.

مع عدم وجود سوق عالمية للغاز، كان سعر الغاز مرتبطًاً بسعر النفط الذي كانت له سوق دولية. لكن هذا يتغيّر أيضاً. يتم تداول 34 في المئة من الغاز الطبيعي المسال في الأسواق الفورية، حيث لا ترتبط الأسعار بأسعار النفط.

إرتفاع صادرات الغاز الطبيعي المُسال

دفعت الزيادة الكبيرة في المحطات وناقلات الوقود كبار لاعبي الغاز الطبيعي المُسال إلى زيادة الإنتاج – لدرجة أن العالم يشهد الآن تُخمة في الغاز الطبيعي. من بين الأرقام المهمة أن تجارة الغاز الطبيعي المُسال قفزت بنسبة 10 في المئة بين العامين 2017 و2018، حيث وصلت إلى ما مجموعه 316.5 مليون طن متري سنوياً، أقل بقليل من الثلث منها – 99 مليون طن متري – هي تجارة غير طويلة الأجل. وجاءت غالبية الزيادة من إنشاء محطات جديدة للغاز الطبيعي المُسال في الولايات المتحدة وأوستراليا.

كما عزّزت روسيا، أكبر دولة مُصدّرة للغاز في العالم، صادراتها من الغاز الطبيعي المسال، وذلك بفضل تشغيل مشروع “يامال للغاز الطبيعي المُسال”. و”نوفاتيك” (Novatek)، التي تُدير هذا المشروع، ستُضيف 20 مليون طن متري من الطاقة التصديرية سنوياً مع محطة ثانية، “أركتيك للغاز الطبيعي المسال 2” (Arctic LNG 2). وفي الوقت عينه، تقول قطر أنها ستزيد إنتاجها من مستواه الحالي البالغ 77 مليون طن متري في السنة إلى 126 مليون طن متري في غضون خمس سنوات، وهي إضافة كبيرة إلى سوق مُتخَمة أصلاً.

إمكانات إفريقيا

فيما يُضيف المورّدون التقليديون كميات لحماية حصّتهم في السوق، فإن إفريقيا تُظهِر علامات على أنها في الطريق لكي تصبح قوة مُتنامية في الصناعة أيضاً. إبتداءً من شمال القارة، تُعتبر مصر واحدة من أسرع الدول المصدرة للغاز الطبيعي نمواً في العالم. إنها تضخ راهناً من حقل غاز ظهر البحري، واكتشفت الغاز في امتياز نور في شمال سيناء، مما يجعلها في وضع يُمكّنها من أن تصبح مركزاً للسلعة. من ناحية أخرى، تمتلك مصر محطتي استيراد للغاز الطبيعي المُسال خاملتين، إدكو ودمياط، يُمكن تحويلهما إلى منشآت للتصدير.

لكن المنتجين في جنوب القارة السمراء يزيدون الإنتاج بدورهم أيضاً. تقوم نيجيريا، أكبر منتج للغاز الطبيعي المسال في القارة، بتوسيع محطة “بوني آيلاند للغاز الطبيعي المسال” لديها لتتناول 30 مليون طن في العام – بزيادة تقارب 50 في المئة عن ال22 مليون طن الحالية. كما أن موزامبيق سوف تصبح عاملاً في السوق الدولية أيضاً عندما تفتح منشأة للغاز الطبيعي المسال بقيمة 20 مليار دولار في العام 2024.

وفرة وتكامل

قد تؤدي وفرة الغاز الطبيعي اليوم إلى تكامل السوق، مع تمتع اللاعبين الكبار بقوة مُتزايدة وقدرة أكبر. من المرجح أن تؤدي الزيادة المستمرة في كميات الغاز الطبيعي المسال إلى تسريع عملية فصل أسعار الغاز والنفط. وقد تدفع هذه التطورات المنتجين الذين تعتمد إقتصاداتهم إلى حدّ كبير أو كلي على الغاز على اتخاذ خطوات للسيطرة على الأسعار العالمية. ومن المؤكد أن لدى منتدى الدول المصدرة للغاز النفوذ الذي يُمكّنها من فعل ذلك: يتحكّم أعضاؤها في 70 في المئة من إحتياطات الغاز في العالم.

ومع ذلك، سيتعيّن على منتدى الدول المصدرة للغاز التغلب على بعض التحديات المهمة للوصول إلى الركن الرفيع الذي تتمتع به منظمة “أوبك” والحصول على أي شيء مثل قوة تحديد الأسعار لديها. أحدهما أن اثنين من مُصدّري الغاز الكبار، وهما الولايات المتحدة وأوستراليا، ليسا من أعضاء المنتدى ومن غير المرجح أن ينضمّا إليه. والأمر الآخر هو أن ثلاثة أعضاء في المنتدى – روسيا وإيران وفنزويلا – يكافحون مع العقوبات الإقتصادية الأميركية التي من غير المحتمل أن تنتهي في أي وقت قريب.

ولكن، إذا تمكّن منتدى الدول المصدرة للغاز من التغلب على هذه القضايا وأصبح قوة لتحديد الأسعار في سوق الغاز، فمن المحتمل أن تكون روسيا هي الرابح الأكبر. إن دورها في “أوبك +” جعلها بالفعل قوة عالمية في تحديد أسعار النفط، إلى جانب المملكة العربية السعودية الرائدة في “أوبك”. وإذا أضاف المنتدى آلية للتحكّم في أسعار الغاز، يُمكن أن تلعب روسيا دوراً لا يُضاهى تقريباً في الجغرافيا السياسية الدولية للطاقة. بالنسبة إلى صناعات النفط في دول مجلس التعاون الخليجي، والتي تعتمد إقتصاداتها اعتماداً كبيراً على عائدات النفط والغاز، فإن هذا قد يعني مزيداً من الإعتماد على روسيا لحماية نفسها من صدمات الأسعار المُحتملة.

  • رؤوف محمدوف باحث في سياسة الطاقة في معهد الشرق الأوسط في واشنطن. وهو يركز على قضايا أمن الطاقة، واتجاهات صناعة الطاقة العالمية، وكذلك علاقات الطاقة بين الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وجنوب القوقاز. وجهات النظر المعروضة في هذه المقالة هي خاصة به.
  • كُتبت هذه المقالة بالإنكليزية وعرّبها قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى