هل يكونُ اعتقالُ الغنّوشي نُقطةَ تَحَوُّلٍ للديموقراطية في تونس؟

تشيرُ كل التطورات إلى أن أوقاتًا عصيبة تنتظر تونس. سعيّد غير مستعد للتنازل أمام خصومه السياسيين أو التراجع عن انتزاع السلطة، والاقتصاد في حالةٍ يُرثى لها، حيث لم تحدد الحكومة بعد أي خطوات واقعية لعكس هذا الشعور بالضيق.

راشد الغنوشي: إلى أي متى سيبقى مسجونًا؟

لينا الخطيب*

إعتقلت السلطات التونسية في الأسبوع الفائت راشد الغنوشي -الشريك المؤسّس وزعيم حزب المعارضة الرئيسي في تونس، “النهضة”– ولا يزال رهن الاعتقال، وأغلقت مكاتب الحزب في جميع أنحاء تونس. هذه التحرّكات هي الأحدث في حملة القمع المستمرة ضد منتقدي الحكومة، بما في ذلك سجن أكثر من 12 شخصية عامة تعُتَبَرُ منتقدة للرئيس قيس سعيِّد.

كان الغنوشي، وهو من أبرز هؤلاء المنتقدين، يشغل منصب رئيس البرلمان عندما حلَّ سعيِّد الهيئة التشريعية وأقال رئيس الوزراء في العام 2021، في إطار حملةٍ لتركيز السلطة بين يديه. إن اعتقال الغنوشي وقمع سعيِّد المستمر للحريات السياسية لهما تداعيات كبيرة على الشؤون الداخلية التونسية وكذلك علاقات البلاد الخارجية.

توقيت الاعتقال الذي جرى في أقدس ليلة من شهر رمضان، الذي اختُتِمَ أخيرًا، لم يَغب عن أسرة الغنوشي نظرًا إلى دوره القيادي في حزبٍ إسلامي تقدّمي. أشارت ابنته، يسرى، إلى ذلك في تغريدةٍ على تويتر. وقد أسقط سعيِّد هذا التلميح ودافع عن الاعتقال باعتباره ردًا ضروريًا على مؤامرةٍ مزعومة ضد الأمن القومي. قبل أيام، انتشرَ مقطعُ فيديو على الإنترنت قال فيه الغنوشي إن استبعاد حزب “النهضة” والأحزاب التونسية الأخرى من الساحة السياسية في البلاد يُمكنُ أن يُمَهّدَ الطريق لحربٍ أهلية. يُمكنُ تفسيرُ التصريحات على أنها وصفٌ واقعي للدعم الكبير الذي يحظى به حزب “النهضة” كواحدٍ من أكبر الأحزاب السياسية في تونس. مع ذلك، اتخذت السلطات التونسية وجهة نظر أكثر كآبة وسلبية وفسّرت تصريح الغنوشي على أنه تحريضٌ على الحرب الأهلية.

بعد اعتقاله، نشر الغنوشي مقطع فيديو مُسَجَّلًا مُسبقًا على صفحته على فايسبوك، أعرب فيه عن قلقه من استخدام مؤسسات الدولة، بما في ذلك القضاء، لإسكات منتقدي الحكومة. ووصف معارضة استبداد سعيِّد بأنها صراعٌ بين الديكتاتورية والديموقراطية، وأشار إلى انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية في العام الماضي كدليل على أن الغالبية العظمى من التونسيين التي قاطعت الانتخابات، التي وصفها بالواجهة، ما زالت مُتمَسِّكة بمبادئ الديموقراطية.

وأدانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اعتقال الغنوشي. ووصفته وزارة الخارجية الأميركية بأنه “تصعيدٌ مقلق” من شأنه أن يضرَّ بالعلاقات بين واشنطن وتونس. وقال الاتحاد الأوروبي في بيانه الخاص إن التعددية السياسية والحق في محاكمةٍ عادلة أمران أساسيان لصحة علاقته مع تونس.

وردًا على تلك التصريحات، نشر سعيِّد شريط فيديو لاجتماع حكومته، اتهم فيه الحكومات الأجنبية بالنفاق ومحاولة النيل من سيادة تونس، مُضيفًا أنه يرفض التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية التونسية. إن تصريحات سعيّد تتماشى مع الخطوات السابقة التي اتخذها في تحدٍّ للتفضيلات الغربية. وفي اليوم نفسه الذي اعتُقِلَ فيه الغنوشي، استضافت تونس وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في زيارة رسمية، عقب إعلان تونس إعادة العلاقات الديبلوماسية مع سوريا. وفي وقت سابق من هذا الشهر، رفض سعيّد ما أسماه “إملاءاتٍ” لقرضِ إنقاذ بقيمة 1.9 مليار دولار كانت تونس تتفاوض عليه مع صندوق النقد الدولي، على الرُغم من ضغوط الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لقبول التسهيل الائتماني. وقال سعيّد إن شروط اتفاقية القرض، بما في ذلك خفض الإنفاق العام وإلغاء دعم الغذاء والوقود، ستخلق اضطرابات اجتماعية.

وأشار سعيّد بدلًا من ذلك إلى أنه قد يسعى إلى الحصول على بديلٍ من قرض صندوق النقد الدولي. أحد الاقتراحات هو أن تنضم تونس إلى مجموعة البريكس –التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا– وتطلب المساعدة من أعضائها. في غضون ذلك، شدّد على أن التونسيين يجب أن يعتمدوا على أنفسهم اقتصاديًا، على الرُغم من أنه فشل في توضيح كيفية عمل هذا الاعتماد على الذات في الممارسة العملية. بعد وقت قصير من إعلانه أن تونس سترفض شروط قرض صندوق النقد الدولي، انخفضت قيمة السندات الدولية التونسية، ما دفع وكالات الائتمان الدولية إلى التوقّع بأن تونس تخاطر بالتخلف عن سداد ديونها.

تشيرُ كل هذه التطورات إلى أن الأوقات العصيبة تنتظر تونس. سعيّد غير مستعد للتنازل أمام خصومه السياسيين أو التراجع عن انتزاع السلطة، الأمر الذي أدى إلى عكس المكاسب الديموقراطية التي حققتها تونس منذ ثورة 2011. الاقتصاد في حالةٍ يُرثى لها، ولم تحدد الحكومة بعد أي خطوات واقعية لعكس هذا الشعور بالضيق. وينطوي اقتراح سعيّد بالانضمام إلى البريكس على مخاطر دفع تونس إلى طريق العزلة السياسية، خصوصًا إذا استمر في وصف المشاركة الغربية على أنها “تدخلٌ أجنبي”.

على الرغم من أن سعيِّد يحافظ على علاقاتٍ جيدة مع الإمارات العربية المتحدة، إلّا أنَّ التقاربَ الأخير بين الإمارات وقطر –الداعمة الرئيسة للغنوشي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا– يعني على الأرجح أن أبو ظبي لن تمنح سعيّد شريان حياة غير مشروط. ويبقى أن نرى ما إذا كانت جبهة الإنقاذ الوطني –التحالف الواسع لأحزاب المعارضة التونسية الذي ينتمي إليه “حزب النهضة”– يمكنها صياغة استراتيجية لقيادة تونس لكسر الشلل السياسي في البلاد وعكس اتجاه تدهورها الاقتصادي. لكن قد يكون هذا آخر وأفضل أمل لتونس لوقف التراجع الديموقراطي الحالي.

  • لينا الخطيب هي مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز الأبحاث “تشاتام هاوس”. يشمل عملها في الشرق الأوسط الجغرافيا السياسية، والصراع، والتحوّلات السياسية، والسياسة الخارجية تجاه المنطقة. يمكن متابعتها عبر تويتر على: LinaKhatibUK@

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى