الصِراعاتُ الإقليميةُ والأزمةُ القاتِلة في لبنان
الدكتور فيليب سالم*
مأساةُ لبنان هي جغرافيته، فأرضُه مصلوبة على “خشبة” الشرق الأوسط بين إسرائيل وسوريا والبحر الأبيض المتوسط. البحرُ وحده لم يكن من المُتحاربين معه. أهمُّ سببٍ لعدمِ الاستقرار وانعدام السيادة فيه جيوسياسي، وهو قربه من إسرائيل. إستخدمه الفلسطينيون والسوريون والآن الإيرانيون كمنصّةٍ لشنِّ هجماتٍ على الدولة العبرية. ونتيجةً لذلك، أصبح رهينةً وأداةً سياسية تُستخدَم في ديناميكيات القوة بين القوى الإقليمية المُعادية لإسرائيل من جهة والغرب من جهة أخرى. وهذا من العوامل الرئيسة التي أدّت إلى الأزمة الحالية في لبنان حيث بات راهنًا في عين العاصفة مع الصراع الدائر بين الغرب والجمهورية الإسلامية.
قضيّةٌ أُخرى هي الجغرافيا الثقافية. لبنان فريدٌ من نوعه في الشرق الأوسط. في كل دولة عربية أخرى، الدين الرسمي للدولة هو الإسلام، بينما الدين الرسمي لإسرائيل هو اليهودية، فإن الدولة في لبنان ليس لها دينٌ رسمي. كما أن لبنان هو مهدُ التعدّدية الثقافية حيث تعيش فيه ثماني عشرة طائفة دينية معًا، وعلى الرغم من كل الحروب التي مرَّ بها، لا تزال المسيحية تُعانقُ الإسلام وتُواصِلُ الثقافات الشرقية احتضان الثقافات الغربية. ولهذا قيل “إذا زُرتَ بيروت تزورُ العالم كلّه”. ولدى إسرائيل مشكلة كبيرة مع نموذج لبنان كمكانٍ تزدهر فيه جميع الأديان والثقافات معًا. هذا النموذج في الواقع هو تهديدٌ لإسرائيل التي تُكافِحُ لتحديد هويتها. هل هي دولة يهودية أم ديموقراطية؟
كانت الخطوة الأولى في عملية تفكّك الدولة اللبنانية هي اتفاقية القاهرة. وقّع على هذه الوثيقة في 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 1969 رئيس الوفد اللبناني العماد إميل بستاني ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات. في الاتفاقية، منح لبنان منظمة التحرير الفلسطينية قطعة أرضٍ في جنوب لبنان يُمكِنُ لقوات منظمة التحرير الفلسطينية استخدامها للتدريب وأيضًا كمنصّةٍ لمهاجمة إسرائيل. كان هذا الاتفاق بمثابة إعلانٍ واضح عن الإنهيار التدريجي للبنان من دولةٍ ذات سيادة إلى دولةٍ فاشلة. تسبّبت الهجمات الفلسطينية المُتكَرِّرة على إسرائيل في وقوعِ هجماتٍ عسكرية مُتكرّرة من جانب الدولة العبرية على لبنان. وقد أدّت هذه الهجمات في نهاية المطاف إلى غزو إسرائيل للبنان في العام 1982، الأمر الذي انتهى بإخراج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان. خطأٌ فادحٌ آخر ارتكبته منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان تمثّلَ بحقيقةِ أن هدفها لم يكن إسرائيل فقط بل لبنان أيضًا. لقد هَيمَنَ عرفات على المشهد السياسي في بيروت وأخذ القرارات السياسية الكبرى. أنفق الأموال التي جمعها من الزعماء العرب على رشوةِ السياسيين اللبنانيين وأصبح سيّد المشهد السياسي في بيروت. كان الدور الفلسطيني في لبنان مُدَمِّرًا وكان أحد العوامل الرئيسة التي أطلقت شرارة الحروب اللبنانية التي بدأت في العام 1975 ولم تستقر بعد. ويعتقد الكثيرون من اللبنانيين أن عرفات أراد لبنان بديلًا من فلسطين. لحسن الحظ، لم يتحقّق هذا الحلم.
بعد الخروج الفلسطيني العسكري من لبنان، للأسف، لم تستطع الحكومة اللبنانية إحلال السلام. واستمرّت الحروب في الاشتعال حيث انتهت عندما تم التفاوض على اتفاق الطائف في مدينة الطائف في المملكة العربية السعودية في أيلول (سبتمبر) 1989 ووافق عليه مجلس النواب اللبناني في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) من ذلك العام. لقد أنهى هذا الاتفاق الحرب بالفعل، لكنه أدخل عنصرًا رئيسًا لزعزعة الاستقرار ووضع لبنان عمليًا في قبضة النظام السوري. ونصّ الاتفاق على أنه “نظرًا إلى العلاقات الأخوية التي تربط سوريا بلبنان، فإن القوات السورية ستساعد قوات الحكومة اللبنانية الشرعية على بسط سلطة دولة لبنان في فترة محددة لا تزيد عن سنتين”. الساذّجون فقط هم الذين اعتقدوا أن هذا الأمر كان صحيحًا. بدلًا من استخدام سوريا لقواتها المسلحة لبسط سلطة الدولة اللبنانية، استخدمت هذه القوات لبسط سلطتها على دولة لبنان. كذلك، وعلى عكس اتفاق الطائف، ألغت سوريا جميع الميليشيات في لبنان، باستثناء ميليشيات “حزب الله” والفلسطينيين التابعين لها. وقامت بحماية هذه الميليشيات حتى تتمكّن من استخدامها بالإضافة إلى قواتها المسلحة لتحقيق أهدافها في لبنان. استمرّت الهيمنة السورية على لبنان حتى العام 2005 عندما أُجبِرَت القوات المسلحة السورية إلى مغادرة لبنان بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. لم تعترف سوريا قط بلبنان كدولة مستقلة، وكانت لوجودها العسكري في لبنان أربعة أهداف:
- إستخدامُ لبنان كورقةِ تفاوضٍ مع إسرائيل والغرب.
- إستخدام لبنان كأداةٍ لتصفية الحسابات مع أعدائها في الوطن العربي.
- إقامة علاقات جيدة مع إيران من خلال السماح لها بإرسال السلاح عبر حدودها إلى “حزب الله”.
- دعم اقتصادها باستخدام حدودها مع لبنان للتهريب في الاتجاهين.
بالإضافة إلى كل المشاكل التي واجهتنا مع سوريا، فقد صدّرت أخيرًا ما يقرب من 1.5 مليون لاجئ إلى لبنان. وبالتالي، يستضيف لبنان الآن ما لا يقل عن 2.7 مليوني لاجئ. وفي ما يتعلّق باللاجئين، حدث أمران في لبنان لم يسبق لهما مثيلٌ في أيِّ بلدٍ آخر. نتيجةً للحروب في الشرق الأوسط، أصبح نصف سكان لبنان الآن من اللاجئين. ثانيًا، على الرغم من كل المشاكل والحروب التي عصفت بلبنان على مدى نصف قرن، لا يوجد لاجئ لبناني واحد في أيِّ مكانٍ في العالم.
نتيجةً للاستراتيجية الإيرانية التوسّعية في العالم العربي على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، أصبحت إيران وسيط القوة الرئيس في لبنان. فقد أسّسَ “حزب الله”، الذي يُمثّلُ الذراعَ العسكرية لإيران في لبنان، وجودًا سياسيًا وعسكريًا قويًا وتطوّر ليُصبح القوة المُهَيمنة في البلاد. التهديد للبنان خطيرٌ جدًا. إنه بالفعل تهديدٌ وجودي. والسبب هو أن “حزب الله” مدعومٌ من دولة قوية تدعمه بسخاء بالمال والسلاح. كما أن لإيران إستراتيجية واضحة المعالم ورؤية واضحة لما تريد تحقيقه. في المقابل، اللبنانيون الذين يؤيدون سيادة لبنان عُزَّلٌ ومُقسَّمون وفقراء وليست لديهم رؤية واضحة. لإيران هدفان استراتيجيان رئيسان: الأول هو السيطرة على أكبر عدد ممكن من الدول العربية لتصبح المفاوض الوحيد والأساسي مع إسرائيل والغرب بشأن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. هذا الوضع سيُعطي إيران نفوذًا كبيرًا. إنها تريد أساسًا أن تتحدث إسرائيل والغرب معها بدلًا من التحدث إلى العرب. سيكون هذا تحوّلًا كبيرًا في ديناميكيات القوة في الشرق الأوسط. الهدف الثاني هو تصدير فلسفة الثورة الإسلامية الإيرانية باعتبارها ثورة لا تهتم فقط بالمكاسب السياسية، بل بالمكاسب الثقافية أيضًا. تحتضن الثورة الإيرانية ثقافة مُعادية للبنان والغرب لأنها ترتكز على الأصولية الدينية وتعزيز رؤية خاصة للإسلام والشيعية. هذه الرؤية ليست فقط تهديدًا للبنان، بل هي تهديد أكبر للغرب.
يعتقد بعض الخبراء العسكريين أن الميزة الرئيسة لإيران لا تكمن في قدرتها على الحصول على الطاقة النووية، بل في إنتاج صواريخ تعتمد على التقنية الدقيقة. إذا افترضنا أن إيران ستصل في يوم من الأيام إلى طاقة نووية، فلن يكون هذا الإنجاز تهديدًا أكبر من قدرتها على إنتاج صواريخ دقيقة. ربما لن تجرؤ إيران على استخدام الطاقة النووية، لكنها تنتج تكنولوجيا الصواريخ الدقيقة الآن. هذه التكنولوجيا تشكل خطرًا على دول الخليج وبالتالي تهديدًا لحقول النفط في الوطن العربي. في حالة إبرام الاتفاق النووي في فيينا بدون معالجة قضايا التوسع الإيراني في الشرق الأوسط، والصواريخ الباليستية الإيرانية الدقيقة، فإن الصفقة ستكون ضعيفة بشكلٍ كبير ولن تخدمَ السلام في الشرق الأوسط.
خلافًا للتهديد السوري، لا يقتصر التهديد الإيراني على السيطرة على الآلية السياسية. الخطر الحقيقي ل”حزب الله” هو محاولته تغيير الهوية الثقافية للبنان حيث يتبنّى فلسفة مُناهضة لرسالة لبنان. هذه الفلسفة لا تفصل الدين عن الدولة وستجعل من قيام دولة مدنية في لبنان سرابًا. كما أنها تحتضن مكوّنًا غير سياسي لا يشكّل فقط تهديدًا للبنان، بل أيضًا تهديدًا للحضارة الإنسانية. كل من يُخالف هذه الفلسفة فهو عدو. إن معنى لبنان يكمن في “رسالته” و “نموذجه” كما عبّر عنه باباوات الفاتيكان. إنه “رسالة” لأن لبنان فريدٌ من نوعه في الثقافة في الشرق الأوسط. هذا هو المكان الذي تُعانق فيه المسيحية الإسلام والثقافة العربية الثقافة الغربية. هذا هو المكان الذي يوجد فيه إيمانٌ قوي بحقوق الإنسان وكرامة الفرد واحترام الآخرين، ولا سيما الآخرين المختلفين. سيزور البابا فرنسيس لبنان في حزيران (يونيو) المقبل للتأكيد على عظمة هذه الرسالة وقيمة لبنان. وقد سبق له أن أشار إلى لبنان على أنه “النموذج المثالي” للتعايش والتسامح. وهو يعلم أن الحروب في لبنان لم تكن أبدًا دينية وأن الدين استُخدِمَ كأداةٍ للصراع. 50 عامًا من الحرب في لبنان والشعب مستمر في معانقة بعضه البعض، بغض النظر عن الاختلاف في الدين والثقافة. كما أن لبنان نموذجٌ للتعدّدية الثقافية وهو الطريق إلى المستقبل. الثقافة التي تريد إيران نشرها في الشرق الأوسط هي ثقافة أحادية وهي تنتمي إلى الماضي. لا ينبغي للغرب أن يقفَ مُكبّل اليدين في مواجهة هذا الخطر الذي يتهدّد لبنان والعالم. للأسف، تدهورت رؤية الغرب خلال نصف القرن الماضي. لقد ركّزت على القوة العسكرية والاقتصادية وأهملت إلى حدٍّ كبير قيمة الثقافة وأهمية القيم والمعنى العميق للوجود الإنساني. لقد سُحقت حقوق الإنسان وقدسية الفرد البشري تحت وطأة القوة العسكرية والاعتبارات الاقتصادية والتكنولوجيا. ومع ذلك، يُسعدني أن أرى أنه في خضم المأساة الوحشية في أوكرانيا، هناك بعض الأدلة على أن الغرب يرتقي إلى مستوى التحدّي للدفاع عن الحرية، والدفاع عن الضعفاء، والدفاع عن الحق في مواجهة القوة العسكرية. يتعيّن على الغرب أن يفعل المزيد ليصبح زعيم العالم الحر.
لم يكن الفلسطينيون وإيران وإسرائيل وسوريا قادرين على إحداث كل هذه المذابح في لبنان لولا وجود طبقةٍ من السياسيين الفاسدين الذين استخدموا القوى الخارجية لتحقيق أهدافهم وطموحاتهم على حساب رفاه وسلامة بلدهم.
السبب الأساسي للأزمة الحالية والمميتة في لبنان سياسي. القضايا الاقتصادية والمالية نتاجُ الفشل السياسي وليس سببه. صحيح أن الفساد كان مسؤولًا جُزئيًا عن هذا الفشل، لكنه بالتأكيد لم يكن العامل الرئيس لأن لبنان ابتُلِيَ بالفساد منذ ولادته. شيءٌ جديد قد حدث. إنها هيمنة دول أخرى على القرار السياسي الحرّ للحكومة اللبنانية وتتمثّل الآن بهيمنة إيران عبر “حزب الله”. عرقل “حزب الله” جميع جهود بناء الدولة ودمّر معظم المؤسسات العامة اللبنانية للسيطرة على المشهد السياسي. بالإضافة إلى ذلك، شجّع “حزب الله” كل الفاسدين ووفّر غطاء لهم. كان هذا تكتيكًا سياسيًا رئيسًا استخدمه “حزب الله” لجعل معظم اللاعبين السياسيين رهائن لإرادته. ومع ذلك، يجب أن نعترف بأن مسؤولية هذا الانهيار السياسي تقع على عاتقنا كلبنانيين، حيث فشلت الحكومات اللبنانية في إنشاء بنية صلبة للدولة وفشلت في بلورة رؤية واضحة للبنان الذي يريدونه. كما أن غالبية الذين وصلوا إلى السلطة، وليس كلهم، افتقرت إلى الولاء للبنان واستخدمت كل أداةٍ مُمكنة، بما في ذلك دعوة قوى خارجية بهدف ترسيخ سلطتها وطموحاتها على حساب سيادة لبنان. عاملٌ رئيسٌ آخر يجب ألّا ننساه هو المرض المُزمن الأساسي الذي أدّى إلى كلِّ هذا. إنه الثقافة السياسية العامة التقليدية السائدة لدى اللبنانيين وولاؤهم لمذاهبهم الدينية وزعيمهم. لوضع لبنان على المسار الصحيح للمستقبل، يجب تصحيح العقل السياسي للمواطن اللبناني.
حدث تطوران رئيسان في الآونة الأخيرة قد يكون لهما تأثيرٌ إيجابي في الأزمة اللبنانية: الحرب الأوكرانية والتحوّل في النموذج العربي-الإسرائيلي. أظهرت الحرب الأوكرانية أنه يمكن الدفاع عن الحرية، وأن القوة العسكرية قد لا تكون دائمًا قادرة على سحق الضعفاء. لقد أثبت الرد المُوَحّد للشعب الأوكراني وقيادته الشجاعة القوية أنه يمكن سحق الديكتاتورية. كما أن الاستجابة الغربية المُوَحّدة للحرب أعطت العالم الأمل في إمكانية استعادة القيم والعدالة. لقد بُنيت الحضارة الغربية على القيم والحرية، وعلى الأقل حتى الآن قام الغرب بالدفاع عن الحرية. أزمة لبنان هي أزمة الحرية لأن لبنان يمثل الحرية والديموقراطية في العالم العربي. على الولايات المتحدة كونها زعيمة العالم الحر واجب الدفاع عن الحرية في لبنان.
قد يكون للتغيير الجذري في العلاقات العربية-الإسرائيلية تأثير إيجابي أيضًا في لبنان. لقد حدث شيء جذري في العالم العربي. لم تعد إسرائيل عدوّتهم الأولى. العدوّة الآن إيران. هذه هي الرؤية التي روّجت لاتفاقات أبراهام التي تحققت في ظل رئاسة دونالد ترامب. العرب والإسرائيليون مُهددون من الثورة الإسلامية الإيرانية ويلتقون الآن في إسرائيل لتطوير استراتيجيات للدفاع عن أنفسهم ضد هذا التهديد. أنا لا أدعو إلى السلام بين لبنان وإسرائيل، لكنني بالتأكيد أدعو إلى الوقف التام لجميع الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل. يجب أن نعود إلى هدنة 1948 ويجب ألّا يسمح لبنان لأيِّ قوةٍ باستخدام الأراضي اللبنانية كمنصّة لضرب إسرائيل. من الواضح أن حل المشكلة الإسرائيلية-الفلسطينية هو حل سياسي وليس عسكريًا. لا ينبغي استخدام لبنان كبش فداء لأهداف غير قابلة للتحقيق.
كيف يُمكننا أن نُخرِجَ لبنان من الهاوية؟ كيف يمكننا إعادته إلى الحياة؟ يجب تحقيق هدفين رئيسيين:
- يجب أن نُعيدَ إحياء الثورة ودعمها بقوة في لبنان. الثورة أمرٌ حتمي. يجب علينا إعادة تنشيطها. يجب أن نتذكر أيضًا أنها عملية طويلة. قد تستغرق الثورة سنوات لتحقيق أهدافها، وبالتالي يجب أن تكون لدينا استراتيجية طويلة المدى. كما يجب التوضيح بأن الثورة ليست الضوضاء التي تُحدِثُها في الشوارع. إنها الغضب والالتزام بالتغيير في قلوب وعقول اللبنانيين. إن الفوز في انتخابات أيار (مايو) 2022 لا ينبغي أن يكون الهدف النهائي للثورة، إنها البداية فقط. ربما تكون الثورة فشلت حتى الآن. يجب أن نقبل الفشل، لكن لا ينبغي أن نسمح له أن يجعلنا نفشل. إن الثورة ضرورية بشكل أساسي ليس فقط لتغيير الطبقة الحالية من السياسيين ولكن أيضًا الوسط السياسي في لبنان، وتثقيف الجمهور حول دور المواطن مقابل دور الدولة. يجب علينا تطوير فلسفة سياسية جديدة. على الثورة أن تهدم الحدود بين الأديان، وأن تسحق دور الزعيم. الولاء للمذهب الديني والزعيم أفسد هذا البلد الجميل. يجب أن نوقف هذه المذبحة.
- . يجب أن نطلب المساعدة الدولية. الثورة وحدها ضرورية لكنها ليست كافية. نحن بحاجة إلى مساعدة من الغرب. يجب أن نعرض قضية لبنان على الأمم المتحدة ونطلب عقد مؤتمر دولي خاص بلبنان لتحقيق ما يلي:
أ. ضمان سيادة لبنان.
ب. ترسيخ حياد لبنان.
ج. خطة مارشال للانتعاش الاقتصادي.
د. وضع لبنان تحت مظلة دولية عابرة لفترة وجيزة للسماح بمرور لبنان السلس إلى السلام والاستقرار.
من مصلحة الغرب والعالم استعادة لبنان والمساعدة في إعادة تأسيس لبنان الحر، الديموقراطي، السيّد، المستقر والمحايد. في الوقت نفسه، يجب أن نُعيدَ التأكيد على أن هوية لبنان عربية. لبنان عربي من الرأس إلى أخمص القدمين ويجب أن يستمرَّ في كونه عضوًا فاعلًا في جامعة الدول العربية. لكننا نرفض رفضًا قاطعًا أن يذوب لبنان يومًا ما وينصهر في العالم العربي. يجب أن يظل دائمًا دولة مستقلة ذات سيادة.
هل أهدافنا قابلة للتحقيق؟ أنا أؤمن بذلك بالتأكيد. لقد تعلمتُ منذ أكثر من نصف قرن في طبّ وأبحاث السرطان أنه لا يوجد شيءٌ مُستحيل. ومع ذلك، فإن تحقيقَ الأهداف يتطلب الكثير. يتطلب الأمر بلورة رؤية لتعرف بالضبط ما تريد تحقيقه ولديك العزم والمثابرة للعمل من أجله. أنت بحاجة إلى قبول الفشل كجُزءٍ من العملية التي تقودك إلى النجاح. أولئك الذين يخشون الفشل لا يستطيعون النجاح. يجب أن نتعلّمَ من الفشل ونرتقي إلى مستوى التحدّي مرة أخرى ويجب ألّا نسمح لليأس أبدًا بأن يهزمنا. لبنان بلدنا. إنه هويتنا. يجب أن نخجل من أنفسنا إذا لم نحاول. إذا حاولنا، لا يجب أن نبذل جهدنا فحسب، بل يجب أن نبذل قصارى جهدنا. إذا فشلنا في بذل قصارى جهدنا، فنحن لا نستحق لبناننا.
- الدكتور فيلب سالم هو طبيب وباحث أميركي- لبناني في مجال السرطان، وهو كاتبٌ خبير في الشؤون اللبنانية والعربية.
- هذا المقال هو الكلمة التي يُلقيها بالإنكليزية الدكتور فيليب سالم في مؤتمر اللجنة التنسيقية اللبنانية-الأميركية الذي ينعقد اليوم (في 29 نيسان (أبريل) 2022) في واشنطن حول لبنان.