ستالين الإيراني
راشد فايد*
ليست مُصادفة، وبلا تمعّن، أن ينشر “حزب الله” على الطريق الدولية لمطار رفيق الحريري لوحة أقرب الى جداريات الزمن السوفياتي، “تُخلّد” “أدوار” الجنرال الإيراني قاسم سليماني في حياة مواليه، وضمنًا في العراق وسوريا ولبنان واليمن، إمتدادًا إلى دول الخليج، حيث فُضِح الكثير من مخططاته التخريبية، ومجموعاته المُسلّحة، وهو اغتيل بغارة أميركية قرب مطار بغداد الدولي مطلع العام 2020، وقد ردّت إيران، يومها، بالتهديد “الأسدي” الشهير وهو “الإحتفاظ بحقّ الردّ في المكان والزمان المُناسبَين”.
جدارية “الجنرال”، الذي لم تنتقم له إيران بعد سنتين من اغتياله، تُقدِّمه أبًا وقائدًا وأخًا ورفيقًا وطبيبًا أو مُعلّمًا، بما يُذكّر بالشخصيات المُتعدّدة لستالين، وهي نُصِبت لتصدم أنظار الخارجين من مطار بيروت الآتين من منافي الإغتراب، لإفهامهم لمن يعود قرار البلد ومصيره بُعيد بيان جدة السعودي – الفرنسي والمهاتفة الثلاثية بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيسين الفرنسي ايمانويل ماكرون واللبناني نجيب ميقاتي، كأنما هي للقول، لمن يعنيهم الأمر، أن أمور لبنان تحت هيمنة ما ومَن يُمثّل صاحب الصورة.
تُوحي اللوحة بوضع لبنان بوضوح في الخانة الإيرانية وتاليًا على مشرحة المفاوضات النووية في فيينا، تماماً كما حال صواريخ غزة (التي تجرح الخواء وتعطي اسرائيل مُبرّرًا لضرب غزة والضفة الغربية)، واحتدام المعارك في اليمن، وما يفعله “الحشد الشعبي” في العراق رفضًا لنتائج الانتخابات التشريعية.
تسليطُ اللوحة على بوابة لبنان الجوية تُنهي مرحلة أعقبت غزو بيروت (7 أيار/مايو 2008) وقضت بأن يبقى معبر لبنان مع العالم خارج التشنّجات والإشتباكات، للإيحاء بالطمأنينة للمسافرين، ذهابًا وإيابًا، وتشجيعهم وغيرهم على جعل لبنان مقصدًا. فرمزية مطار رفيق الحريري الدولي أنه محل توافق وطني على حياده، برغم موقعه الجغرافي، والإيمان، الساذج، بذلك، إلى حدّ رفض، شبه مرضي، لتشغيل مطارات رديفة على الأرض اللبنانية. وتم تجنيبه كل الإشتباكات وعراضات الدواليب المحترقة و”سلاح” الدراجات النارية، وفرسان المذهبية العمياء، وكلها تسجّل براءة اختراعها، أو استيرادها من طهران، لحزب السلاح.
إذا نحّينا هذا الجانب، يحل سؤال: لماذا يستعجل الحزب تحدّي مشاعر اللبنانيين بتثبيت اللوحة قبل نحو 10 أيام من إحياء ذكرى اغتيال فقيده؟ هل في ذلك رسالة مستعجلة إلى الحليف أن تجديد اتفاق مار مخايل يكون تحت المظلة الإيرانية؟ أم هو ردٌّ على بيان جدة السعودي – الفرنسي – اللبناني وتوكيده التمسك بـ”اتفاق الطائف” والقرارات الدولية الخاصة بلبنان، ومنه أن لا سلاح خارج قرار الدولة اللبنانية؟
كل ما تقدّم لا يغني عن القول إن الحزب لا يُريد، ولا يودّ فعليًا، أن يجد نقاط التقاء جدّية مع الشركاء في الوطن، وإن ما في السرائر غير ما على الألسن، فوحدة لبنان لا يمكن أن تتوافر خارج منطق الدولة ذات السلطة والسلاح، وخارج نصوص “الطائف”، وإن أول لبنة في الوطنية هي وحدة القِيَم والمُثُل، ولا يستقيم ذلك مع تنصيب لوحة على بوابة لبنان الدولية تبلغ الواصلين أنهم، في وطنهم، في رعاية الفرس، وأن أمنهم بين يدي من أشعل حروب المنطقة، وأن بلادهم ورقة في التجاذب النووي.
ما تعيشه البلاد توابل متاهة صدامات جديدة، لكن الرهان هو أن أهل السيادة والإستقلال أنضج من أن يقعوا في ردِّ فعلٍ على محاولة إلباسهم ثوبًا حياكته لا تُناسب وطنيتهم، وألوانه ليست إبنة أصالتهم العربية.
- راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
- يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).