كورونا الكهرباء

بقلم راشد فايد*

بعض الوقائع اللبنانية يُزعزع ثقة المواطن في مفاهيم اكتسبها منذ وعى الحياة، ومنها أن المسؤولين يتقاسمون المسؤولية، ولا يقتسمون السلطة. من ذلك أن يتولى وزير الثقافة والزراعة، عباس مرتضى، (ما الرابط بينهما سوى شخصه الكريم) إعلان موعد التنقيب عن النفط في بحر لبنان، كأنه يسابق الوزير المختص ليسجل “الإنجاز” على اسمه للتاريخ. لكن القدر انتقم للوزير ريمون غجر، وأوقع التسرّع وزير زراعة ثقافة النفط في الخطأ مرتين، فالموعد ليس منتصف هذا الأسبوع، وكشفه، ولو غير صحيح ، ينم عن عدم احترام اتفاق وزاري غير رسمي على عدم التداول في الموضوع.

ذلك ليس بجديد في الحياة العامة في لبنان. فها هو رئيس مجلس النواب، نبيه بري، أي السلطة التي تُشرّع وتُراقب عمل الحكومة، أي السلطة التنفيذية، يستقبل وفد صندوق النقد الدولي ويُناقشه في أزمة لبنان، وهو فاوض، قبل مدة، ديفيد هيل، نائب وزير الخارجية الأميركي، في شأن “خط هوف” النفطي، بمبايعة من رئيسي الجمهورية والحكومة، وهو لا يزال المرجع الرسمي اللبناني في العلاقة مع الخارج في هذا الشأن، وكأن في الأمر تشكيكاً في وطنية أي مفاوض آخر، أو كأن الحرص على المصلحة الوطنية إختصاص جهة بالذات دون غيرها.

ينمّ هذا الأمر، وغيره كثير، عن استمرار عقلية المُحاصَصة السياسية، والنظر إلى الدولة كإقطاعات، تتقاسمها القوى السياسية باسم الطوائف ورغماً عنها، وهو أمرٌ يؤدي إلى ضعف ثقة الناس بالدولة، وعدم إطمئنانهم إليها كمرجع لسكينتهم، واطمئنانهم إلى وطن يرعاهم، ويحضن مصيرهم ومستقبلهم.

لكن ذلك ما كان ليحدث لولا أننا لا نزال نعيش عصر الميليشيات ولو وارت سلاحها خلف الباب، أحياناً، وموّهت صورتها بسفسطة بلا طائل، عن عشقها للديموقراطية، وغرامها بالحوار. يّسقط كل ذلك مرجعية الدولة في الوعي العام، ويمنع الثقة بقراراتها وأفعالها، فكل قانون موضع شك لاقتناع مُبهَم بأن غايته توفير مكسب لزعيم من هنا أو هناك، أو مصلحة لزلمة من هنالك. حتى “فيروس كورونا” لم يسلم من اللاثقة بالدولة، فلم يُصدّق اللبنانيون أي تصريح بصدده صدر عن وزارة الصحة، خصوصاً بعدما راجت معلومات عن تدخّل حزب الممانعة الأكبر (“حزب الله”) للحؤول دون وقف رحلات الطيران من طهران إلى بيروت، حرصاً منه على التصدّي لـ”صفقة القرن”. وكيف يُمكن تصديق الدولة، فيما وزير شؤون رئاسة الجمهورية، سليم جريصاتي، يُدافع عن دور حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، بينما شباب من تياره البرتقالي يُحاصر المصرف ويُطالب بالإطاحة بحاكمه.

بين “كورونا” وصعود الدولار وهبوطه، و”العلاك” بشأن رياض سلامة، وإضراب الأفران، وزيارة وفد “صندوق النقد الدولي”، والتنقيب عن النفط والغاز جنوباً، ومآسي الجوع والفقر من النهر الكبير شمالاً إلى رأس الناقورة جنوباً، ومن شاطئ البحر إلى ىسفوح  السلسلة الشرقية، أين تقع أزمة الكهرباء، بل أين تتوارى، ولماذا صمت الكلام المباح عليها؟

لا “كورونا” ولا دولار. الكهرباء هي القضية: 50 في المئة من الدين العام بعد 12 سنة من الوعود الكاذبة مع 4 وزراء للطاقة. حضر تيار البرتقال وغاب تيار الكهرباء.

  • راشد فايد هو كاتب، محلّل سياسي، صحافي، وكاتب رأي في صحيفة “النهار” اللبنانية. يُمكن التواصل معه على بريده الإلكتروني: fayed@annahar.com.lb
  • يُنشر هذا المقال في الوقت نفسه في صحيفة “النهار” اللبنانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى