سوريا: ماذا يجري في السويداء؟

يبدو أنَّ الغارات الجوية التي يقوم بها سلاح الجو الملكي الأردني ضد تجار ومهرّبي المخدرات في محافظة السويداء في سوريا قد ولّدت غضبًا واحتجاجات في المحافظة و… مطالب. 

حركة “رجال الكرامة”: مستعدة للتعاون مع الأردن للقضاء على تهريب المخدرات.

محمد حسن*

يتعرّضُ الأردن لانتقاداتٍ متزايدة بسبب غاراته الجوية على محافظة السويداء جنوب سوريا، التي تهدفُ إلى مكافحة عمليات تهريب المخدرات، حيث تسببت بقتلِ عددٍ مرتفع من المدنيين. ارتكبت القوات الجوية الملكية الأردنية أخطاءً متكررة منذ تنفيذ غارتها الجوية الأولى قبل تسعة أشهر تقريبًا، في 8 مايو/أيار 2023، ضد مرعي الرمثان، وهو زعيم عصابة سوري مزعوم مُتَّهَم بتهريب المخدرات إلى الأردن، ما أدّى إلى مقتله وزوجته وأطفالهما الستة. في مناسباتٍ مُتعدّدة، قال السكان المحليون في السويداء إن الغارات الجوية تسببت في مقتل مدنيين وألحقت أضرارًا بمنازل وممتلكات شخصية، حتى لو كان بعضُ المُستهدَفين من بينهم أشخاصًا مُتَّهمين بالاتجار بالمخدرات وتهريبها إلى الأردن.

لا تزال الغارات الجوية تتسبّب في مقتل مدنيين

بدأ سلاح الجو الملكي الأردني غاراته الجوية قبل عامٍ تقريبًا، بعد أيامٍ قليلة من تهديد رئيس الوزراء الأردني أيمن الصفدي بشنِّ عمليةٍ عسكرية داخل سوريا لوضعِ حَدٍّ لتهريب المخدرات إلى الأردن. وبرّرت عمّان تدخّلها العسكري، الذي شمل تشديد الإجراءات الأمنية على الحدود والغارات الجوية في جنوب سوريا، من خلال الادّعاء بأنَّ هدفها هو وقفُ تهريب المخدرات إلى أراضيها، والقضاء على تجار المخدرات، وتدمير مصانعهم، التي أصبحت مصدر قلق كبير بالنسبة إلى المملكة في السنوات القليلة الماضية.

في أوائل أيار (مايو) 2023، شنَّ الأردن أولى ضرباته الجوية ضدّ تجّار المخدّرات والمهرّبين في جنوب سوريا. حينها، استهدَفَ الطيران الأردني قرية الشعب جنوب السويداء ومحطة معالجة المياه بين درعا وخراب الشحم. قتلت الغارة الأولى مهرّب وتاجر المخدرات المزعوم مرعي الرمثان مع عائلته، في حين دمرت الغارة الثانية منشأة تُستَخدَمُ لتصنيع وتعبئة أقراص الكبتاغون.

أدانَ كلٌّ من المجتمع المحلي في السويداء والسوريين على نطاق أوسع الغارات الجوية لتسبّبها في مقتل مدنيين. وطالب ناشطون وشخصيات عامة في السويداء، بالإضافة إلى سياسيين وناشطين سوريين، الأردن بالتحقيق في الحادثة واتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع استهداف المدنيين. لكن الأردن لم يُعلّق أو يستجيب لمطالبهم.

واصلَ الأردن بعد ذلك تنفيذ غارات جوية واشتبك في مناوشاتٍ شبه يومية مع المهرّبين على طول حدوده الشمالية مع سوريا. وفي 19 كانون الأول (ديسمبر) 2023، قصف سلاح الجو الأردني مزرعة في قرية دبين القريبة من الحدود، ما أدّى إلى مقتل أربعة أشخاص، بينهم امرأة وطفلان. كما قُتل شخصٌ آخر في غارة استهدفت مزرعة يملكها فيصل السعدي، وهو مهرب مزعوم، بالقرب من بلدة صلخد.

وأثارت هذه الغارات الجوية غضب المجتمع المحلّي، الذي نظّمَ احتجاجات للمطالبة بالتحقيق في مقتل المدنيين. لكن الأردن لم يُعلّق مرة أخرى على الأحداث وواصل حملة القصف الجوي.

في 18 كانون الثاني (يناير) الفائت، قصفت الطائرات الحربية الأردنية بلدة عرمان جنوب شرق السويداء، ضمن حملة المملكة المستمرة ضد عمليات تجارة وتهريب المخدرات. أسفرت الغارة عن مقتل 10 مدنيين، معظمهم من النساء والأطفال من عائلة الحلبي. ومن بين القتلى العقيد المتقاعد في الجيش السوري نزيه الحلبي، الذي قالت مصادر محلية إنه كان “من بين المشاركين في الحراك الثوري ضد النظام في السويداء”. وأضافت المصادر أنَّ “الحلبي لم يكن متورّطًا بأيِّ حال من الأحوال في تجارة المخدرات أو تهريبها”.

وبمقتله، يرتفع عدد الضحايا المدنيين في السويداء وحدها منذ أن بدأت الأردن غاراتها الجوية لأول مرة إلى 20، معظمهم من النساء والأطفال.

غضبٌ محلّي

أدّى مقتل المدنيين في عرمان إلى إشعال غضب السكان المحليين في المحافظة وفي جميع أنحاء سوريا بشكلٍ عام. ومنذ ذلك الحين، تشهدُ ساحةَ الكرامة وسط مدينة السويداء، وفي مناطق مختلفة من المحافظة، احتجاجات يومية تُندّد بقتل المدنيين وتنتقد الحكومة الأردنية.

وقد رفضت السلطات الأردنية التعليق على هذه الحوادث أو تقديم توضيحات، الأمر الذي أثار استياء السكان المحلّيين والمتضرّرين، حيث تساءل بعضهم عمّا إذا كانت “الطبيعة التعسّفية للغارات الجوية تهدف إلى تحقيقِ أهدافٍ تتجاوز وقف تجارة المخدرات”. في الواقع، يعتقد بعض السكان المحليين، وفقًا للمقابلات التي أجراها الكاتب، أنَّ “الهدف هو دفع المجتمع المحلّي مرة أخرى إلى أحضان النظام حتى تتوقف الغارات الجوية”.

وقال سالم، أحد سكان عُرمان جنوب شرق السويداء، إنَّ مناطقَ جنوب وجنوب شرق السويداء أصبحت خطرة على المدنيين بسبب الغارات الجوية الأردنية التي تتسبب دائمًا في سقوط ضحايا من المدنيين. في حين لا تستهدف الطائرات الأردنية مواقع “حزب الله” والميليشيات الإيرانية، رُغمَ أنَّ تلك الجماعات هي المُنتِج والمصدر الرئيس للمخدرات، وتتم عمليات التجارة والتهريب تحت إشرافها”.

وأضاف أنَّ “الطائرات المُسَيَّرة والطائرات الحربية تُحلّقُ بشكلٍ مستمر في سماء المناطق الجنوبية من المحافظة. قد يظن المرء أننا نعيش في غزة، وليس في السويداء”. وأكّدَ سالم أنَّ “بعضَ الأشخاص الذين يملكون منازل في مدينة السويداء أو في المناطق الشمالية من المحافظة، انتقلوا إليها من الجنوب خوفًا من القصف”.

ورفع أهالي السويداء الساخطون مطالب عدة، من بينها، أولًا وقبل كل شيء، إجراء تحقيق مُعَمَّق في حملة القصف الجوي وسقوط قتلى مدنيين. وتشمل مطالبهم الأخرى أن تصدر الحكومة الأردنية اعتذارًا وتُقدّم تعويضات للضحايا وعائلاتهم. كما دعوا إلى إنشاء آلياتِ تنسيقٍ بين الحكومة الأردنية والفصائل العسكرية في السويداء، مثل حركة “رجال الكرامة”، أكبر فصيل عسكري في المنطقة، لمكافحة عمليات تهريب المخدرات وتجنّب الضربات الجوية التي تستهدف المدنيين. وأخيرًا، طالب المجتمع المحلي الحكومة الأردنية بتركيز جهودها على النظام السوري والميليشيات الإيرانية و”حزب الله”، باعتبارها هي التي تملك مصانع المخدرات وتُشرف على عمليات وشبكات التهريب إلى الأردن ودول أخرى.

حركة “رجال الكرامة”

في 22 كانون الثاني (يناير)، اقترحت حركة “رجال الكرامة”، التي أسسها الشيخ وحيد البلعوس في العام 2013، تنسيق الجهود مع الأردن وتبادل المعلومات لمكافحة عمليات تهريب المخدرات إلى المملكة. وتضمّنت المبادرة المُقتَرحة تسعَ نقاطٍ رئيسة، أبرزها مطالبة الأردن بوقف عملياته العسكرية ضد الأصول المدنية والتصرّف بحكمةٍ وضبط النفس والحذر عند القيام بعملٍ عسكري، بالإضافة إلى تنسيقِ أيِّ أعمالٍ عسكرية مع رجال “حركة الكرامة”.

كما طالبت الحركة الأردن بموافاتها بقائمةٍ بأسماء الأشخاص المُشتَبه بتورّطهم في تجارة المخدرات في السويداء حتى تتمكّن من ملاحقتهم بنفسها وتسليمهم إلى السلطات الأردنية. بالإضافة إلى ذلك، دعت المبادرة القادة العسكريين الأردنيين المسؤولين عن الغارات الجوية السابقة إلى تقديم تعويضات للمدنيين الذين تضرّرت ممتلكاتهم، وإجراء تحقيقٍ شفاف في المعلومات التي أدّت إلى سقوط ضحايا من المدنيين، والاعتذار لأُسَر الضحايا، وتقديم التعويضات المعنوية والمالية. كما طالبت الحركة بالوقف الفوري للاستهداف التعسّفي للمنازل والأراضي الزراعية، والذي أدى إلى تقييد حركة الناس في القرى الجنوبية وتسبّبَ في نزوحٍ جماعي.

وناشدت الحركة القيادات الدينية والاجتماعية في كل بلدة وقرية في السويداء، وكذلك الأهالي والشخصيات السياسية، اتخاذ موقف علني ضد المتورّطين في تجارة المخدرات وتهريبها في مناطقهم، والكشف عن أسمائهم، ودعم الجهود لمتابعتهم ومحاسبتهم. كما أعلنت الحركة التزامها بمساعدة باقي الفئات المجتمعية والمدنية والسلطات الاجتماعية والدينية في السويداء، في ملاحقة واستجواب مهربي المخدرات وتجارها، ومحاسبة المذنبين بكافة الوسائل القانونية والعشائرية المتاحة.

رَدُّ فِعلِ النظام السوري

على مدى الأشهر القليلة الماضية، التزمت الحكومة السورية الصمت بشأن الضربات الجوية الأردنية. لكن، في 23 كانون الثاني (يناير)، أصدرت وزارة الخارجية السورية بيانًا أعربت فيه عن “أسفها العميق” إزاء الغارات الجوية التي نفذها سلاح الجو الأردني، وأضافت أن “مثل هذه العمليات داخل الأراضي السورية غير مُبَرَّرة”. وزعم البيان، الذي نشرته الوكالة العربية السورية للأنباء “سانا”، أنَّ الغارات الجوية الأردنية أدّت إلى مقتل “العديد من المدنيين، بينهم نساء وأطفال”، مُضيفًا أنه “منذ العام 2011، نعاني من تدفق عشرات آلاف الإرهابيين، وتمرير كميات هائلة من الأسلحة، انطلاقًا من دول جوار ومنها الأردن…”.

وشدّدت وزارة الخارجية أيضًا على أنَّ التصعيد في الأشهر الأخيرة يتعارض مع الاتفاقات التي تمَّ التوصل إليها بين البلدين بشأن قضايا تشمل تهريب المخدرات، وأكدت مجددًا “التزام سوريا بمحاربة الإرهاب… [و] الاتجار غير المشروع بالمخدرات وأنشطة التهريب”، وأشارت إلى أنَّ جهودها للتواصل مع الحكومة الأردنية بشأن قضايا مثل تحسين أمن الحدود “لم تتلقَّ ردًّا بعد”. ونظرًا للتقارير المُوَثَّقة جيدًا عن تورّط النظام السوري في أنشطة تجارة وتهريب المخدرات في جنوب سوريا، فقد تجد دمشق نفسها تنتظر وقتًا طويلًا.

وردَّ الأردن على البيان السوري، حيث أعلن عن رفضه لما اعتبره “إيحاءات” من النظام السوري بأنَّ المملكة كانت معبرًا للإرهابيين، واعتبر أن النظام في دمشق لم يتّخذ أي إجراء “حقيقي” لتحييد خطر التهريب نحو الأراضي الأردنية.

  • محمد حسن هو باحث غير مُقيم في برنامج سوريا التابع لمعهد الشرق الأوسط في واشنطن وطالب ماجستير في قسم العلاقات الدولية في المدرسة العليا للصحافة في باريس. وتتمحور كتاباته حول مناطق شمال وشرق سوريا، وخصوصًا الجماعات الإسلامية المتطرفة والمجتمعات العشائرية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى