في ظل الوباء والإغلاق والإحتلال، الفلسطينيون يخشون من كارثة

فيما كان الإحتلال الإسرائيلي يمارس قمعه المستمر على الفلسطينين في الضفة الغربية وقطاع غزة، تسلّل فيروس “كوفيد-19” خلسة إلى الأراضي الفلسطينية ليزيد من مآسي سكانها ويهددهم بكارثة.

محمود عباس: ليست لديه الأدوات لمواجهة كورونا إذا تفشّى بشكل كبير.

 

رام الله – داليا حاتوكة*

تسلّل الفيروس التاجي (كوفيد-19) بهدوء إلى غزة في 21 آذار (مارس). لقد تمّ تشخيص إصابة شخصين من العائدين من باكستان عبر معبر رفح الحدودي مع مصر بـالفيروس، مما أدى إلى موجات من الصدمة والخوف عبر الأراضي الفلسطينية.

وفي الضفة الغربية بدأ تفشّي المرض أيضاً بشكل صغير. تم تأكيد إصابة سبعة فلسطينيين ممَن تفاعلوا مع مجموعة من السياح الذين زاروا بيت لحم في 5 آذار (مارس) بفيروس كورونا الجديد. سعت السلطات بسرعة إلى تطبيق استراتيجية احتواء لمسقط رأس السيد المسيح، وفرضت إغلاقاً على الضفة الغربية بأكملها في 22 آذار (مارس). فقد حُظِّر التنقّل بين المدن والقرى ومخيمات اللاجئين إلّا في حالات الطوارئ الطبية. حتى 15 نيسان (إبريل)، كان هناك 291 فلسطينياً مُصاباً بالفيروس، 40 منهم من الأطفال، وفقاً لمتحدث باسم الحكومة الفلسطينية.

من جهتها زوّدت إسرائيل، التي أعلنت إغلاقها الخاص للتعامل مع الفيروس، السلطة الفلسطينية في رام الله بأطقم اختبار وفحص وسمحت لها الوصول إلى المختبرات لإجراء الاختبارات التي تشتد الحاجة إليها. وعلى الرغم من أن الإسرائيليين والفلسطينيين لم يجروا محادثات سلام مباشرة منذ رحيل إدارة باراك أوباما، إلّا أن التهديد بالوباء أجبرهم على وضع بعض خلافاتهم جانباً في الوقت الحالي. لكن أبعد من ذلك، لم يتغيّر الكثير على الأرض.

وقال طارق باكوني، محلل الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية في مجموعة الأزمات الدولية: “لا ينبغي أن ننظر إلى هذا النوع من التعاون على أنه إنجاز. ما يحدث هو إضفاء الطابع المؤسسي على الإحتلال وإنفاذ نظام الإغلاق”.

وبالفعل، واصل الجيش الإسرائيلي غاراته على مدن الضفة الغربية، وفتّش منازل السجناء السابقين ومختلف القادة الفلسطينيين. كما واصلت إسرائيل سياستها في هدم منازل بعض الفلسطينيين، مُستشهدةً بعدم وجود تصاريح للبناء على الرغم من أنها نادراً ما تُصدرها للفلسطينيين. في إحدى الحالات الأخيرة، صادرت السلطات الإسرائيلية حتى مواد تم تخصيصها لبناء عيادة لفيروس كورونا في وادي الأردن.

وافق العديد من الفلسطينيين الذين تحدثت إليهم على أن التعاون بين الإسرائيليين والفلسطينيين أمرٌ حيوي لمعالجة ومواجهة “كوفيد-19”. لكنهم رفضوا الفكرة بأن التعاون يحدث بين جارتين ذات سيادة تُوحّد قواها لمحاربة عدو مشترك. إن تأثير إسرائيل المُفرِط في الحياة اليومية في كل من غزة والضفة الغربية يمنحها اختلالاً كبيراً في القوة لصالحها، وبالتالي مسؤولية أكبر تجاه السكان الذين يقعون تحت سيطرتها.

وُضِعَ قطاع غزة لأول مرة تحت الحصار من قبل إسرائيل ومصر في العام 2007، بعد أن سيطرت حركة “حماس” الإسلامية على القطاع. إن العديد من سكانها البالغ عددهم (2) مليوني نسمة، المحشورون في قطعة أرض مساحتها 140 ميل مربع فقط، يُعانون من الفقر ولديهم عوامل خطر أخرى تتعلق بالصحة، مثل سوء التغذية. البنية التحتية للصحة العامة رديئة، وهناك نقص في المعدات والموظفين، مما يجبر العديد من السكان على التماس العلاج في إسرائيل أو مصر أو الأردن أو في الخارج.

ربما لعبت عزلة غزة، التي فرضت ضوابط صارمة على الحركة عبر الحدود، دوراً في احتواء انتشار الفيروس التاجي في البداية مع ظهور حالات في الضفة الغربية. ومع ذلك، مع نظامها الصحي المتدهور وكثافة سكانها، يخشى المواطنون من أنه إذا تفشّى الفيروس التاجي في غزة فستكون له عواقب كارثية.

في العام 2012، حذّرت الأمم المتحدة من أن غزة ستكون “مكاناً غير قابل للعيش” بحلول العام 2020. ومنذ ذلك الحين، كانت هناك حربان أرضيتان بين حماس والجيش الإسرائيلي دمّرتا البنية التحتية المدنية الحيوية. إنخفض توافر المياه النظيفة والطعام المغذي والصرف الصحي الملائم بشكل كبير.

قالت يارا عاصي، خبيرة الصحة العالمية التي تُدرّس في جامعة “سنترال فلوريدا”: “لقد شُدّد الحصار واُرخيَ في أشكال مختلفة، تاركاً بيئة حيث التخطيط مُستحيلاً. وزادت البطالة، تاركة الناس مع القليل من المال لدفع تكاليف الرعاية اللازمة، ناهيك عن التماس الرعاية الوقائية”.

وأضافت: “إن العديد من الأطباء الراسخين القادرين هاجروا إلى مكان آخر لممارسة المهنة. ونتيجة لذلك، فإن نسبة مُقدّمي الخدمات وأسرّة المستشفيات إلى المرضى غير كافية. إن القيود المفروضة على الاستيراد والتصدير يجعل من المستحيل على الصيدليات التخزين بشكل كاف. وقد أبلغت المستشفيات منذ فترة طويلة عن نقص في الإمدادات الأساسية، مثل المصل، وسالين (المحلول المِلحي)، و”أكياس آي في”، والشاش”.

كان النظام الصحي في غزة يعمل فوق طاقته حتى قبل وصول الفيروس التاجي. وفقاً لتقرير حكومي فلسطيني حول الإستعداد لـفيروس “كوفيد-19″، يوجد 295 مروحة طبية (ventilators) فقط في الضفة الغربية وقطاع غزة – أي ستة لكل 100,000 شخص. وتقول منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان، وهي منظمة إنسانية مقرها إسرائيل، إن غزة لديها حالياً حوالي 70 سريراً فقط من وحدات العناية المُركّزة، بعضها مشغول بالفعل، و 200 عدّة اختبار (test kits).

ويتطلب تجنّب تفشّي المرض في غزة تعاون الحكومة التي تقودها “حماس” مع كلٍّ من إسرائيل والسلطة الفلسطينية التي تُهيمن عليها “فتح”. لكن الأخيرة كانت على خلاف مع “حماس” منذ سنوات، وفشلت المحاولات المتكررة بينهما لتشكيل حكومة وحدة وطنية.

قال عمر شعبان، مدير مؤسسة “بال-ثينك للدراسات الإستراتيجية”، وهي مؤسسة فكرية مستقلة مقرها في غزة: “هناك القليل من التعاون بين السلطة الفلسطينية وحماس”. ويقول إنه خلال الأيام الأولى من تفشّي المرض، كانت السلطة الفلسطينية تساعد “حماس” في اختبار حالات الفيروس التاجي في غزة. ولكن سرعان ما توقف ذلك بعد أن تلقت “حماس” بعض مجموعات الاختبار والفحص الخاصة بها. لكن السلطة الفلسطينية تنفي ذلك.

في 6 آذار (مارس)، أعلنت السلطة الفلسطينية حالة الطوارئ لمدة شهر، ومدّدتها بعد ذلك لمدة 30 يوماً أخرى. المدارس ودور الحضانة والجامعات مُغلقة وجميع حجوزات الفنادق السياحية في الضفة الغربية أُلغِيَت. كما تم إغلاق مواقع الحج وبيوت العبادة، وكذلك المتاحف والمحاكم. وأغلقت الشركات والمقاهي والمطاعم أبوابها، باستثناء متاجر الزاوية والصيدليات ومقدمي الخدمات الأساسية الآخرين، فيما أُمِرَ الفلسطينيون بالبقاء في منازلهم.

ونتيجة لذلك، ركد اقتصاد الأراضي الفلسطينية. كانت أول مدينة رئيسة تُعاني هي الخليل، أكبر مدينة فلسطينية ومركز تجاري طوّر علاقات تجارية وثيقة مع الصين. وقال رئيس الوزراء محمد أشتية الأسبوع الفائت إن تقديرات الحكومة لإجمالي الخسائر التي لحقت بالإقتصاد الفلسطيني تبلغ 3.8 مليارات دولار.

في 25 آذار (مارس)، أكد المسؤولون أول حالة وفاة فلسطينية ترتبط بفيروس كورونا، وهي امرأة في الستينات من عمرها من قرية بيدو، بالقرب من القدس. وقالت السلطات إن ابنها، الذي كان يعمل في إسرائيل، نقل المرض إليها ونشره بين مجموعة من الأقرباء. وقد اتضح أن 15 من أفراد أسرتها والقرويين أصيبوا بالفيروس في وقت لاحق، مما دفع السلطات إلى إغلاق القرية. وقد أثار ذلك مخاوف من المزيد من العدوى من إسرائيل، التي سجلت بالفعل أكثر من 10,000 حالة حتى الآن.

وقالت عاصي: “من مصلحة إسرائيل بالطبع ضمان عدم تفشّي المرض بين السكان الفلسطينيين، حيث علمنا بسرعة أن الأمراض المُعدية لا تحترم الحدود”. لكن إجراءات الاحتواء هذه تتطلب مزيداً من التعاون المباشر من إسرائيل، فضلاً عن المساعدة من المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة. ومع ذلك، تواجه الوكالات الإنسانية تخفيضات هائلة في موازناتها، ومواردها القليلة المتبقية يتم تحويلها إلى حالات الطوارئ الأخرى في المنطقة، مثل سوريا واليمن.

قالت غادة الجدبا، مديرة برنامج غزة الصحي في وكالة الأمم المتحدة المسؤولة عن اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”: “لدينا ثمانية مخيمات للاجئين والبنية التحتية سيئة للغاية. و هذا الوضع يُشكل أرضية جيدة لانتشار الفيروس. ستكون كارثة على غزة. ستكون السيطرة على هذا الوباء مستحيلة إذا تُرِكت غزة وحدها للتعامل معه”.

وقالت عاصي: “في أفضل حالاتها، قبل جائحة “كوفيد-19″، كانت غزة واحدة من أسوأ الأماكن على وجه الأرض للمرض، وخصوصاً لأولئك الذين يحتاجون إلى رعاية مُكثفة. هذه الصور المروعة للمهنيين الطبيين المنكوبين من إيطاليا ونيويورك والصين في الأسابيع القليلة الماضية – الذين لم يكن لديهم المعدات والعديد والمعنويات – تعكس ما يعانيه المهنيون الصحيون في غزة منذ أكثر من عقد”.

لن يكون لدى “حماس” سوى القليل من القدرة على احتواء تفشّي الأمراض المُعدية في هذه المنطقة المُكتظة بالسكان. العديد من الأسر مُتعددة الأجيال وتعيش معاً في أماكن المعيشة، وقد لا يتمكن بعض أفراد الأسرة من البقاء في المنزل من العمل. هناك حقائق قاتمة أخرى تُفاقم المشكلة: حوالي نصف سكان غزة عاطلون من العمل، وغالباً ما تكون المياه غير صحية، وانقطاع التيار الكهربائي هو القاعدة.

اليوم، المعابر الإسرائيلية بين الضفة الغربية وقطاع غزة مُغلَقة أمام حركة السير على الأقدام، مع استثناءات قليلة بما في ذلك الحالات الإنسانية والعمال. لا يزال هناك معبر مُنفصل للتجارة مفتوحاً حتى الآن.

لكن الخبراء يقولون إن هذا ليس كافياً. وقالت تانيا هاري، المديرة التنفيذية لمنظمة “غيشا”، وهي منظمة إسرائيلية غير ربحية تدافع عن حق الفلسطينيين في الحركة: “إذا كانت لديك سيطرة، فأنت تتحمل المسؤولية التي تأتي مع تلك السيطرة. يكشف الفيروس التاجي عن هشاشة القطاع الصحي في غزة. ما يختلف اختلافاً جوهرياً هو أن الاقتصاد قد خُنِق عن قصد لسنوات عديدة، والناس ليست لديهم شبكة أمان. ندعو إسرائيل إلى إزالة كل القيود”.

  • داليا حاتوكة صحافية ومُذيعة مُتخصصة في الشؤون الإسرائيلية – الفلسطينية. تُقسّم وقتها بين الولايات المتحدة والضفة الغربية، وقد تم نشر كتاباتها في الواشنطن بوست، الإيكونوميست، فورين بوليسي، فورين أفيرز وأطلنتيك وغيرها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى