إيران: إستِكمالُ الثورةِ بأسلَمَةِ المُجتمعِ على جميع المستويات

بعدما وصلوا إلى السلطة، يسعى قادة إيران المُتشدّدون إلى استخدام نتائج الانتخابات الأخيرة في البلاد لأسلمة المجتمع على جميع المستويات.

الحرس الثوري الإيراني: الفائز الأكبر

كسرى عربي وسعيد جولكار*

في الوقت الذي تحوّل الاهتمام العالمي إلى رئاسة رجل الدين الإسلامي المُتشدّد إبراهيم رئيسي، فإن التغييرات الناتجة عن الانتخابات الفرعية الإيرانية في حزيران (يونيو) لمجلس الخبراء والبرلمان الإيراني، وكذلك انتخابات مجالس البلدية، ستؤثر بشكل كبير في الحياة اليومية للإيرانيين. من خلال برنامج الأسلمة من القاعدة إلى الهرم، سواجه الشبان والنساء والناشطات المزيد من القمع.

إن الانتخابات في ظل النظام الديني الإيراني – حيث يتمتع المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي بالسلطة المطلقة – ليست حرّة ولا نزيهة، ولا يُمكن أن يأتي التغيير من خلال صناديق الاقتراع. في الواقع، شكّل وهندس خامنئي ودائرته المُقَرَّبة نتيجة الانتخابات المختلفة في حزيران (يونيو) لتغيير إيران.

أظهرت النتائج انتصارات في جميع المجالات للفصيل المُتشدّد – ما يسمى بـ “الرئيسيين”. إن إلقاء نظرة فاحصة على خلفيات أولئك المُنتَخَبين تحت مظلة هؤلاء “الرئيسيين” يكشف عن انتصارٍ لـ”فيلق الحرس الثوري الإسلامي” ، الجيش الإيديولوجي لنظام الملالي. ثلاثةٌ من المقاعد البرلمانية الستة المطروحة في الانتخابات الفرعية حصل عليها قادة سابقون في الحرس الثوري الإيراني – إسماعيل كوسري، وفتح الله تافاسولي، وسيّد ناصر حسينبور.

كان هذا الاتجاه أكثر وضوحاً في انتخابات المجالس البلدية، حيث – خصوصاً في المدن الكبرى – ترتبط معظم المجموعة الرئيسة الجديدة بعلاقات مباشرة مع الحرس الثوري الإيراني والباسيج، الميليشيا المدنية التطوّعية التابعة للحرس الثوري الإيراني. على سبيل المثال، يتمتع ثلثا أعضاء المجلس البلدي الجدد في طهران بخلفية من الحرس الثوري الإيراني أو الباسيج. بالنسبة إلى خامنئي ودائرته المتشددة، تم تصميم هذه النتيجة المُنسَّقة لإطلاق عملية مُتزامِنة من الأسلمة من أعلى إلى أسفل ومن أسفل إلى أعلى، بهدف تحقيق “مجتمع إسلامي” مثالي – وهي مرحلة من مراحل الثورة الإسلامية التي يعتقد المرشد الأعلى ودائرته أنها لا تزال غير مُكتملة.

من جهتها، تعمل إدارة رئيسي على تعزيز هذا الهدف بدءاً من القمة. ومع ذلك، يتطلب الوصول إلى مجتمع إسلامي نهجاً مُتزامناً من القاعدة إلى القمة يؤدي إلى إطلاق موجة جديدة من أسلمة القواعد الشعبية لغرس إيديولوجية النظام الإسلامية في جميع أنحاء المجتمع الإيراني مع تطهيره في الوقت نفسه من هويته غير الإسلامية. من خلال تمكين الحرس الثوري الإيراني والباسيج على مستوى المحافظات والمستوى المحلي، سيكتسب خامنئي سيطرة أكبر على الشوارع الإيرانية – وهي حسابات شكّلت انتخابات مجالس البلديات.

مثل التصويت الرئاسي، حدثت هندسة انتخابات غير مسبوقة لانتخابات مجالس البلدية. الإحصاءات المُروّعة عن منع الأعضاء الحاليين من الترشّح لإعادة الانتخاب تُعطينا مقياساً لمدى تزوير الانتخابات. لقد رفض المجلس التنفيذي ومجلس الإشراف ترشيحات جميع أعضاء المجلس الحاليين في أصفهان و 81 في المئة في العاصمة طهران، وهما الهيئتان المسؤولتان عن فحص الانتخابات المحلية. بينما يخضع المجلس التنفيذي لسلطة وزارة الداخلية، يتم إنشاء مجلس الإشراف من قبل البرلمان، وهو مسؤولٌ عن مراقبة انتخابات المجالس. ولأن البرلمان كان يسيطر عليه أعضاء تابعون للحرس الثوري الإيراني والباسيج منذ العام 2020، فقد هيمنوا  أيضاً على مجلس الرقابة.

في جميع أنحاء المحافظات الإيرانية، يتمتع أعضاء مجالس البلدية الجدد المرتبطين بالحرس الثوري الإيراني بوضعٍ جيّد لتنفيذ موجة شعبية من الأسلمة. يتمتع جميعهم بخبرة سابقة في العمل لصالح الحرس الثوري الإيراني أو الفروع الثقافية الإيديولوجية التابعة للباسيج، المُكَلَّفة بنشر إيديولوجية النظام الإسلامي الشيعي داخل إيران وخارجها. على سبيل المثال، عمل بارفيز سُروري، عضو مجلس طهران المقبل، كرئيسٍ للجنة الدعاية في “حزب الله” اللبناني. وبالمثل، في مشهد، كان ماجد طاهوريان عسكري المُنتَخَب حديثًا هو المدير الثقافي للباسيج في محافظة خورسان رضوي.

لطالما شارك الحرس الثوري الإيراني والباسيج – اللذان يُشكّل أعضاؤهما حجر الأساس لقاعدة الدعم الأساسية لخامنئي – في برنامج أسلمة القاعدة الشعبية للنظام، بما في ذلك من خلال مجالس الأحياء (الشورياري) – وهي نسخة طبق الأصل من مجالس البلدية على مستوى أدنى. تاريخياً، الحرس الإقليمي التابع للحرس الثوري الإيراني هو المؤسسة المُكَلَّفة بتشكيل مجالس الأحياء في البلدات والمدن الأصغر. على سبيل المثال، في سنندج، شكّل الحرس الإقليمي التابع للحرس الثوري الإيراني 114 مجلساً للأحياء في شباط (فبراير) 2021.

حتى في حالة انتخاب مجالس الأحياء، يتعيّن على كل مجلسٍ أن يكون لديه “باسيج” محلي ورجال دين وممثلون للمدرسة. المسؤوليات الواسعة التي تقع على عاتق مجالس البلدية – بما في ذلك اختيار رئيس البلدية وكذلك التخطيط والتمويل والإشراف على خطط البلدية – ستُعزّز أهداف الحرس الثوري الإيراني في أسلمة الأحياء واستعادتها. على سبيل المثال، في الأسبوع الفائت فقط، تم اختيار علي رضا زكاني، الرئيس السابق لمنظمة الباسيج الطلابية والتابع الوثيق للحرس الثوري الإيراني، من قبل مجلس مدينة طهران الجديد كرئيس لبلدية طهران. وكان زكاني تعهّد ببناءِ مُجتمعٍ إسلامي في العاصمة.

ماذا تعني الأسلمة عملياً على المستوى المحلي عندما يتعلق الأمر بإنشاء مجتمع إسلامي؟ بناءً على موجات الأسلمة السابقة ومسؤوليات مجالس البلديات، من الآمن أن نتوقع ثلاثة اتجاهات ناشئة:

الأول يتعلق بأسلمة الفضاء العام وتعزيز قواعد الأخلاق الإسلامية الصارمة. وهذا يعني بناء مساجد وحسينيات جديدة، أو مراكز دينية شيعية، ووضع لافتات إسلامية، وتعزيز الممارسات الدينية العامة (مثل مواكب الجَلد الشيعي الذاتي)، وفرض الفصل بين الجنسين في الأماكن العامة بصرامة. كما أكد عضو مجلس بلدية طهران المقبل سيد أحمد علوي المُتحالف مع الباسيج: “أنا أقبل الحياة الليلية، ولكن الحياة الليلية الدينية فقط هي التي تجعل ليالي طهران أكثر إشراقاً وشفافية وأمانا”. وأضاف: “سنقوم بالتأكيد بإصلاح الحياة الليلية لتحقيق التصميم الديني خلال فترة وجودنا في المنصب”.

ثانياً، تعني أسلمة الحياة العامة أيضاً تسريع الجهود لإزالة التأثيرات الغربية من المجتمع الإيراني. وسيشمل ذلك وضع نُظُمٍ محلية لمزيد من التضييق على قواعد اللباس غير الإسلامي، مثل “الحجاب السيئ” للنساء والملابس الضيّقة للرجال، وزيادة القيود على الموسيقى والسينما والأدب، ومنح الشرطة والباسيج مزيداً من السلطة لإغلاق المحلات التجارية التي تُروّج للعطلات الغربية مثل عيد ال”هالوين” و”عيد الحب”. وقد أعطى القائد الإقليمي للحرس الثوري الإيراني في زنجان نكهةً لهذه التغييرات، من خلال التصريح التالي: “في الإسلام ، يشير الحجاب والعفة إلى كلٍّ من الرجال والنساء، [لذلك] في المجتمع الإسلامي يحتاج الرجال إلى توخّي الحذر بالنسبة إلى ملابسهم مثل النساء”.

كما يتصدر جدول الأعمال اتخاذ إجراءات صارمة بشأن وجود الكلاب الأليفة والمشي العام للكلاب. وأشارت صحيفة كيهان – الناطقة بلسان خامنئي – إلى المشي مع الكلاب على أنه “مشكلة أساسية” تعكس “انتشار نمط الحياة الغربي”.

أخيراً، يُقصَدُ بهذين العامِلَين مُجتَمِعَين أن يُترجما إلى مزيد من التعاون بين المساجد ومكاتب الباسيج والمجالس في المدن والبلدات والأحياء. في المقابل، ستتمتع الأذرع الاقتصادية للحرس الثوري الإيراني والباسيج بإمكانية وصول أكبر إلى العقود العامة، مما يضيف إلى خزائنهما على حساب اقتصاد القطاع الخاص.

لكن بينما سعى خامنئي وحلفاؤه إلى تصنيع وتحضير المجموعة الصحيحة من الشروط لدفع إيران نحو مجتمعهم الإسلامي المثالي، فإنهم يدركون تماماً أن الشعب الإيراني – وبخاصة الشباب والنساء – من المرجح أن يقاوم الموجة الجديدة من الأسلمة. لقد ظهرت فجوة كبيرة بين الدولة والمجتمع، حيث رفضت قطاعات كبيرة من الشعب الإيراني مُثُلَ وأهدافَ نظام الملالي. على الرغم من الطبيعة الثيوقراطية للنظام الحاكم، فقد شهد المجتمع الإيراني عَلمَنة غير مسبوقة. وهذا يُفسر تمكين الحرس الثوري الإيراني والباسيج على المستوى المحلي. لديهما الموارد والقوى البشرية والاستعداد لفرض تغييرات على مستوى القاعدة على شعبٍ متحدٍّ لكن أعزل.

في المدى القصير، ستؤدي هذه التغييرات إلى مزيدٍ من القمع محلياً، والذي سيحصل على الدعم الكامل من إدارة رئيسي. ولكن في المدى الطويل، سيؤدي ذلك إلى تفاقم هجرة الأدمغة الإيرانية، حيث يغادر الآن بين 150,000 و180,000 إيراني متعلم البلاد كل عام. وسوف يسعى الإيرانيون الأكثر ثراءً إلى إيجاد مساراتٍ قانونية، بينما يلجأ الفقراء منهم إلى المتاجرين بالبشر للبحث عن ملاذٍ في الخارج. في حين أن الدول الغربية قد لا تكون على دراية بالتغييرات التي يُريدُ خامنئي فرضها على المجتمع، فإن اليأس الذي يدفع الإيرانيين للبحث في الخارج عن حياةٍ أفضل وأكثر أماناً قد يعني أن التداعيات ستصل إلى عتباتها.

  • كسرى عربي هو محلل بارز في معهد طوني بلير للتغيير العالمي ومتخصص في إيران والتطرف الإسلامي الشيعي. وسعيد جولكار هو أستاذ مساعد في قسم العلوم السياسية في جامعة تينيسي، تشاتانوغا. وهو أيضاً زميل كبير في معهد طوني بلير للتغيير العالمي.
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى