لبنان أمامَ تحدّي تشكيل “حكومة مُهِمَّة” للإنقاذِ الوطني

الدكتور ناصيف حتّي*

بعدَ اجتيازِ “حاجزِ” التكليف مع الرئيس نجيب ميقاتي، سيصل قطار تشكيل الحكومة الذي انطلق من جديد بعد اعتذار الرئيس سعد الحريري، إلى “حاجز “التأليف. البعضُ يُحذِّر من أن هذه الرحلة كسابقتها لن تصل إلى “المحطّة الأخيرة” التي يُفتَرَض أن تَشهَدَ ولادةَ حكومةٍ في محاولةٍ، قد تكون الأخيرة، لإطلاق عملية إنقاذ “المركب اللبناني” من الغرق. ويرى آخرون، عن قناعة عند البعض أو تَمَنٍّ عند البعض الآخر، أن الأمور قد اختلفت الآن عمّا كانت عليه مِن قبل لأسبابٍ يُرجِعها بعضهم إلى ما يُسمّونه العامل الشخصي السلبي الذي طبع العلاقة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس الحريري، ويُعيدُها البعض الآخر إلى أنّه لم يَعُد من الممكن الاستمرار من دون حكومة، لأنَّ ذلك سيُعجِّل في انهيار الهيكل على الجميع. كما أن ضغوطات أطرافٍ حليفة، أو صديقة داخلية أو خارجية لهذا الطرف أو ذاك، كفيلة باجتياز “حاجز” التأليف بنجاح. ويتحدّث البعض عن فكرةٍ لتسهيلِ ولادة الحكومة قوامها التخلّي عن تشكيل حكومة “تكنوقراط” لمصلحة حكومة تكنوسياسية تضمّ ستة مُمثّلين لزعماءِ فيدرالية المذاهب السياسية الحاكمة، يكونون وزراء دولة، إلى جانب 18 وزيراً من التكنوقراط. أصحاب هذا الرأي يعتبرون أن طمأنة ما أسمَيتهم في مقالةٍ سابقة ب”حرّاس الهيكل”، يسمح للحكومة الجديدة بأن تنجح بتحقيق مهامها. ويعتبرون ايضاً أنه من دون ذلك فإنّ الحكومة ستجد نفسها بالفعل مُكَبَّلة من خارجها، وبالأخصّ من المجلس النيابي القادر أن يُسقِطَ أو يَمنَعَ عبر فيدرالية المذاهب السياسية وكيفية إدارتها اللعبة السياسية في أي مشروع قانون تُحاول أن تُقدّمه الحكومة، أو مُحاصَرتها بشكلٍ مُستمرّ عبر مُختلف وسائل الضغوطات المعروفة. والحديث عن حكومة تكنوقراط كلّياً لا يعني بالضرورة أنها مُحَصَّنة من التأثير المُباشر والمُكَبِّل للزعماء المُشار إليهم سابقاً، طالما أن التكنوقراطي قد يكون مُرتَبطاً بمرجعيةٍ سياسية تُقيِّدُ دوره وتُحدِّد له مواقفه من كافة القضايا المطروحة. نعود بذلك إلى منطق تقاسم “جبنة السلطة” بلُعبةٍ واجِهَتُها وابطالها تكنوقراط: لُعبةُ تَقاسُمِ “جبنة السلطة” في فيدرالية المذاهب السياسية التي تُجيدُ هذه اللعبة حفاظاً على مصالحها كما نعرف ونشهد.

لُعبةُ صراعِ المصالح الفئوية تجري دائمآ باسم الصلاحيات المُستَعادة، أو تلك التي يجب الحفاظ عليها بالنسبة إلى البعض، أو تلك التي يجب استعادتها بالنسبة إلى آخرين. “حكومةُ المُهِمّة” التي يتحدّثون عنها، رُفِعَت كشعارٍ أُفرِغَ من مضمونه. تشكيلُ “حكومة مهمّة” يعني اختيارَ فريقِ عملٍ مُتجانِس ومن أصحابِ المعرفة العلمية والتجربة العملية يعمل لتنفيذِ خطةِ إنقاذٍ تقومُ على برنامجٍ واضحٍ ودقيقٍ للإصلاح الشامل والمُتكامل، وليس لإصلاحاتٍ شكلية لا تفي بالمطلوب، وذلك ضمن إطارٍ زمني يُتَّفَق عليه. إن إنجاحَ “حكومة المهمّة” في تنفيذ برنامجها الإصلاحي الشامل يتطلّب مَنحَها صلاحيات استثنائية لهذا الأمر، حتى لا تبقى رهينة اللعبة السياسية التقليدية التي تُجيدها فيدرالية المذاهب السياسية حفاظاً على مصالحها. شرطٌ آخر لا بدَّ من توفيره لإنجاحِ “حكومة المهمّة” متى شُكّلت، أو إذا شُكِّلَت، قوامه توفير شبكة أمان ومواكبة خارجية من الأطراف المؤثّرة والمَعنية، علماً أن المضي في مسارٍ من هذا النوع، الذي نَقُرُّ أن دونه صعوبات كثيرة وكبيرة، سيخلق دينامية وطنية داعمة له من كافة القوى التغييرية والإصلاحية تُوفِّرُ له فُرَصاً كبيرة للنجاح، وتمنع لبنان من أن ينزلقَ أكثر للتحوّل إلى دولةٍ فاشلة لا سمح الله، كما حذّر كاتب هذا المقال منذ عام.

كافة المؤشرات اليوم تدلّ على أننا صرنا على قاب قوسين من التحوّل إلى دولةٍ فاشلة، وباب الإنقاذ يبقى أمامنا إذا ما  توفّرت الإرادة لولوجه. فهل نكون على مستوى هذا التحدّي؟

  • الدكتور ناصيف يوسف حتّي هو أكاديمي، ديبلوماسي متقاعد ووزير خارجية لبنان السابق. كان سابقاً المتحدث الرسمي باسم جامعة الدول العربيةولاحقاً رئيس بعثتها في فرنسا والفاتيكان وإيطاليا، والمندوب المراقب الدائم للجامعة لدى منظمة اليونسكو.
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب”– لندن- توازياً مع صدوره في صحيفة “النهار”- بيروت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى