مع هدوء رياح الحرب الأهلية السورية، هل تشتعل في لبنان؟

فيما تتجه الحرب الأهلية في سوريا إلى نهاياتها، بدأت دمشق وإيران و”حزب الله” تركيز إهتمامها على لبنان الأمر الذي شدّ إنتباه إسرائيل لنقل إهتمامها بدورها إلى بلد الأرز الأمر الذي قد يتسبب بحرب إقليمية.

بنيامين نتنياهو: هروب إلى الأمام للتغطية على مشاكله القانونية؟

بقلم فريدا غيتيس*

بعد سبع سنوات من الحرب الأهلية، يبدو أن الرئيس السوري بشار الأسد سيخرج منتصراً بفضل الدعم الذي تلقاه من روسيا ومن رعاته في إيران و”حزب الله” اللبناني. الحرب لم تنته بعد، لكن التركيز على ما سيأتي بعدها جار بشكل فعلي، فهناك الآن تغيير واحد واضح: إيران ودمشق و”حزب الله” تنقل معاً إنتباهها وإهتمامها من بلاد الشام للتركيز على مستقبل لبنان – وكذلك تفعل إسرائيل.
في الأيام الأخيرة، تحوّلت موجة من النشاط العسكري والسياسي إلى لبنان، مؤكدة أن البلد الصغير – الذي عانى لفترة طويلة من رذيلة التوترات الإقليمية التي غالباً ما تكون لها عواقب وخيمة – يشعر مرة أخرى بالضغوط.
كان لبنان يستمع إلى التهديدات والتهديدات المضادة التي يتبادلها “حزب الله” وإسرائيل، ويراقب الأنشطة العسكرية على طول حدوده، ويتتبع الرحلات الجوية الغامضة للطائرات الإيرانية، ويتابع دراما سياسية مشحونة لا يبدو أن لها نهاية في الأفق.
ويتكشّف الفصل الأخير في صراعات لبنان مع إستمرار السعي إلى تشكيل حكومة جديدة في بيروت بعد أكثر من ستة أشهر من الإنتخابات الأخيرة. لذا يبدو لبنان ضعيفاً أكثر من أي وقت مضى، مع تحذير الرئيس ميشال عون من أنه إذا لم يتم التوصل إلى إتفاق على حكومة جديدة قريباً، “فإن المخاطر هي أكبر مما يمكن أن نتحمل”. إن مشاكل لبنان الإقتصادية السيئة هي فقط أحد الأسباب التي تجعل إستقرار البلاد هشّاً جداً.
ومع عودة الإنتعاش إلى نظام الأسد بعد إنتصارات في ساحة المعركة وخروجه التدريجي من خيمة الخزي إلى الحظيرة العربية، فإن دمشق، بالتنسيق مع إيران، تهدف مرة أخرى إلى إعادة هيمنتها على لبنان.
لقد لاحظ المراقبون أن أحد الأسباب، الذي جعل جهود رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري لتشكيل حكومة جديدة مهمة شاقة للغاية، هو تورط دمشق. من جهتهم أوضح السوريون، وفقاً للباحث السياسي جوزيف باحوط، للحريري أنه لن يحظى بالثقة من قبل البرلمان اللبناني ما لم يلتزم “بإعادة إقامة” العلاقة المُميَّزة “بين البلدين. وكانت هذه العلاقة بدأت تتفكك في العام 2005، حتى قبل الحرب السورية، بعد إغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، والد سعد، العدو اللدود لدمشق، على الأرجح من قبل عملاء ل”حزب الله” الذين يلتزمون بأوامر سوريا.
في الوقت الذي يتصارع الحريري الإبن مع الضغط لتسليم الوزارات القوية إلى الموالين ل”حزب الله”، تتصاعد التوترات على طول الحدود الجنوبية للبنان.
في الأسبوع الفائت، شنّت إسرائيل عملية لتدمير أنفاق قالت إن “حزب الله” كان يبنيها تحت الحدود وداخل الأراضي الإسرائيلية، ناصحةً اللبنانيين المقيمين في المنطقة، باللغة العربية، بمغادرة منازلهم مؤقتاً في الوقت الذي تكشفت عملية الهدم، خشية إنهيار الأنفاق وإنفجار الذخيرة المُحتملة في داخلها بشكل غير منضبط.
لسنوات، كان الإسرائيليون الذين يعيشون بالقرب من الحدود يشتكون من أنهم كانوا يسمعون أصواتاً تُنذر بالسوء من النشاط تحت منازلهم. وقد قللت السلطات الإسرائيلية من شأن هذا التهديد، خافيةً حقيقة أنها كانت على علم ببناء أنفاق “حزب الله” وكانت تراقبها. لكن هذه المرة لم تبذل جهداً لإخفاء المعلومات في محاولة واضحة لردع المزيد من البناء. حتى أنها أطلقت صوراً وأشرطة فيديو تُظهر على ما يبدو عناصر من “حزب الله” فاجأهم الإسرائيليون بينما كانوا يعملون داخل ما أسماه الجيش الإسرائيلي بـ”أنفاق هجومية”.
الواقع أن لا “حزب الله” ولا إسرائيل يريد بشكل خاص الذهاب إلى الحرب في الوقت الحالي، لكن الظروف يُمكن أن تتدهور وتتصاعد بسهولة.
وقد تستغرق عمليات الهدم، وفقاً لمصادر عسكرية، أسابيع، حيث أبلغ الجيش الإسرائيلي عن العثور على أنفاق عميقة داخل إسرائيل. وقد إحتجت الدولة العبرية على ما وصفته بانتهاك صارخ لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي أنهى الحرب الأخيرة بين إسرائيل و”حزب الله” في العام 2006.
وتساءل البعض عن توقيت الحملة، زاعماً أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أطلقها في محاولة لحماية نفسه من مشاكله القانونية المتنامية. لكن الإجماع العام بين خبراء الأمن في إسرائيل يفيد بأن تهديد “حزب الله” حقيقي ويجب مواجهته. وقال الجيش الإسرائيلي إن قرار تدمير الأنفاق قد إتُّخذ الآن لأن بناء النفق، الذي كان يراقبه منذ شهور، قد عبر إلى الأراضي الإسرائيلية لكنه لم يعمل بعد بشكل كامل.
وهدّد السيد حسن نصر الله، الأمين العام ل”حزب الله”، بأن الحرب المقبلة بين العدوّين اللدودين ستُخاض في إسرائيل، مع وجود كامل أراضي إسرائيل في متناول صواريخ “حزب الله” و”أحذية مقاتلي المقاومة”.
من جهتها تأخذ إسرائيل التهديد على محمل الجدّ، وتحاول سحق الطرق السرية حتى لا يستطيع “حزب الله” الوصول إلى الأرض الإسرائيلية في المرة المقبلة التي يخوض فيها الطرفان الحرب، وهو احتمال يبدو وكأنه مضمون. وتستمر عملية تدمير الأنفاق، لكن الجيش الإسرائيلي يقول إنه ينوي البقاء على الجانب الإسرائيلي من الحدود.
لا “حزب الله” ولا إسرائيل يريد بشكل خاص الذهاب إلى الحرب في الوقت الحالي، لكن الظروف يُمكن أن تتدهور بسهولة وبسرعة. بعد إرسال ميليشياته اللبنانية للقتال والموت لإنقاذ الديكتاتور السوري، فإن نصر الله يحتاج إلى الحفاظ على مصداقيته كحامٍ للبنان. ومهما كان وضع نتنياهو الشخصي سيئاً، فإن الإسرائيليين من جميع أنحاء الطيف السياسي يتفقون مع الخطوط الحمراء الأمنية للبلاد.
وقد أوضحت إسرائيل تلك الخطوط الحمراء في ما يتعلق بسوريا، قائلةً إنها لن تسمح لإيران بإنشاء قاعدة دائمة هناك، ولن تسمح لطهران بترسيخ وتعزيز ترسانة “حزب الله” بشكل ملحوظ. وقد إعترف الجيش الإسرائيلي بهجماته ضد أهداف إيرانية وضد “حزب الله” في سوريا عندما عبر أحدهما تلك الخطوط. حتى الآن، لم تُهاجم إسرائيل لبنان كجزء من هذه العقيدة.
قد يشمل إهتمام إيران في لبنان تصعيداً مُحتَملاً في تسليح “حزب الله”، وهو تحوّل يُمكن أن يؤدي أيضاً إلى القتال داخل لبنان. وتزعم تقارير وسائل الإعلام أن طائرة إيرانية ذات صلة بالحرس الثوري هبطت أخيراً في مطار بيروت، مُحمَّلةً بصواريخ متطورة موجهة إلى “حزب الله”. ولطالما كانت إسرائيل قلقة مما تسميه “مشروع الدقة” ومن جهود إيران لترقية ترسانة “حزب الله” الصاروخية الواسعة لتشمل الصواريخ الموجهة بواسطة النظام العالمي لتحديد المواقع “جي بي أس”، والتي ستكون أكثر دقة في ضرب الأهداف داخل إسرائيل، مُقارنةً بالذخيرة الحالية ل”حزب الله”.
وبحسب ما ورد في بعض التقارير، فقد صنّفت الحكومة الأمنية الإسرائيلية المصغّرة، الدائرة الداخلية للوزراء ذوي القدرة على اتخاذ القرارات في شؤون الأمن القومي، “مشروع الدقة” بأنه خط أحمر خطير بالنسبة إلى إسرائيل، وهو أمر من شأنه أن يُبرّر القيام بعمل عسكري.
في الوقت الذي تبدأ طهران ودمشق وحليفهما “حزب الله”، الذي أصبح مقاتلوه ذات خبرة عسكرية كبيرة الآن بعد سنوات من القتال في سوريا، تحويل إنتباهها وإهتمامها إلى ما يحدث في لبنان بعد انتهاء الحرب السورية، فإن إسرائيل تُركز أيضاً على منع الثلاثي من بناء المزيد من التهديد الهائل- حتى لو كان ذلك يعني حرباً أخرى.

• فريدا غيتيس كاتبة عمود في الشؤون العالمية. منتجة ومراسلة سابقة لـشبكة “سي أن أن”، وهي مساهمة منتظمة في “سي أن أن” و”واشنطن بوست”. يمكن متابعتها على تويتر: @fridaghitis
• كُتِب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرّبه قسم الأبحاث والدراسات في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى