تمثيلُ المرأة في عُمان: سياساتٌ مُعتَدِلة غير مُلتَزِمة

تتميز سياسات سلطنة عمان تجاه المرأة بأنها تدرجية بطيئة، ورُغم أنها معتدلة فهي غير مُلتَزمة، وغير مُنتَظمة.

السيدة عهد البوسعيدي: يُمكنها أن تلعب دوراً جوهرياً في تعزيز حقوق المرأة العُمانية

رفيعة الطالعي*

تواجه المرأة العُمانية مأزقاً تمثيلياً عميقاً، فلا يُعرَف على وجه التحديد مَن يُمثّل المرأة في عُمان، أو أي جهة يمكن اللجوء إليها لمعالجة أو مناقشة قضايا المرأة بشكلٍ عام. كما لا تتبنّى جهةٌ مُستقلّة قضايا النساء والدفاع عن حقوقهن والمُطالبة بها، سواء على المستوى الوطني أو على مستوى المُجتمعات المحلية، رُغمَ وجود أكثر من ستين فرعاً لجمعيات المرأة العُمانية تُشرف عليها وزارة التنمية الاجتماعية.

في الإستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان، الذي قدّمته السلطنة في 21 كانون الثاني (يناير) 2021، تحدّث الوفد العُماني عن إنجازات الدولة في تحقيق العدالة وإكساب المرأة حقوقها. ومع ذلك، فقد تجاهل بعض القوانين والسياسات التمييزية الراسخة مع تقديم  تبريرات للبعض الآخر. وقد برّر وزير العدل والشؤون القانونية العُماني، عبد الله السعيدي، التمييز في منح الجنسية على أساس الجنس، قائلاً إن القانون العُماني ينص على أن الآباء فقط هم مَن يُمكنهم منح الجنسية العُمانية لأبنائهم. وإحدى القضايا التي لم تُطرَح هي التمييز المُزمِن في التعليم العالي -حيث يتم قبول الطلاب الذكور في جامعة السلطان قابوس بمعدل علامات ودرجات أقل من الإناث- مما يوضح التحدّيات الإجتماعية المُتفشّية التي تُواجهها المرأة العُمانية.

يظهر في الساحة العُمانية صوتان يسيران في خطّين مُتوازيين لا يلتقيان في نقاط اتفاق أو نقاط انطلاق مُوحَّدة. هناك الصوت المؤيد لكل سياسات الحكومة تجاه المرأة ولا ينتقد القوانين التمييزية ولا الأعراف التي لا تمنح النساء حقوقا عادلة ومتساوية. وهناك الصوت الذي يُصنّفه كثيرٌ من العمانيين بأنه يُغرّد خارج السرب. هذا الصوت ينتقد القوانين والسياسات غير المُنصفة ويدعو الدولة إلى تبنّي سياسات أكثر عدالةً وإنصافاً. مشكلةُ هذا الصوت هو أنه غير مُنَظَّم وغير مُوَحَّد، ولا يعمل تحت مظلّة واحدة، وفي الوقت عينه يواجه انتقادات شعبية، ويُتَّهم في الغالب بأنه يحمل أجندات غربية أو خارجية لا تتناسب مع عادات وتقاليد المجتمع العُماني الذي له خصوصية تُميّزه عن بقية المجتمعات البشرية.

تفتح وسائل الإعلام العامة والتقليدية أبوابها للصوت الأوّل، وتُقدّم له منابر واسعة الانتشار، كما أنه يحظى بحصانة اجتماعية ورسمية، لأنه غالباً يُقدِّمُ خطاباً يتّسق مع الرؤية الرسمية، بل ويروّج لها، وكذلك يتّسق ويتلاءم مع الأعراف والبُنى الثقافية التي تقوم عليها أسس المجتمع المُستندة على التراتبية الأبوية والطبقية الاجتماعية القبلية. بينما يجد الصوت الثاني أبواب وسائل الاتصال الاجتماعي مُشرَّعة لعرض أفكاره والتعبير عن آرائه الجدلية التي ينتقد فيها سلطة الدولة ووصاية المجتمع على المرأة، وتقييد حريتها واستقلالها الشخصي والمالي. ويجد هذا الصوت فرصة، في هذا الفضاء، لانتقاد ليس فقط السياسات والقوانين التمييزية، بل ومَن يؤيّدها ويُناصرها ويروّج لها.

يتناوب الصوتان الحديث عن قضايا العُمانيات وحقوقهن من منابر مختلفة، يُحاولان استمالة الرأي العام وإقناعه، كلٌ بوجهة نظره. الصوتُ الأوّل يرى أن المرأة العُمانية باختصار حصلت على كل حقوقها، والحكومة تبذل الجهود للدفع بالنساء إلى مقدّمة الصفوف في تولّي المناصب القيادية وفي التعليم وسوق العمل، بينما يُجادل الصوت الثاني بأنه على الرغم مما تحقّق فإن حقوق العُمانيات لا تزال منقوصة بسبب القانون وسياسات الدولة التي تُكرّس القِيَم الاجتماعية والثقافية التي تضع الذكور في منزلة أعلى من الإناث، فالقوانين والسياسات تعتبر الرجل هو رب الأسرة، وتمنحه حقوقاً لا تُمنَح للمرأة مثل حق منح الجنسية لأبنائه من غير العُمانية. ومثل قانون الأحوال الشخصية التي ترد فيه مواد تُميّز بين الرجل والمرأة، إضافةً إلى المواد التي تحفّظت عنها سلطنة عُمان في اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو). في الاستعراض الدوري الشامل 2021 أشار وزير العدل والشؤون القانونية العُماني بأن السلطنة تُراجع باستمرار قوانينها لتتسق مع الاتفاقات الدولية التي وقّعتها وصادقت عليها، وأشار بصفة خاصة إلى أن قانون الجنسية العُماني هو واحد من هذه القوانين. على النساء في السلطنة متابعة مجريات الأمور ليعرفن إذا ما سيحدث تغيير في هذا القانون لصالحهن.

هناك فاعلٌ أساس في المشهد العُماني في ما يتعلق بتمثيل المرأة والأصوات التي تُعبّر عنها، وهو جمعيات المرأة العُمانية التي تنتشر في كلّ ولاية من ولايات عُمان. بينما يُشكّل الصوت الأول صوتاً رسمياً بحتاً مُنافحاً عن كل قرارات الحكومة، ويَعتبر الصوت الثاني صوتاً مُغرّداً خارج السرب، يتم تغييب أصوات النساء الفاعلات في الميدان وسط المجتمعات المحلية. واللافت في هذا السياق أن كثيراً من مرشحات انتخابات مجلس الشورى خرجن من تحت عباءات هذه الجمعيات، تدفعهن معرفتهن المباشرة بمشكلات المرأة والتحديات التي تواجهها في حياتها اليومية في حالات الترمّل والطلاق والهجر، أو في قضايا النفقة، وأساليب التقاضي، والصعوبات التي تواجهها النساء في سوق العمل، وأيضا في الحياة الاجتماعية لاعتبارهن مواطنات لا يتمتعن بالحقوق نفسها ولا بالاستقلال الذاتي رُغم أنهن حقّقن تقدماً في الكسب المادي بانخراطهن في سوق العمل.

يُنظُر حيناً إلى هذه الجمعيات بأنها لا تُمثّل قضايا المرأة الفعلية وإنما تنشغل بقضايا سطحية لا تمسّ جوهر المشكلات ولا تملك الأدوات لحلّها أو للتعاطي معها، وفيما يبدو أن هذا الاتهام مُرجَّحاً، غير أن اللوم لا ينبغي أن يقع على عاتق رئيسات الجمعيات أو الأعضاء المنضويات فيها، وإنما على قانون الجمعيات الأهلية، الذي لا يُعطي للجمعيات الحق في التعاطي مع قضايا قد ترى الحكومة أنها غير مُناسبة وتحدد مجالات عمل الجمعيات كما يرد في المادتين الرابعة والخامسة من هذا القانون، ولا سيما أن هذه الجمعيات تقع مباشرة تحت إشراف وزارة التنمية الاجتماعية، وتحصل على دعم مادي منها. ببشكلٍ عام، حين يتم الحديث عن دور المُجتمع المدني في عُمان، ولا سيما عندما تختار الحكومة مَن تدعوه بالمجتمع المدني، ومَن تُخرجه من هذه الدائرة، فإنه لا ينبغي تجاهل حقيقة أن المجتمع المدني في عُمان مغلول الأيدي، بسبب قانون الجمعيات الأهلية الذي يُقيّد عمل وأنشطة الجمعيات. كذلك يتطلب الاعتراف بأي جمعية أو جهة، بوصفها منظمة أو مؤسسة مدنية، إذناً وموافقة من الحكومة حتى يتم إشهارها، وبالتالي لتتمكّن من مزاولة أعمالها. وفي الغالب لا تُمنح مثل هذه الرخص لمَن يُتوقَّع أن يكون صوتاً مُغرّداً خارج السرب أو قد يُشكّل تحدّياً في المستقبل بأي شكل من الأشكال. إضافةً إلى القيود المفروضة على حرية الرأي والتعبير بشكلٍ عام.

ولهذا فإن التمثيل السياسي للمرأة يُشكّل أهميةً خاصة لتحسين أوضاع النساء، والمُطالبة بحقوقهن وإلغاء القوانين التي تُميّز بينهن وبين الذكور، ولذا ينبغي زيادة عدد النساء في مجلسَي الشورى والدولة والحكومة، وهو قرار بيد مجلس الوزراء. يُظهِر التشكيل الوزاري الأخير الذي أعلن في آب (أغسطس) 2020 ثباتاً في عدد النساء في مراكز صنع القرار فهناك 3 وزيرات من بين 26 وزيراً في مجلس الوزراء، و3 وكيلات وزارات. بينما توجد 15 امرأة من بين 85 عضواً في مجلس الدولة، وامرأتان من بين 86 عضواً في مجلس الشورى.

لم تُحدّد الحكومة العُمانية حتى الآن نسبةً للنساء تلتزم بها عند القيام بتعديلات أو تشكيلات وزارية، كما أنها لم تلتزم بنسبة ثابتة للمُعَيَّنات في مجلس الدولة، إضافة إلى ذلك لم تطرح الكوتا كحلٍّ بديل لترسيخ وجود المرأة في مجلس الشورى، بل على العكس، كرّست الحكومة جهودها لإقناع العُمانيات بأن الكوتا ليست في صالحهن. تتأرجح مشكلة تمثيل المرأة بين أبوية المجتمع ووصاية الدولة حول ما هو مناسب وما هو غير مناسب، وما هو حق وما هو مكرمة. كما أنه لا توجد سياسة واضحة تجاه المرأة في عُمان، ولا توجد استراتيجية وطنية للمرأة ذات أهدافٍ مُحدَّدة تسعى الدولة إلى تحقيقها في المستقبل. تتبنّى وزارة التنمية الاجتماعية “استراتيجية العمل الاجتماعي 2016- 2025″، وهي تشمل فئات: الأطفال والمسنين، وذوي الإعاقات والمرأة.  لا يبدو من هذه الاستراتيجية أن للمرأة وضعاً خاصاً في أجندات الحكومة، ولا يبدو أنها تسعى إلى ذلك.

في عُمان، وفي كل دول الخليج، للقرار السياسي الذي يأتي من أعلى التأثير الأكثر نجاعة في تمكين النساء، ولا سيما في المجال السياسي. هذه المجتمعات الريعية اعتادت على تلقّي الهبات، والمكرمات والقوانين والسياسات من نُخَبها الحاكمة، واعتادت قبولها من منطلقاتٍ عدة، منها طاعة ولي الأمر وخشية انتقاده. في هذا السياق، تمكّنت النساء في عُمان، بشكلٍ جزئي، من مُمارسة حقّهن في التصويت والانتخاب في العام 1994 قبل كل نساء الخليج، وكان ذلك بقرار سياسي. كما حدث ذلك مع الكويتيات في العام 2005 بعد تدخّل أمير البلاد آنذاك بقرارٍ سياسي يمنح المرأة حقها السياسي، بعدما فشل مجلس الأمة في ذلك مرات عدة. ولهذا فإن ما يُعوّل عليه للتغيير في هذه المرحلة في عُمان هو القرار السياسي وليس الضغط الشعبي، وليست الأصوات غير المُوَحّدة وغير المُنظّمة، ولا سيما في ما يتعلق بتمكين المرأة سياسياً وزيادة تمثيلها في المجالس المُنتَخبة ومجلس الوزراء.

ضمن ملامح الحياة السياسية الجديدة في عُمان، منذ تولى السلطان هيثم الحكم في 11 كانون الثاني (يناير) 2020، هو ظهور قرينته السيدة عهد البوسعيدي في بعض المناسبات والاحتفالات بوصفها السيدة الأولى، مشهدٌ لم يألفه ويعتده المجتمع العُماني في السابق. ورُغم ذلك فإن ردود الفعل في المُجمَل كانت إيجابية ومرحبة. قامت السيدة عهد بتكريم عدد من النساء في يوم المرأة العُمانية في 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2020، ولكنها لم تُشر في كلمتها الإحتفالية إلى ما يُمكن التعرّف من خلاله على توجّهات خاصة أو تطلعات مُحدَّدة في ما يتعلق بوضع المرأة في البلاد. يُمكن للسيدة عهد أن تلعب دوراً محورياً وجوهرياً في تمثيل قضايا المرأة والدفع بها إلى دائرة الضوء ووضعها ضمن قائمة أولويات سياسات الحكومة. لكن، حتى هذا الوقت، لا يمكن التنبؤ ما إذا كانت السيدة الأولى في عُمان تضع قضايا المرأة وحقوقها ضمن أولوياتها، أو إذا كانت ترغب في أداء دور أكثر تأثيراً أم أن ظهورها سيكون بروتوكولياً فقط.

  • رفيعة الطالعي، المحررة المشاركة المسؤولة عن صفحة “صدى” العربية ببرنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي. يمكن متابعتها عبر تويتر على: @raltalei

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى