ملك الأردن هو أسوأ عدوٍّ لنفسه!

هناك الكثير من الأدلة بالنسبة إلى الأحداث التي وقعت أخيراً في الأردن على سوء إدارة الملك عبد الله الثاني أكثر من وجود مؤامرة أجنبية ضده.

الأمير حمزة بن الحسين: القبائل تحبه وتؤيّده.

أنشال فوهرا*

قبل قرنٍ من الزمان، كانت لدى الشريف حسين بن علي أحلامٌ كبيرة لسلالته الهاشمية عندما كان ملكَ الحجاز وأميرَ مكّة والمدينة، أقدس الأماكن الإسلامية. ولكن منذ زمن لورنس العرب، عندما كان الهاشميون الحلفاءَ الإقليميين الرئيسيين لبريطانيا خلال الحرب العالمية الأولى وقادوا الثورة العربية ضد الإمبراطورية العثمانية، كانت الأسرة الحاكمة في تدهورٍ مُستمر. ومع استمرار الخلاف بين أحفاد الحسين راهناً في الأردن، ربما تكون الأسرة قد وصلت إلى مستوى متدنٍّ جديد.

واجهت السلالة الهاشمية تحديات لا تُعد ولا تُحصى خلال كل تلك العقود، خارجياً وداخلياً. غالباً ما يتم التخلّي عن الإخوة في خطّ الخلافة للأبناء، لكن الأسرة لم تغسل غسيلها المُتّسخ في الأماكن العامة -حتى هذا الشهر، عندما أصبح الخلاف الداخلي شائعات عامة.

في 3 نيسان (أبريل)، أعلن الأردن أنه أحبط مؤامرة لإسقاط ملكه وزعزعة استقرار البلاد. زعم كبار المسؤولين أن كيانات أجنبية تتواطأ مع الأمير حمزة بن الحسين للإطاحة بالملك عبد الله الثاني. بعد أسبوعين، لم يُعطِ القصر أي دليل، وأصبح من الواضح بشكل متزايد أن الحكاية لم تكن كما انتشرت.

الأرجح أننا نشاهد أقدم قصة في العالم: معركة خلافة تدور بين الأشقاء الملكيين. وضع العاهل الأردني أخيه غير الشقيق وولي العهد السابق رهن الإقامة الجبرية لإزالة الطعن على عرشه، إلى جانب 18 متآمراً مزعوماً. لكن بدلاً من أن يكون أميراً مُثيراً للفتنة، كشفت الحلقة بأكملها عن التسلّط الاستبدادي لملكٍ غير مُطمئن وغير آمن.

تُدين القبائل الأردنية تاريخياً بالولاء للهاشميين جزئياً بسبب نسبهم الديني باعتبارهم من نسل النبي محمد. دعمها ضروري للسلالة، لكنها تشعر بالتهميش والاستياء بشكل متزايد. وقد دعمت الولايات المتحدة، التي قدمت مساعدات بمليارات الدولارات للبلاد، الملك رسمياً في الخلاف. لكنها اضطرت إلى الإشارة إلى القمع المتصاعد في الأردن تحت قيادة عبد الله.

باع عبد الله نفسه للغرب على أنه ملك حديث يركب دراجة هارلي ديفيدسون النارية ويقود سيارته ويغسل ملابسه ويؤيّد للديموقراطية، لكنه في الواقع عزّز سلطته داخل القصر، وكمّم أفواه الصحافة، واعتقل المتظاهرين، وعرقل نقل السلطة الفعلية إلى السلطة التشريعية. الهاشميون، الذين كان يُنظَر إليهم في يوم من الأيام على أنهم ملوك أكثر حداثة، وأكثر قرباً من الغرب، أصبح يُنظر إليهم على أنهم حكام دولة عربية استبدادية أخرى.

وفقاً ل”مراسلين بلا حدود”، يحتل الأردن المرتبة 128 من أصل 180 دولة -أقلّ من أفغانستان- في حرية الصحافة. “بيت الحرية” (Freedom House)، منظمة غير ربحية مقرها الولايات المتحدة وتجري البحوث والدعوة حول الديموقراطية والحرية السياسية وحقوق الإنسان، خفضت مكانة الأردن من “حر جزئياً” إلى “غير حر” في العام الفائت. المملكة الهاشمية في ظل عبد الله ليست سوريا أو حتى المملكة العربية السعودية -حتى الآن- ولكن أولئك الذين يختلفون مع الدولة يخاطرون بقرع بابهم من قبل أجهزة المخابرات.

لا أحد يعتقد أن عبد الله ينوي إجراء إصلاحات سياسية ذات مغزى، وقد أسفرت إصلاحاته الاقتصادية عن مزاعم الفساد أكثر من النتائج الاقتصادية الإيجابية. لقد أطلق العنان لإجراءات التقشّف لشراء قروضٍ من المجتمع الدولي وذهب في حملة الخصخصة التي أشاد بها بعض المراقبين الدوليين. لكن هذه الإجراءات جاءت على حساب فقدان الدعم من قبائل المملكة.

وأشار طارق التل، أستاذ الدراسات السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت والخبير في السياسة الأردنية، إلى أن القبائل القومية كانت تنتقد الإصلاحات الاقتصادية النيوليبرالية التي هيمنت على صنع السياسات في عهد الملك عبدالله. وقال: “إن شبكات قبائل الضفة الشرقية آخذة في التآكل منذ حملة الخصخصة. أولادهم لا يحصلون على الوظائف والمزايا عينها”. مع تقلص نصيبهم من الكعكة، والوظائف الحكومية، والمزايا، وتراجع السخط، رأى الأمير حمزة فرصة لكسب التأييد مع قاعدة الدعم التقليدية هذه. بدأ في التواصل مع الشخصيات القبلية، والظهور في حفلات الزفاف والجنازات.

لا يُعرَف سوى القليل عن الإيديولوجية الاقتصادية والسياسية لولي العهد السابق وكيف يمكن مقارنتها بنهج أخيه في الحكم. لقد أعرب حمزة عن قلق الجماهير لكنه لم يُقدّم حتى الآن أي حلول بشأن الكيفية التي ينوي بها إنقاذ بلدٍ خالٍ من الموارد ومغمور باللاجئين. يبدو أن أكبر رصيد له هو مظهره، حيث إنه يشبه إلى حدٍّ كبير والده الملك حسين بن طلال الذي حكم فترة طويلة والذي يتذكره باعتزاز. ومع ذلك، ارتفعت شعبيته منذ اعتقاله.

إنه طموح، ويُقال إن الحسبن فضّله خليفة على أخيه الأكبر، وهو خيارٌ ثبت أنه من الصعب للغاية التوفيق بينه وبين الدستور الأردني. نحّاه عبد الله من منصبه كوليٍّ للعهد، واستبدله بابنه الأمير الحسين في العام 2004. لا بدّ أن الأمر قد آلمه وأثر فيه، لكن ذلك لا يثبت أنه كان يخطط لانقلابٍ على الملك.

وفقاً للتل، لم يعتقد أحد بوجود انقلاب قيد الإعداد. قال: “المعلومات التي تخرج من القصر مُتناقضة للغاية. يبدو أن الأحداث الأخيرة مرتبطة بنزاعٍ مستمر على الخلافة منذ عزل الأمير حمزة من منصب ولي العهد. وأراد الملك إنهاء ذلك”. وأشار عدنان هياجنة، أستاذ الشؤون الدولية في الجامعة الأردنية الهاشمية، إلى إن مزاعم القصر تركته في حيرة من أمره. قال: “من منظور العلوم السياسية، لا أستطيع أن أفهم كيف تُشارك قوى أجنبية. التلميح إلى وجوب مشاركة إسرائيل لا معنى له لأن لديها علاقات جيدة مع الأردن. لماذا يريدون زعزعة استقرار الأردن؟ وعلى الرغم من قيام السعوديين والإماراتيين بتهميش الأردن أخيراً، إلّا أنهم أيضاً لا يريدون زعزعة استقرار البلاد”.

ومن بين المعتقلين بتهمة التخطيط للانقلاب، إثنان فقط مرتبطان بالسعودية. لكن الخبراء يقولون إن هذين الرجلين ليسا على صلة بالأمير حمزة بأي شكل من الأشكال. وقالت بسمة المومني، أستاذة العلوم السياسية في جامعة واترلو وزميلة أولى في مركز الابتكار الدولي للحوكمة ومقره أونتاريو، إن اعتقال باسم عوض الله، وهو أردني-سعودي مزدوج الجنسية ومستشار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، كان تكتيكياً. وقال المومني: “العشائر تحتقر عوض الله وتعتبره مُرادفاً للفساد والنخبوية. لكن لا علاقة له بحمزة. كان اعتقال عوض الله نوعاً من الإلهاء”.

من ناحية أخرى، إن تلميح القصر إلى أن إسرائيل والمملكة العربية السعودية تريدان أن يصبح الأردن وطناً بديلاً للفلسطينيين المقيمين حالياً في الضفة الغربية كجزء من صفقة أوسع تحل محل الهاشميين كأوصياء على المسجد الأقصى في القدس مع عائلة آل سعود، ولأن عبد الله لم يقبل بهذه اللعبة، فهما يريدان من حمزة أن يصبح ملكاً من طريق انتفاضة شعبية، هو كلام يرفضه المُحلّلون والخبراء ويعتبرونه تخمينات وتكهّنات ولا أساس له.

قال توبياس بورك، الزميل المشارك في معهد “رويال يونايتد سيرفيسز” ومقره لندن: “تم طرح هذه الفكرة بشكل دوري على مدى نصف قرن أو نحو ذلك دون أن تُؤخذ على محمل الجد، وبالتأكيد ليس من قبل الحكومات العربية. غالباً ما يُقال أن المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة الآن تنظران بالفعل إلى هذا الأمر كخيارٍ سياسي ممكن. أنا لا أصدّق ذلك. لم أسمع قط صانع سياسة سعودياً أو إماراتياً يجادل بجدية من أجل ذلك”.

في قلب مخاوف الملك هي حركة الاحتجاج التي توصف محلياً بالحراك. في العام 2011، عندما اجتاح “الربيع العربي” المنطقة، نزل الإسلاميون من جماعة “الإخوان المسلمين” وأعضاء القبائل الأردنية إلى الشوارع. قال التل إن أسس حركة الحراك تم وضعها في ربيع العام 2010 من خلال تمرّد قدامى المحاربين الأردنيين: “في العام 2011، أصدر المحاربون القدامى بياناً رسمياً، وعلى الرغم من أنه لم يَذكر على وجه التحديد أنهم يريدون استبدال الملك بالأمير حمزة، فإن تفضيلهم كان واضحاً”. إن المؤسسة الأمنية الأردنية تخضع لسيطرة أفراد من قبائل الأردن المختلفة. وعلى الرغم من أن عبد الله قد عيّن الضباط الكبار، فإن خوفه الأكبر هو أن يثور البعض ضده علانية لصالح الأمير.

لكن الكثيرين يقولون إن مخاوف الملك مُبالغٌ فيها. “على الرغم من خطوط الصدع العرقية والإيديولوجية المختلفة في السياسة الأردنية، فقد سار المتظاهرون المؤيدون للإصلاح والديموقراطية -من الأحزاب اليسارية والقومية والإسلامية وأيضاً من حركات الشباب غير الحزبية في جميع أنحاء البلاد- واحتجوا على الفساد ومن أجل الإصلاح كل يوم جمعة تقريباً لمدة تزيد عن العام. وهذا لا يعني أن الثورة تلوح في الأفق أو الحرب الأهلية. في الواقع، لا يزال معظم الأردنيين يدعمون النظام الملكي ويريدونه أن يقود البلاد إلى إصلاح حقيقي”، قال كيرتس رايان، مؤلف كتابين عن الأردن وأستاذ العلوم السياسية في جامعة أبلاشيان الأميركية.

يبدو أن الملك هو أكبر عدو لنفسه، وليس حمزة أو أي معارضة شعبية. التاريخ حافلٌ بقصص ملوكٍ قلقين غير واثقين يصبحون مُدمِّرين لأنفسهم. بدلاً من الاعتقالات والنظريات التي لا أساس لها، قد يخدم نفسه جيداً إذا ركّز على الإصلاح السياسي الحقيقي ونقل السلطة إلى البرلمان. إن قيادة دراجة نارية من نوع هارلي ديفيدسون لا تجعله ملكاً حديثاً، لكن تأسيس ملكية دستورية، حيث يكون ملكاً صورياً وليس أكثر (كما في بريطانيا)، سيفعل ذلك تماماً.

  • أنشال فوهرا هي كاتبة عمود في “فورين بوليسي” مقيمة في بيروت ومراسلة تلفزيونية مستقلة ومعلقة حول الشرق الأوسط. يمكن متابعتها عبر تويتر على: @anchalvohra
  • يصدر هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” توازياً مع صدوره بالإنكليزية في “فورين بوليسي”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى