التنافسية العالمية مُهَدَّدة بسبب إنحسار الإنفتاح

يشكل التراجع الذي يشهده الانفتاح في الاقتصادات العالمية على اختلاف مراحل تطورها، خلال السنوات الـ 10 الماضية، خطراً على إمكانات الدول للنمو والابتكار، وفقاً ل”تقرير التنافسية العالمية لعامي 2016 – 2017″ الذي صدر أخيراً من “المنتدى الاقتصادي العالمي”.
ويعتبر التقرير تقويماً سنوياً للعوامل التي تقود الإنتاجية والازدهار في 138 دولة، حيث أن درجة انفتاح الاقتصادات أمام التجارة الدولية في مجالي السلع والخدمات يرتبط مباشرة بكل من النمو الاقتصادي والإمكانات المبتكرة لتلك الدولة. وهذا الاتجاه، الذي نتج من بيانات الدراسة المسحية التابعة لمؤشر التنافسية العالمية، هو اتجاه تدريجي، ويعزى إلى زيادة في رفع الحواجز غير الجمركية. ولكنه في الوقت ذاته يعتمد على 3 عوامل أخرى، وهي تعقيد الإجراءات الجمركية، والقواعد التي تؤثر في الاستثمار الأجنبي المباشر، والملكية الأجنبية، ما يظهر بوضوح أكبر في الاقتصادات ذات الدخل العالي، وتلك ذات الدخل المتوسط إلى مرتفع.
وقال المؤسس الرئيس التنفيذي لـ”المنتدى الاقتصادي العالمي” كلاوس شواب: “تراجع الانفتاح في الاقتصاد العالمي يعرّض التنافسية العالمية للخطر، ويُصعّب على القادة تحقيق نمو شامل ومستدام”.
وأوضح التقرير سبب عدم كفاية التيسير الكمي وتدابير السياسات النقدية الأخرى في إعادة إيقاد شعلة النمو الطويل الأمد في اقتصادات العالم المتقدمة. وخلص إلى أن التدخلات من جانب الاقتصادات ذات الترتيب المنخفض نسبياً في مؤشر التنافسية العالمية، فشلت في خلق التأثير ذاته الذي تمكنت الاقتصادات ذات الترتيب العالي من إحرازه، ما يعني أن القدرة التنافسية الضمنية القوية شرط أساسي للتيسير النقدي الناجح. وسلّط الضوء على سُبل تحول أولويات الدول التي تكون في المراحل الأولى من النمو. وفي حين أن الدوافع الأساس للقدرة التنافسية، مثل البنية التحتية والصحة والتعليم والأسواق الجيدة، ستبقى دائماً مهمة، إلا أن المعلومات التي خلص إليها مؤشر التنافسية تشير إلى أن الجاهزية التكنولوجية وبيئة الأعمال المتطورة والابتكار، باتت تلعب دوراً مماثلاً في الأهمية في دفع القدرة التنافسية والنمو.
وتصدرت سويسرا للعام الثامن على التوالي الاقتصادات الأكثر تنافسية في العالم، بفارق ضئيل عن سنغافورة والولايات المتحدة، تليهما هولندا ثم ألمانيا التي تقدّمت 4 مراكز خلال العامين الماضيين. وتقدم كلّ من السويد، التي حلّت سادسة، والمملكة المتحدة، التي حلّت سابعة، ثلاث مراتب، في حين أن النتيجة التي أحرزتها المملكة المتحدة مبنية على بيانات ما قبل التصويت على “بريكسيت”. أما الاقتصادات الثلاثة الأخيرة في ترتيب العشر الأوائل، وهي اليابان، وهونغ كونغ، وفنلندا، فتراجع ترتيبها.
وتأثرت الدول العربية بانخفاض أسعار النفط، ما أدى إلى زيادة في الحاجة الملحة لدفع عجلة التنافسية في دول المنطقة. وعلى رغم حلول كلّ من الإمارات وقطر والسعودية في المراتب الثلاثين الأولى، في المراكز 16 و18، و29 على التوالي، إلا أن هناك حاجة واضحة لكل الدول المصدرة للنفط إلى زيادة تنويع اقتصاداتها. أما الدول المستوردة له في المنطقة، فعليها بذل مزيد من الجهد لتحسين القدرة التنافسية الأساس.
وفي حين لا تزال الاقتصادات الأوروبية تهيمن على المراتب الـ 10 الأولى، لا تلوح أي نهاية لانقسام شمال أوروبا وجنوبها في الأفق. ففي حين أحرزت إسبانيا تقدماً بنقطة واحدة إلى المركز 32، تراجعت إيطاليا مرتبة واحدة إلى المركز 44، واليونان 5 مراتب إلى المركز 86. أما فرنسا، وهي ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، فصعدت مرتبة واحدة إلى المركز 21. وفي ما يخصّ اقتصادات أوروبا كافة، فإن الحفاظ على مستوى الرخاء فيها أو تحسينه يعتمد في شكل كبير على قدرتها على تسخير الابتكار ومواهب القوى العاملة فيها.
وأشار التقرير إلى بعض علامات التقارب في القدرة التنافسية بين أكبر الأسواق الناشئة في العالم. فعلى رغم حلول الصين في المركز 28، وتصدرها لدول “بريكس” مجدداً، إلا أن التقدم الذي أحرزته الهند، والتي تقدمت 16 مرتبة لتحلّ في المركز 39، يعني تقليص الفجوة بينها وبين الصين ونظائرها. وتقدم كلّ من روسيا وجنوب أفريقيا مرتبتين لتحلا في المركز 43 و47 على التوالي، بينما تراجعت البرازيل 6 مراتب لتحلّ في المركز 81.
واتسعت الفجوة التنافسية في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ، فعلى رغم أن 13 من الاقتصادات الـ 15 التي شملها التقرير منذ العام 2007 تمكنت من تحسين ترتيبها على مدى السنين العشر الماضية، إلا أن هذا العام يشهد انتكاسات لبعض الأسواق الناشئة الكبيرة في المنطقة. وسقطت ماليزيا من قمة العشرين وتراجعت 7 مراتب لتحلّ في المركز 25، وتراجعت تايلاند مرتبتين إلى المركز 34، أما اندونيسيا فتراجعت 4 مراتب إلى المركز 41، في حين تراجعت الفليبين 10 مراتب إلى المركز 57. وتتشابه كل الدول النامية في تلك المنطقة في حاجتها لتحقيق تقدم في مجالات أكثر تعقيداً من القدرة التنافسية المتعلقة بتطوير بيئة الأعمال والابتكار إذا أرادت الخروج من فخ الدخل المتوسط.
وتمكنت دولتان في أميركا اللاتينية والكاريبي من الحلول في المراتب الـ 50 الأولى، إذ تصدرت تشيلي المنطقة وحلّت في المركز الـ 33، بتقدم مرتبتين، أما ثاني أفضل اقتصاد في المنطقة فكان باناما، التي تقدمت 8 مراتب إلى المركز 42، ثم المكسيك التي تتقدم بقوة لتحل في المركز 51، بتقدم 6 مراتب، ثم الأرجنتين وكولومبيا، ثالث ورابع أكبر الاقتصادات في المنطقة، في المراكز 104 و61 على التوالي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى