“تَهديدٌ” بالحوارِ وحوارٌ بالتهديد

بقلم راشد فايد*

قد لا يكون تحييدُ لبنان عن أزماتِ المنطقة أمراً قريب المنال، كي لا نقول “دونه خرط القتاد” كحال فكرة المؤتمر الدولي لإنقاذه، بعدما وصلت، إلى طريقٍ مسدود، كل مساعي ايجادِ اتفاقٍ داخلي على مصيره. فالأمران ليسا بالسهولة التي يراها البعض، ويحتاجان الى مستوَيَين من التفاهمات الداخلية والإقليمية، التي لا يبدو ان أوانها قد أزف. ومع أن “حزب الله” يعرف أن الخطوَتَين لا تقفان خلف الباب، لكن ردّ فعله فضَحَ عمق قلقه من تهديد، ولو طفيف، لمهمته الإيرانية، وأنّ لبنان، بشراً وحجراً، ليس همّه الأول، وقد فضحته تصريحات قادته ومواليه التي أظهرت عدم “التكافؤ” بين هدوء خطاب البطريرك بشارة الراعي وبين “القصف” المُتناسق لهؤلاء على وتر التلويح بحرب، لم يفصحوا عمّا إذا ستكون محلية او إقليمية. فإذا كان المقصود الأولى فستكون من طرف الحزب، دون غيره، كونه الوحيد المُدَجَّج بالسلاح الإيراني، وغيره لا يملك سوى أسلحة تكاد تكون بائدة الفعالية، ما يجيز القول أنه يُهدّد، بوضوح، بحربٍ أهلية، أو 7 أيار (مايو) بنسخةٍ جديدة، أي السقف الأعلى من الردود. إما الإقليمية فصعبة على الحزب ومَن وراءه، وإن كانت الانتخابات الرئاسية المُقبلة في إيران، بعد أشهرٍ معدودات، تُشجّع “المحافظين” المُتشدّدين على استمرار تسعير المواجهة اللفظية مع واشنطن لضمان استمرار سيطرتهم على قرار طهران، وصولاً إلى طاولةِ التفاوض مصحوبين بأكثر من ورقةٍ إقليمية من العراق الى سوريا، ولبنان فاليمن، ولربما التصعيد ما بعد بكركي ليس بعيداً من المشهد.

من الأقوال الموروثة، “مَن كان تحت ابطِهِ مسلّة تنعره”، وهو مثالٌ ينطبق على الحزب، الذي وجد “مسلّات” في خطبة البطريرك. فكل كلامٍ على “رفض الجيوش والمعسكرات والمسّ بكيانِ لبنان، ورفض تعديل حدوده” يؤشّر إليه، وإلى دوره. وكلّ لا من اللاءات الـ17، التي حواها الخطاب، تصيب ما يضمر من “الخيارات الخاطئة إلى الإنقلاب على الدولة والنظام”. وفي الأساس من كل ذلك عدم إفلات الدولة من قبضة الدويلة، وإلّا كيف يعترض على “مؤتمر دولي” مهمته “حسم وضع خطة تنفيذية سريعة لمنع توطين الفلسطينيين، وإعادة النازحين السوريين آمنين إلى ديارهم”، بينما لا يكلّ عن زعمِ رفضِ توطين الفريقين. لم يرَ الحزب في الدعوة الى الحياد ومؤتمر دولي لحماية لبنان وسيادته، سوى مسح صفة العدو عن اسرائيل، مُتجاهلاً أن مجلس الأمن الدولي تدخّل في أكثر من محطة لتحييد لبنان عن العدوان الاسرائيلي، كالقرار 1701 الذي حدّ من التهديد الإسرائيلي لـ”حزب الله” بُعَيْدَ حرب تموز (يوليو) 2006  وقبله بعقود اتفاق الهدنة في العام 1949، الذي لم تُسقِطه أيٌّ من الحروب بين الجهتين، وتكرّس منذ الحرب المذكورة، التي لم يشهد لبنان منذها أيّ خرقٍ مهم، واحترمها الحزب قبل غيره. وهل هناك غيره يُشاطر الدولة احترام الهدوء على الحدود الجنوبية، وحتى يفرضه عليها، تمشّياً مع تكتيكات إيران.

دعاهم البطريرك للحوار، فحاوروه بالتهديد!!

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” توازياً مع صدوره في صحيفة “النهار” اللبنانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى