كيف ستُشكّل أسعار النفط تعافي الأسواق الناشئة من كوفيد-19؟

بعد انخفاضها بشكل كبير في العام 2020، عادت أسعار النفط إلى مستويات ما قبل الوباء. وكان الإرتفاعُ مدفوعاً بتخفيضات إنتاج “أوبك+” وتحسّن المناخ الاقتصادي. ومن المرجح أن تدعم الأسعار المرتفعة انتعاش الأسواق الناشئة المُنتجة للنفط. ولكن قد يفرض المزيد من تفشي الفيروسات أو زيادة الإنتاج تحديات أمام استقرار الأسعار.

مجموع “أوبك+”: على قرارها المقبل يتوقف مستقبل أسعار النفط واقتصادات الدول الناشئة

بقلم هاني مكارم*

أدّى مزيجٌ من تخفيضات الإنتاج المُستمرّة وزيادة النشاط الاقتصادي إلى عودة أسعار النفط إلى مستويات ما قبل الوباء – وهو عاملٌ سيكون حاسماً في تعافي البلدان الرئيسة المنتجة للنفط في الشرق الأوسط وأفريقيا.

إرتفعت أسعار خام برنت فوق 60 دولاراً للبرميل في أوائل شباط (فبراير)، وهي المرة الأولى التي تجاوزت فيها أسعار ما قبل كوفيد-19. ومنذ ذلك الحين استمرت في الارتفاع ، حيث تجاوزت 66 دولاراً للبرميل في 24 شباط (فبراير).

تُمثّل الزيادة المستمرة في أسعار النفط، التي ارتفعت بنسبة 75٪ منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2020 وحوالي 26٪ منذ بداية العام، تغيّراً جذرياً عن العام الفائت.

بعد إغلاق العديد من الحدود الوطنية وتنفيذ القيود المتعلقة بالسفر لوقف انتشار الفيروس، تراجع الطلب على النفط عالمياً.

في أعقاب حرب الأسعار بين السعودية وروسيا في أوائل العام 2020، تراجعت أسعار خام برنت من حوالي 60 دولاراً للبرميل في شباط (فبراير) من ذلك العام إلى أدنى مستوى لها في عقدين من الزمن عند 20 دولاراً للبرميل في أواخر نيسان (أبريل) 2020، مع زيادة العرض وتراجع الطلب. إنخفضت قيمة خام غرب تكساس الوسيط – المعيار الرئيس للنفط في الولايات المتحدة – إلى أدنى مستوياتها القياسية بنحو 40 دولاراً للبرميل في العام الماضي على خلفية نقص مساحة التخزين.

في حين أن الطلب العالمي على النفط لا يزال مُنخفضاً، فإن أحد العوامل التي ساهمت في عكس الاتجاه هو قرار إجراء تخفيضات كبيرة في إنتاج النفط، ما أدّى لاحقاً إلى تقليص الإمدادات العالمية.

في نيسان (إبريل) 2020، إتفق أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، إلى جانب الدول الأخرى المنتجة للنفط بما فيها روسيا وأذربيجان وماليزيا والمكسيك، على خفض إجمالي الإنتاج العالمي بمقدار 9.7 ملايين برميل يومياً – أي ما يعادل حوالي 10٪ من الإنتاج العالمي.

وقررت المجموعة التي تضم 23 دولة، والمعروفة ب”أوبك+”، تقليص التخفيضات إلى 7.7 ملايين برميل يومياً في آب (أغسطس)، قبل أن تُعلن في أوائل كانون الأول (ديسمبر) أنها ستزيد الإنتاج بمقدار 500 ألف برميل يومياً إعتباراً من كانون الثاني (يناير) 2021.

وبسبب القلق من أن القرار الأخير قد يؤدي إلى فائض في كميات النفط في السوق، أعلنت المملكة العربية السعودية أنها ستُخفّض مليون برميل إضافي يومياً بين كانون الثاني (يناير) الفائت ونهاية آذار (مارس) الجاري.

هناك عامل آخر يُنظَرُ إليه على أنه يدعم ارتفاع أسعار النفط وهو تحسّن التوقّعات الإقتصادية.

مع الإنتشار العالمي للقاحات كوفيد-19المختلفة، من المأمول أن يعود العالم إلى درجةٍ من طبيعته في أواخر العام 2021 من حيث السفر والاستهلاك، وهي نتيجة من شأنها زيادة الطلب.

في تقديرات سنوية صدرت في منتصف شباط (فبراير)، توقعت “أوبك” زيادة الطلب على النفط للعام بأكمله بمقدار 5.8 ملايين برميل يومياً مُقارنةً بمستويات 2020، مدفوعةً جزئياً بتحسّن المناخ الاقتصادي العالمي وإجراءات التحفيز الكبيرة من الحكومات في جميع أنحاء العالم.

وقالت المنظمة في بيان: “بينما يُظهِرُ الاقتصاد العالمي بوادرَ انتعاشٍ صحّي في العام 2021، يتباطأ الطلب على النفط حالياً، لكن من المتوقع أن يرتفع في [النصف الثاني من] 2021. مع هذا، فإن الانتعاش الصحي في الطلب على النفط، إلى جانب الموقف اليقظ والجهود الكبيرة للدول المشاركة في إعلان التعاون، ضروريان للحفاظ على الاستقرار في سوق النفط”.

بالنسبة إلى قيمة النفط المُتوَقَّعة في 2021، توقع صندوق النقد الدولي، في أواخر كانون الثاني (يناير) الفائت، أن يبلغ متوسط أسعار النفط 50 دولاراً للبرميل هذا العام، وهو أعلى من متوسط 2020 البالغ 41.30 دولاراً.

ومع ذلك، أدّى الإرتفاع المُستَمر في الأسعار خلال الشهرين الأولين من العام إلى بعض التقديرات الصعودية، حيث توقعت شركة مصرفية هولندية متعددة الجنسيات “إنغ” (ING) متوسط سعر سنوي يبلغ 65 دولاراً للبرميل، بينما توقع بنك الاستثمار الأميركي “غولدمان ساكس” إرتفاع أسعار برنت إلى مستوى أعلى يصل إلى 75 دولاراً للبرميل في الربع الثالث من العام، بزيادة قدرها 10 دولارات عن التقديرات السابقة.

مفتاح الانتعاش الاقتصادي

إن أيَّ ارتفاعٍ مُستمر في أسعار النفط من شأنه أن يساهم بشكل كبير في انتعاش الأسواق الناشئة المُنتجة للنفط.

مثلما أثر الانخفاض السريع في الأسعار بشكل سيىء على مصدري الهيدروكربونات في العام الفائت، يُمكن أن يلعب الانتعاش دوراً رئيساً في تحفيز النمو الاقتصادي الأوسع.

على سبيل المثال، في المملكة العربية السعودية، حيث يُمثّل النفط حوالي 45٪ من الناتج المحلي الإجمالي، تتوقّع الدولة عجزاً مالياً بنسبة 4.9٪ من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، وفقاً لموازنة 2021، التي صدرت في كانون الأول (ديسمبر) الفائت.

ومع ذلك، يمكن أن يؤدي الارتفاع المستمر في أسعار النفط إلى تحسين الوضع المالي للدولة بشكل كبير. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يكون سعر التعادل للنفط في المملكة 67.9 دولاراً للبرميل هذا العام.

علاوة على ذلك، تتوقع الحكومة السعودية أن ينتعش الاقتصاد من انكماش العام الماضي بنسبة 3.7٪ مع نمو 3.2٪ في العام 2021.

يجب أن يفيد الوضع الحالي أيضاً نيجيريا، التي تدرّ عليها صادراتها من النفط، حيث تشكل 80% من إجمالي صادرات البلاد،   10٪ من الناتج المحلي الإجمالي، و57٪ من الإيرادات الحكومية. يبلغ سعر النفط القياسي والتعادل لموازنة الدولة للعام 2021 أربعين دولاراً للبرميل، وهو أقل بكثير من المستويات الحالية.

وبالمثل، يأمل المُحلّلون في سلطنة عُمان أن تؤدي زيادة أسعار النفط إلى تحسين الأداء الاقتصادي للبلاد، حيث تستند أرقام الموازنة لهذا العام إلى متوسط ​​أسعار يبلغ 45 دولاراً للبرميل.

تهديدات لاستقرار أسعار النفط

على الرغم من أن التوقعات الخاصة بالدول المنتجة للنفط تبدو أكثر إشراقاً مما كانت عليه في العام 2020، لا يزال هناك عدد من العوامل التي يُمكن أن تُعيقَ الانتعاش المُستدام.

من أهمها احتمال تفشي كوفيد-19. وآخر هو احتمال التأخير في طرح اللقاحات، ما قد يؤدي إلى تمديد السفر والقيود العامة على الحركة.

هناك عامل آخر يمكن أن يؤثر في استقرار سوق النفط في المدى القصير يتمثّل باجتماع “أوبك+” المقبل في 4 آذار (مارس)، وهو حدثٌ مهم حيث من المحتمل أن يقوم بتحديد السياسة لبقية العام.

بينما من المتوقع أن يضغط عدد من الدول، بقيادة المملكة العربية السعودية، من أجل تمديد تخفيضات الإنتاج، من المرجح أن تدعو دول أخرى مثل روسيا إلى مزيد من تخفيف الإجراءات.

في بعض الزوايا، هناك مخاوف من أن تقليص تخفيضات الإنتاج في وقت مبكر جداً قد يغمر السوق بالنفط، ما يؤدي لاحقاً إلى انخفاض الأسعار، بينما يشعر البعض الآخر بالقلق من أن الفشل في زيادة الإنتاج يمكن أن يفرض ضغوطاً مالية إضافية على البلدان المنتجة للنفط.

في الواقع، مع تخفيضات الإنتاج الحالية، تنتج معظم دول “أوبك+” نفطاً أقل مما هو منصوص عليه في تقديرات موازناتها للعام المقبل.

  • هاني مكارم هو مدير تحرير “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى