سياساتُ ترامب أقنعَت إيران ببناءِ برنامجٍ نوويٍّ أكثر تَقدّماً قبل التفاوض

إن اعتماد واشنطن على العقوبات والضغوط القصوى سيجعل من الصعب عليها إبرام اتفاق جديد في المستقبل يُقيّد طموحات طهران النووية.

إيران لن تتوقف عن زيادة أصولها النووية إستعداداً للتفاوض بنفوذ

 

بقلم فالي نصر*

بعد الرفض اللاذع في الشهر الفائت في مجلس الأمن الدولي، عندما أيّدت جمهورية الدومينيكان فقط قراراً أميركياً لتمديد حظر الأسلحة المفروض على إيران إلى أجل غير مُسمّى، أصبح من الواضح الآن أن استراتيجية الرئيس دونالد ترامب تجاه الجمهورية الإسلامية قد فشلت في تحقيق هدفها.

أدّى قرار الرئيس الأميركي بالإنسحاب من الإتفاق النووي لعام 2015 لصالح استراتيجية “الضغط الأقصى” إلى إلحاق الضرر بالإقتصاد الإيراني، لكنه ترك الصفقة قائمة. وكلما ضغطت الإدارة بشدة لإلغاء الصفقة، وجدت نفسها معزولة أكثر وزاد عناد إيران.

هناك فرصة ضئيلة لتحقيق انفراجٍ قبل الإنتخابات الرئاسية الأميركية. ومع ذلك، يُمكن أن ترى إيران فائدة في إشراك الرئيس المقبل لتخفيف الضغط على اقتصادها. تريد طهران من الإدارة الأميركية الجديدة أن تعود إلى اتفاق 2015. ومع ذلك، حتى إدارة جو بايدن، التي قالت إنها ستفعل ذلك، ستتطلع إلى تجاوز الاتفاق الحالي إلى اتفاق نووي أكثر شمولاً. لكن مناورة ترامب الفاشلة جعلت هذه النتيجة غير مُرجَّحة.

على مدى السنوات الأربع الماضية، إستخدم ترامب العقوبات الاقتصادية ضد إيران بشراسة غير مسبوقة. في يوم واحد من العام 2018، فرضت إدارته نحو 700 عقوبة جديدة على البلاد. أدّى عمقها واتساعها إلى انخفاض صادرات النفط الإيرانية إلى حدٍّ كبير، وعزل إيران عن المؤسسات المالية الدولية، وأغرق الإقتصاد الإيراني في أعماق أكبر من البطالة والتضخم، ومنع وصولها إلى الإمدادات الطبية لمكافحة انفجار جائحة كوفيد-19 في البلاد. وأوضح ترامب للعالم قدرة واشنطن التي لا تُضاهى على إلحاق الأذى الإقتصادي. لكن هذا العرض الإستثنائي للقوة لم يُثمر، وبشكل ملحوظ، يُمكن أن يجعل وقف المساعي النووية الإيرانية أقل احتمالاً.

لقد أصبح استخدام ترامب لأقصى العقوبات تجاوزاً للسياسة الأمر الذي أثار قلق حلفاء الولايات المتحدة وخصومها على السواء، ما أدى ليس فقط إلى مقاومة ديبلوماسية مُنَسَّقة، ولكن أيضاً إلى استثمارات في إجراءاتٍ إقتصادية مُضادة اتهدف إلى التحايل على تفوّق الدولار الأميركي في النظام المالي العالمي. على سبيل المثال، شجّعت بكين في الشهر الفائت البنوك الصينية على تقليل اعتمادها على شبكة “سويفت” (SWIFT) التي يستخدمها معظم العالم لإجراء المعاملات والتحويلات، والتي هي عرضة للضغط الأميركي ومراقبة واشنطن. من الواضح أن الصين تتطلّع إلى تقليص قدرة الولايات المتحدة على الضغط على الخصوم من خلال حرمانهم من الوصول إلى الشبكات المالية الدولية. إن تصاعد المقاومة للعقوبات الأميركية سيجعل من الصعب على واشنطن حشد الدعم الدولي للضغط على إيران. سيتطلب ذلك عقوبات أميركية أقل وليس أكثر.

إستخدمت إدارة أوباما العقوبات الإقتصادية لإجبار إيران على التفاوض على اتفاق نووي. وقد توقع ترامب إعادة إنشاء هذه الصيغة بسرعة. لكن هذه المرة، أعطت الضغوط إيران حافزاً للمقاومة. على الرغم من ضغوط إقتصادية أكبر، فقد شجع ترامب إيران فقط على مضاعفة استثماراتها في برنامجها النووي.  لقد تراجعت بالفعل عن عددٍ من التزاماتها بموجب الإتفاق النووي واستأنفت أنشطة التخصيب.

يشير الرأي الإجماعي في إيران إلى أنها أخطأت في التقدير في المرة الماضية. لقد دخلت في مفاوضاتٍ مع حكومة الولايات المتحدة في وقت مُبكرٍ جداً وبقليل من النفوذ. لهذا السبب وجد مسؤولو إدارة ترامب سهولة للإنسحاب على عجل من الاتفاق النووي ولم يروا أي تكلفة لفرض أقصى ضغط على إيران.

لتأمين اتفاق العام 2015، تخلّت الولايات المتحدة عن القليل على طاولة المفاوضات، وما تخلّت عنه سرعان ما استعادته بإعادة فرض العقوبات الاقتصادية. لو كان برنامج إيران النووي أكثر تطوراً، لكان بإمكان إيران أن تطلب المزيد من التنازلات والتنازل أقل، وكانت واشنطن ستُظهر إلتزاماً أكبر بالإتفاق.

الدرس الذي تعلّمته طهران هو أن الإتفاق النووي لن ينجح إلّا إذا كان لدى إيران نفوٌذ كافٍ لإجبار الولايات المتحدة على رفع المزيد من العقوبات ثم تظلّ مُلتزمة باتفاق.

من الواضح أن عشرين ألف جهاز طرد مركزي وبضع مئات الكيلوغرامات من اليورانيوم المُخصّب بنسبة 20 في المئة لم تكن كافية. لذا، إذا كانت هناك مرة مقبلة، فستهدف إيران إلى الجلوس على طاولة المفاوضات بأكثر من ذلك بكثير.

يعتقد الإيرانيون أنهم أوفوا بالتزاماتهم بموجب الإتفاق النووي لعام 2015. وهم يُشيرون إلى عشرات التقارير الإيجابية الصادرة عن الوكالة المُراقِبة التابعة للأمم المتحدة، وهي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. تعتقد طهران أنه حتى قبل الإنسحاب من الاتفاق، كانت الولايات المتحدة تتباطأ في الوفاء بالتزاماتها من الصفقة. من الواضح أن المفاوضين الإيرانيين فشلوا في تقدير التعقيدات القانونية العديدة لنظام العقوبات الأميركي، ولم يؤمّنوا ضمانات تخفيف العقوبات في الصفقة.

لكن الدرس الأكبر هو أن إيران تخلّت في الصفقة عن الأصول المادية الملموسة التي بنتها بمرور الوقت وبتكلفة باهظة، في حين وافقت الولايات المتحدة فقط على إلغاء قوانين يُمكن أن تعود إلى حيّز التنفيذ في أي وقت. لم تكن هناك تكلفة مجدية لرفع العقوبات أو إعادة فرضها. لتغيير هذه الحسابات، قاومت إيران ضغوط العقوبات، وطالبت أخيراً الحكومة الأميركية بدفع تعويضات للتخلّي عن الصفقة وإلحاق الضرر الإقتصادي بإيران.

بالنسبة إلى المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، إن ليبيا هي درسٌ للتعلّم. عندما وافق معمر القذافي على التخلّي عن برنامجه النووي، أخبر المُرشد الأعلى مستشاريه أن هذا كان خطأ فادحاً من شأنه أن يقضي على الزعيم الليبي. إن قيام الغرب بدورٍ في إسقاط نظامه، أثبت لآية الله أن التخلّي عن الطموحات النووية لن يؤدّي إلّا إلى تغيير النظام.

أصبح قادة إيران ينظرون إلى تغيير النظام باعتباره الهدف النهائي للضغط الأقصى. لقد ألقوا باللوم على التدخل الخارجي بالنسبة إلى الاحتجاجات الشعبية التي هزّت البلاد على مدى السنوات الثلاث الماضية – بافتراض أن استراتيجية واشنطن تقوم على الضغط على السكان ليقوموا باضطرابات ثم استخدام عملائها لإشعال فتيل الإنتفاضة الجماهيرية. هل كانت الولايات المتحدة ستتبع مثل هذه الاستراتيجية لو لم تتخلَّ إيران عن برنامجها النووي؟ لا يعتقد حراس الجمهورية الإسلامية. ستبقى حتمية بقاء النظام عائقاً أمام التنازلات السهلة في المحادثات النووية، ما لم يهدأ الخوف من تغيير النظام في طهران.

لقد عَلّمت إدارة ترامب إيران – وجميع الطامحين الذين يسعون إلى الإنضمام إلى النادي النووي – دروساً خاطئة: يجب أن يكون لديها برنامج نووي أكبر قبل التحدّث، والتفاوض بشكل تدريجي، والتخلّي عن الأصول النووية ببطء خشية عودة العقوبات.

بالنسبة إلى الولايات المتحدة، ليس هناك طريق سهل لإبرام صفقة نووية أكبر مع إيران. سيتعيّن عليها أن تبدأ من خلال استعادة الإتفاق النووي لعام 2015 بالكامل، ثم العمل مع أوروبا والصين وروسيا للتخطيط للمهمة الصعبة المُتمثّلة في إعادة بناء الثقة والزخم لاتفاقٍ جديد – ولإدارة الطريق الطويل بعد ذلك.

  • فالي نصر هو أستاذ دراسات الشرق الأوسط والشؤون الدولية في كلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جونز هوبكنز. خدم في وزارة الخارجية الأميركية من 2009 إلى 2011. وهو مؤلف كتاب: (The Dispensable Nation: American Foreign Policy in Retreat). يُمكن متابعته عبر تويتر على:@vali_nasr
  • كتب الكاتب مقاله بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى