صفقة الإمارات تُعزّز خطّ أنابيب النفط الإسرائيلي الذي تمَّ بناؤه سراً مع إيران

مع توقيعها إتفاق تطبيع للعلاقات مع دولة الإمارات العربية المتحدة، ومن ثم البحرين، يبدو أن  إسرائيل على وشك أن تلعب دوراً أكبر بكثير في تجارة الطاقة وسياسة البترول في منطقة الشرق الأوسط.

 

قناة السويس: المتضررة الأكبر من صفقة الإمارات والبحرين مع إسرائيل

 

بقلم جوناثان ش. فيرزيغر *

قد يكون خط أنابيب النفط الصحراوي، الذي كانت إسرائيل تعمل به كمشروعٍ مُشترَك سرّي مع إيران، المُستفيد الرئيس من اتفاق السلام الذي توسَّط فيه دونالد ترامب مع الإمارات العربية المتحدة. مع إلغاء أبو ظبي رسمياً للمقاطعة العربية التي استمرت ثمانية عقود مع إسرائيل – حيث تبعتها البحرين ومن المرجح أن تحذو سلطنة عُمان حذوهما – فإن الدولة العبرية على وشك أن تلعب دوراً أكبر بكثير في تجارة الطاقة في المنطقة، وسياسات البترول، والإستثمارات الكبيرة في النفط.

يبدأ الأمر بخطّ أنابيب غير مُستخدَم ولكنه استراتيجي للغاية. يقول المديرون الإسرائيليون لشركة  “خط أنابيب أوروبا آسيا” (Europe Asia Pipeline Co)، وهم يصرّحون بحذر علناً، إن الأنبوب الذي يبلغ طوله 158 ميلاً من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط يُوفّر بديلاً أرخص من قناة السويس المصرية وخياراً لربط شبكة خط الأنابيب العربي الذي ينقل النفط والغاز ليس فقط بالمنطقة، ولكن بالموانئ البحرية التي تُزوّد العالم. وقال إيزيك ليفي، الرئيس التنفيذي لشركة خط الأنابيب، لموقع “فورين بوليسي”: “إنه يفتح الكثير من الأبواب والفرص”. ويعتقد أن خط الأنابيب، الذي يربط ميناء إيلات جنوب إسرائيل بمحطة الناقلات في عسقلان على ساحل البحر الأبيض المتوسط​​، يُمكن أن يزيل ويسرق حصة كبيرة من شحنات النفط التي تتدفق الآن عبر قناة السويس القريبة.

في حين أن الكثير من الضجيج حول الإتفاقية الإماراتية-الإسرائيلية ركّز على قطاعات أخرى مثل التكنولوجيا والرعاية الصحية والتعليم والسياحة، فإن خط أنابيب إيلات-عسقلان يجلب الصفقة إلى عالم البترول، القلب النابض لاقتصاد الخليج العربي. الآن بعدما كسر الإماراتيون الجليد، أصبحت فرص صفقات الطاقة العربية-الإسرائيلية واسعة ومُربحة، بدءاً من الإستثمار في خط الأنابيب الإسرائيلي نفسه، إلى تكييفه لنقل الغاز الطبيعي أو توصيله بخطوط الأنابيب عبر المملكة العربية السعودية والشرق الأوسط الأوسع. وقال مارك سيفيرز، سفير الولايات المتحدة السابق في سلطنة عُمان، حيث قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بزيارة رائدة قبل عامين: “إذا أجروا شراكات مع إسرائيليين، فهناك إمكانات هائلة لجميع أنواع الأعمال”.

قبل حوالي 64 عاماً عندما تم بناؤه، كان خط أنابيب إيلات-عسقلان بمثابة مشروع بناء وطني ضخم يهدف إلى ضمان إمدادات الطاقة لإسرائيل وأوروبا في أعقاب أزمة قناة السويس في العام 1956. فرض الرئيس المصري جمال عبد الناصر قيوداً على الشحن عبر القناة، ما أدّى إلى غزو القوات الإسرائيلية والبريطانية والفرنسية للأراضي المصرية. وقد لعبت الجهود اللاحقة التي بذلتها مصر لإغلاق الممر المائي الإصطناعي البالغ طوله 120 ميلاً دوراً أيضاً في الحروب الإسرائيلية العربية في العامين 1967 و1973.

جاء معظم النفط المتدفق عبر خط الأنابيب من إيران، التي كانت تربطها علاقات وثيقة، وإن كانت سرية، مع إسرائيل لعقود في عهد الشاه محمد رضا بهلوي. في العام 1968، سجّلت الحكومتان الإسرائيلية والإيرانية ما كان يُسمى آنذاك شركة خط أنابيب إيلات-عسقلان كمشروع مشترك 50-50 لإدارة تصدير النفط الخام الإيراني عبر الأراضي الإسرائيلية وما بعدها من طريق الناقلات إلى أوروبا.

يبدو أن الكثير من تدفق النفط المُبكِر تمّ بوساطة تاجر السلع الملياردير مارك ريتش، الذي وُجِّهت إليه لاحقاً إتهامات في الولايات المتحدة لمواصلته التجارة مع إيران بعد الثورة الإسلامية في العام 1979، عندما تم إعلانها دولة معادية. حصل ريتش على عفو عام في 2001 من قبل الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، الذي قال إنه تأثر جزئياً بمناشدات القادة الإسرائيليين ورؤساء المخابرات. وقال داعمو التاجر المارق، بمَن فيهم رئيسا الوزراء الإسرائيليان السابقان شيمون بيريز وإيهود باراك، إنه أنقذ الدولة العبرية مراراً من محاولات تدميرها. ريتش، الذي لم يُدان قط، توفي في العام 2013.

في العام 2015 أمرت محكمة سويسرية إسرائيل بدفع تعويضات لإيران بنحو 1.1 مليار دولار كحصة من الأرباح من الملكية المشتركة لخط الأنابيب منذ قطع الخصمين العلاقات في العام 1979، لكن إسرائيل رفضت الدفع.

بينما تمّ بناء خط الأنابيب الرئيس للشركة البالغ قطره 42 بوصة لنقل النفط الإيراني شمالاً إلى البحر الأبيض المتوسط​​، فإنه يقوم الآن بمعظم أعماله في الإتجاه المُعاكس. يُمكنه ضخ النفط الذي تم تفريغه في عسقلان من السفن المُرسَلة من قبل مُنتجين مثل أذربيجان وكازاخستان إلى ناقلات في خليج العقبة لنقلها إلى الصين أو كوريا الجنوبية أو أي مكان آخر في آسيا. يعمل بالتوازي مع خط الأنابيب الخام أنبوب آخر قطره 16 بوصة يحمل المنتجات البترولية مثل البنزين والديزل. كما تجني الشركة الأموال من تشغيل صهاريج التخزين في محطات الشحن الخاصة بها.

إن الميزة الذي يتمتع بها خط الأنابيب على قناة السويس هي قدرة المحطات في عسقلان وإيلات على استيعاب الناقلات العملاقة الضخمة التي تُهيمن على شحن النفط اليوم، لكنها أكبر من أن تتناسب مع القناة. يُمكن للسفن المعروفة في مجال النفط الخام باسم “VLCCs”، أو ناقلات النفط الخام الضخمة جداً، نقل ما يصل إلى مليوني برميل من النفط. من ناحية أخرى، فإن قناة السويس التي يبلغ عمرها 150 عاماً، هي فقط عميقة وواسعة بما يكفي للتعامل مع ما يسمى بسفن “سويز ماكس” (Suezmax)، مع نصف سعة ناقلة النفط العملاقة فقط. وبالتالي، يتعيّن على تجار النفط استئجار سفينتين عبر القناة مقابل كل سفينة يرسلونها عبر إسرائيل. مع رسوم باتجاه واحد عبر السويس تصل إلى 300 – 400 ألف دولار، يقول ليفي، فإن خط الأنابيب يسمح لإسرائيل بتقديم خصم كبير وسعر أفضل.

كانت أعمال شركة أنابيب آسيا أوروبا دائماً أحد أسرار إسرائيل التي تخضع لحراسة مشددة. حتى اليوم، لا تصدر الشركة أي بيانات مالية. يقول ليفي إنه لا يمكنه الكشف عن أسماء العملاء – رغم أنه يقول إنهم يشملون “بعضاً من أكبر الشركات في العالم”. إن المعلومات القليلة المعروفة علناً لم تظهر إلّا نتيجة المعارك القانونية التي أعقبت الإنفجار في خط الأنابيب في العام 2014 والذي تسبب في أسوأ كارثة بيئية في تاريخ إسرائيل، ما أدّى إلى تسرّب أكثر من 1.3 مليون غالون من النفط الخام إلى محمية عين إيفرونا الطبيعية الصحراوية.

إذا كانت الدفاتر المحاسبية لشركة أنابيب آسيا أوروبا غير شفافة، فإن المدى الذي يذهب إليه عملاؤها لإخفاء هوياتهم من خلال عمليات تسجيل متعددة وأساليب أخرى لإخفاء الشركات تُعتبَر أسطورية. كانت المقاطعة التي فرضتها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وجيرانهما المنتجين للنفط تعني أن الناقلات التي تعترف بالرسو في إسرائيل سيتم منعها من عمليات التحميل المستقبلية في الخليج العربي، ما يؤدي إلى تدمير أعمالها بشكل فعال. التفاصيل سرية للغاية – ولكن الطرق التي يمكن للسفن أن تحجب أنشطتها بشكل عام تشمل إيقاف تشغيل أجهزة الإرسال والإستقبال وإعادة الطلاء وتغيير العَلَم وإعادة التسجيل وتزوير سجلات الإرساء.

قال ليفي، وهو قبطان متقاعد في البحرية الإسرائيلية، إن السرية المطلوبة جعلت مسار خط الأنابيب باهظ التكلفة بالنسبة إلى معظم الشحنات: “كان على العديد من السفن التي جاءت إلى إيلات وعسقلان القيام بهذه العمليات حتى لا تتم مقاطعتها في ميناء أو آخر. إذا كانت السفينة تخشى أن يتم إدراجها في القائمة السوداء ومقاطعتها، فسيتم تسعير ذلك. كل هذا يكلفني مالاً لذا من الطبيعي أن يرتفع سعر النقل”.

لا شك أن نموذج عمل شركة أنابيب آسيا أوروبا يتحسّن بشكل كبير مع تآكل المقاطعة العربية. قال ليفي: “إذا انخفضت المخاوف [بشأن السرية] بشكل كبير، فإن السعر سينخفض ​​بشكل كبير. بعدها يصبح الأمر مُجدياً اقتصادياً وأكثر فائدة”. بمجرّد إزالة الحواجز السياسية لاستخدام إسرائيل كمركز لإعادة الشحن، يمكن أن تزدهر الأعمال التجارية. بعد إضفاء الطابع الرسمي على الصفقة الإسرائيلية-الإماراتية (مع الإسرائيلية – البحريينية)، من المرجح أن يتبعهما أعضاء آخرون في مجلس التعاون الخليجي، وعلى الأرجح سلطنة عُمان. من جهتها أشارت المملكة العربية السعودية إلى أنها لن تقيم روابط رسمية حتى يتم حل النزاع الفلسطيني، على الرغم من أن علاقاتها التجارية مع إسرائيل وفيرة ومتنامية.

يقول ليفي إن هدفه هو أن يستحوذ خط الأنابيب على ما بين 12 في المئة و 17 في المئة من أعمال النفط التي تستخدم الآن قناة السويس. بسبب قيود القناة، يتم ضخ الكثير من خام الخليج المتجه إلى أوروبا وأميركا الشمالية عبر خط أنابيب السويس-البحر الأبيض المتوسط ​​في مصر، والذي تمتلك فيه السعودية والإمارات حصة. ومع ذلك، يعمل خط الأنابيب المصري في اتجاه واحد فقط، ما يجعله أقل فائدة من منافسه الإسرائيلي، والذي يُمكنه أيضاً التعامل، على سبيل المثال، مع النفط الروسي أو الأذربيجاني المُتّجه إلى آسيا.

ستكون الخاسر مصر، التي ستشهد اختلاس الأعمال وستكون لديها سيطرة أقل على الأسعار الآن مع وجود منافسة. حتى مع تكوين صداقات جديدة في الخليج، تحتاج الشركة الإسرائيلية إلى توَخّي الحذر بشأن التعمّق في مصادر الدخل لمصر، الدولة العربية الأولى التي عقدت السلام مع إسرائيل في العام 1979، وواحدة من أفقر دول المنطقة. يقول سيفيرز، السفير السابق: “لا أعتقد أن ذلك سيجعل المصريين سعداء”.

التعاون الإسرائيلي-الإماراتي في مجال الشحن ليس جديداً تماماً. هناك سابقة لتسهيل الطريق تتمثّل في شركة “زيم إنتيغريتد شيبنغ سيرفيسيز” (Zim Integrated Shipping Services) الإسرائيلية، التي كانت ترسو في موانئ دبي العالمية، التي تديرها شركة دبي للشحن العملاقة، لأكثر من 20 عاماً، واستثمرت في مشاريع مشتركة مع الشركة الإماراتية. العلاقة بين مالك شركة “زيم”، إيدان أوفر (Idan Ofer)، ورئيس موانئ دبي، سلطان أحمد بن سليم، قوية للغاية لدرجة أن الملياردير الإسرائيلي ضغط على الكونغرس الأميركي نيابة عن شركة دبي في محاولتها غير الناجحة في العام 2006 لشراء عمليات ميناء في الولايات المتحدة.

كما نشأ المزيد من الإحتمالات بعد اكتشاف إسرائيل لاحتياطات وفيرة من الغاز الطبيعي قبالة ساحلها المتوسطي والتي يمكن أن توفّر أكثر بكثير من احتياجات إسرائيل الخاصة. إن جذب المستثمرين الخليجيين بالإضافة إلى شركاء إسرائيل الحاليين مثل شيفرون، وإمكانية الإتصال والربط بشبكة أنابيب الغاز في الشرق الأوسط، سيفتح أفقاً جديداً آخر لصناعة الطاقة الإسرائيلية الناشئة.

مع خروج خط أنابيب إيلات-عسقلان من سرّيته التي تمت رعايتها بعناية، تُقدّم اتفاقية السلام الإماراتية (كما البحرينية) لإسرائيل بوابة للدخول إلى نادي تجارة النفط عالي المخاطر حيث كان إخفاء عَلَمِها حتى الآن هو ثمن القبول.

  • جوناثان ش. فيرزيغر هو زميل كبير غير مُقيم في المجلس الأطلسي (Atlantic Council) ومراسل الشرق الأوسط السابق ل”بلومبيرغ نيوز”. يمكن متابعته عبر تويتر على: @jhferziger
  • كُتِب هذا التقرير بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى