لماذا ضاعت حكومة حسان دياب؟

بقلم البروفسور بيار الخوري*

يقفُ لبنان اليوم على واحدٍ من أخطر مُفترقاته الحاسمة: شللٌ اقتصادي غير مسبوق، وانهيار القوة الشرائية للعملة الوطنية، واقتراب التضخّم من تحقيق مستوى خمسين في المئة شهرياً، وهو إن حصل سيعني ان كرة الثلج قد باتت أكبر من أن يتم السيطرة عليها (التضخم الجامح)، بالإضافة إلى مرض فقدان الوعي الجمعي لدى القوى الطائفية، واحتداد الصراع الاقليمي في ظل ديبلوماسية العملة التي تُمارسها الإدارة الأميركية وآخرها تداعيات قانوني “قيصر” و”ماغنتسكي”.

لقد تشكّلت حكومة الرئيس حسان دياب في خضم مُقَدّمات هذا الوضع، وفي ظل الخوف المُسبَق مما وصلنا إليه. مُقدّمات جعلت رجالات نادي الطوائف ينسحبون الى خلف الستارة اولاً بسبب عجزهم عن انتاج اتفاق جديد للحكم، وثانياً لرغبة دفينة في تفادي نار الإنهيار.

لقد مثّلت حكومة دياب لحظة في العقل الجمعي للسلطة يتقدّم فيها أناسٌ غير مُتوَرّطين، لهم وجهٌ اختصاصي، وتاريخ غير مُلوَّث، وجرأة استثنائية على حمل كرة نار لا يعرفون عمق الندوب الذي ستتركه على أجسادهم ولا هم خبروا هذه النار سابقاً.

كان من الطبيعي ان تُعاني الحكومة من فقدان ثقة الشعب الذي يئس الدخول في تجارب جديدة وإعطاء فرص جديدة، لكن إقرار خطة الإنقاذ الحكومية قد أعطى دفعاً قوياً للحكومة ورئيسها بما أدّى إلى نوعٍ من الأمل بإنتاج مسار إنقاذ يُوافق عليه المجتمع الدولي.

على الرغم من أحلام الحلّ السريع بدا رويداً رويداً أن الخطة الحكومية هي موضوع انقسام جديد بين المال والسلطة، وموضوع خطوط حمراء تبدأ من اصحاب المصلحة المحلّيين وتنتهي في مراكز قرار دولية كبرى.

في لحظة من لحظات الأزمة إرتفعت شعبية رئيس الحكومة الى مستوى 54% في حين حصل منافسوه مجتمعين على 22% واسنتكاف باقي المستطلعين عن الاجابة. لم يكن لدى رئيس حكومة بلد مأزوم، ونظام سياسي أكثر أزمة، الزخم الكافي لتحويل هذه الأرقام إلى مُحرّكات في مشروعه.

يستطيع كل متابع ان يرى أن الرجلَ لا يملك الأرضية السياسية الكافية للإنجاز، والإنجازات المُمكنة هي فقط ما حدّدته في مقالة سابقة يوم تشكيل الحكومة: إنتاج قوانين لا تجرأ الطبقة الحاكمة على إنتاجها مُباشرة نظراً إلى حجم الأثر على شعبيتها والتزامها تجاه جمهورها.

هكذا بات دخول صندوق النقد الدولي مُمكناً بفضل حكومة دياب، وصار تخصيص المصالح العامة مُمكناً، ومعه بات تفكيك القطاع العام المُتورّم مُمكناً، وأصبح إلقاء الدين بالتضخم ممكناً، وهي أمورٌ كان يمكن ان تُفجّر البلد وتحرق رؤوس كبرى لو تمت مباشرة على يد القيادات السياسية. وهذا القادر على كل ذلك عاجزٌ عن منع أصغر مُحاصصة في التعيينات وهنا مأساة الرجل.

هل انتهى دور هذه الحكومة؟

طالما مُنحَدَرُ الإنهيار مستمر فلا بديل من حكومة حسان دياب! لن يجرؤ أحدٌ على حمل كرة انهيار العملة وسقوط الطبقة الوسطى وتزايد مستويات الفقر واكتظاظ خط الجوع.

حكومة دياب ضاعت لأننا في زمن لا يحتمل إلّا الضياع. ولو كان الزمن يحتمل غير ذلك لما تُرِكَت السلطة لرجلٍ من خارج النادي السياسي.

قد يدفع عمق الأزمة السياسية والاقتصادية والصراع على لبنان الى استقالة الحكومة، ولكنها ستستمر في تصريف الأعمال، وربما يُعاد تعويمها، وسيستمر ذلك حنى نصل الى قاع المنحدر المعبر عنه بواحدة من إثنين:

  • تسوية كبيرة تشمل لبنان، وهذا غير مُحتَمَل قبل الإنتخابات الأميركية المُقبلة.
  • تحلّل اقتصادي يسمح بتحميل حكومة حسان دياب مسؤولية الإنهيار، واستلام حكومة جديدة لاقتصاد وصل الى قاع الإنهيار. وأي إجراء عندها سيُحسَبُ إنجازاً.

حكومة الإنتحاريين والإنتحاريات تستمر في أداء وظيفتها، والمنتظرون خلف الستارة لا زالوا ينتظرون لحظة العودة المُظَفّرة.

  • البروفسور بيار الخوري هو أكاديمي وباحث لبناني في الإقتصاد السياسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى