ما تُخبرُنا به مُناشدات الملياردير السوري رامي مخلوف عن مُستقبل نظام الأسد

في الأسبوع الفائت أعلن الملياردير السوري رامي مخلوف عبر فيديو نشره على فايسبوك أنه تلقى فاتورة من الدولة لدفع مبلغ 186 مليون دولار وقال أنه لا يستطيع دفعه. ماذا يخبرنا هذا الفيديو؟ ولماذا نشره مخلوف في هذا الوقت؟

 

أسماء الأسد: هل تريد تنظيف “المنزل”؟

 

بقلم مصطفى الراوي*

في سوريا هذه الأيام، يبدو أن الولاء التاريخي لنظام الرئيس بشار الأسد لا يكفي لإبقائك من المحظيين. يجب أن يكون هناك أيضاً دليلٌ على الإلتزام “بالوضع الطبيعي الجديد” الذي وجدت الدولة نفسها فيه.

من المُبالغة القول إن سوريا قد تغيّرت. بعد ثماني سنوات من الحرب، تعمل قواتُ أربع دول أجنبية على أراضيها، وفُقِدَت أرواحٌ لا حصر لها، وشُرِّد الملايين، ودُمِّرت المنازل، وبشكل غير مفاجىء إنهار الإقتصاد. والآن هناك جائحة “كوفيد-19” التي يجب التعامل معها، والتي حذّر الأسد من مخاطرها هذا الأسبوع.

إضافةً إلى هذه الفسيفساء القاتمة، لدينا رامي مخلوف ومناشداته المُذهلة التي ظهرت على الفيديو على فايسبوك خلال الأسبوع الفائت. إتّهم الملياردير السوري قوات أمن النظام باحتجاز موظّفيه، واشتكى من أن شركة الإتصالات التابعة له “سيريتل” تلقت فاتورة “غير عادلة” من الحكومة لدفع 186 مليون دولار، وهو مبلغٌ يقول إنه لا يستطيع دفعه.

هناك تكهّنات محمومة بأن الطبيعة العامة لتعليقات مخلوف تشير إلى حدوث صراعٍ على السلطة. كما تطرح سؤالاً على وجه التحديد إلى مَن يُحاول مخلوف توجيه رسائله؟ بالتأكيد ليس إلى الجمهور بشكل عام. سواء عبر الإنترنت أو خارجها، هناك دلائل على الكثير من الشماتة وعدم التعاطف مع مخلوف ومشاكله. هل من الممكن أنه لم يعد لديه طريق اتصال مباشر مع الرئيس؟

تخضع كل عائلة مخلوف تقريباً، التي طبقاً لتقارير سابقة تُسيطر على 60 في المئة من الإقتصاد السوري، لعقوبات من الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. ويبدو أن فائدتها ك “مصرف ومموّل” للنظام تآكلت خلال السنوات الأخيرة.

أيضاً، ظهرت فئة جديدة من رجال الأعمال الأثرياء بفضل الحرب. هناك تكهّنات بأن هؤلاء يُساعدون على استهداف مصالح مخلوف. علاوة على ذلك، هناك أولئك المراقبون الذين يشيرون إلى صعود دور زوجة الأسد، أسماء، التي تسعى إلى تنظيف “المنزل” تحسّباً لانضمام وعودة سوريا مُجدداً إلى المجتمع الدولي. إن مخلوف هو رمزٌ مُرهِقٌ للسوء والسلبية اللذين يُنظر من خلالهما إلى النظام، وعلى عكس الأسد وزوجته، فهو قابل للتغيير ويُمكن الإستغناء عنه كما يبدو.

ليس من الحكمة أن نفترض أن متاعبه قد تكون دليلاً على ضعف الأسد. من أجل البقاء، يجب أن تكون الأنظمة الوحشية والقمعية في حالة تغيّر مُستمر؛ لا يُسمَح لأحدٍ أن يشعر بالراحة والطمأنينة. الخوف هو ما يربط. في العراق، على سبيل المثال، كان صدام حسين الثابت الحقيقي الوحيد لما يقرب من ربع قرن حيث صعد أتباعه وسقطوا من حوله من دون أي ضجيج. لم تتأثّر سلطته بتاتاً حتى أطاحه الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في العام 2003. وقد تُثبت أزمة مخلوف أنها مُجرَّد مرحلة أخرى من تشديد الأسد قبضته على النظام كما فعل طوال العقد الماضي.

على أيّ حال، فإن التكهّنات حول المؤامرة، التي قد تكون، أو لا، تدور خلف الكواليس في دمشق، تفتقد النقطة بأن أي شخص داخل الدائرة الداخلية يجب أن يعترف بأن روسيا وإيران هما الراعيتان الرئيستان الآن.

ظاهرياً على الأقل، ظهرت جماعة مخلوف لبعض الوقت على خلاف مع النموذج الجديد في سوريا.

فَكِّر في ما تعرفه عن المسؤولين في موسكو وطهران، ثم اسأل نفسك إلى أي مدى سيكونوا سعداء برؤية االأعضاء الأصغر سناً من عائلة مخلوف يتباهون بأنماط الحياة الثرية على منصات التواصل الاجتماعي. ومن المرجح أن تكون التغطية الإعلامية السلبية عن نظام الأسد في روسيا زادت من التوتر في دمشق.

أيضاً، لا تزال هناك حربٌ مستمرة. السفير جيمس جيفري، المبعوث الأميركي لسوريا، يصف إدلب – وهي آخر منطقة معارضة لنظام الأسد – بأنها “بوتقة” الصراع. تعمل القوات الأميركية في المنطقة، وتتقاسم الطرقات والفضاء مع القوات الروسية والتركية. إنه برميل بارود مُحتمَل لسيناريو. في غضون ذلك، يقول جيفري إن واشنطن “ستُضاعف جهودنا” لدعم صياغة الدستور وتمهيد الطريق أمام انتخابات تدعمها الأمم المتحدة.

ويُجادل جيفري أيضاً بأنه من خلال العقوبات “فإننا نُحاسب النظام” على جرائمه ضد المدنيين، بما فيها استخدام الأسلحة الكيميائية ووقف توزيع المساعدات الإنسانية. هناك أيضاً وجودٌ يلوح في الأفق لإسرائيل في الوقت الذي تُكثف الضربات الجوية ضد الأهداف الإيرانية في البلاد.

بالنظر إلى كل ما يجري، فإن مخاوف ورغبات ومناشدات مخلوف ليست ذات أهمية حقيقية تُذكَر. والأهم من ذلك، إن معظم الشعب السوري لا يزال يُعاني مع عدم ظهور راحة واستراحة في الأفق. ومع ذلك، فإن وضعه يُثير أسئلة أوسع.

أولاً، هل بدأت العقوبات الدولية تعمل وتؤثّر أخيراً؟ إن نظام الأسد المُحاصَر بينها وبين الإنهيار المالي في لبنان المجاور، تأثّر بشكل واضح لأنه بحاجة إلى دفع أمثال مخلوف إلى مثل هذه الزاوية للوصول إلى النقد والمال.

السؤال الكبير الثاني حول إعادة الإعمار، إذا تمّ التوصّل إلى حلّ سياسي في نهاية المطاف. يُقدّر البنك الدولي أن جهود إعادة الإعمار في سوريا ستتطلب ما يقرب من 400 مليار دولار. ويتردّد المانحون الدوليون بالإلتزام بأي تمويل في الوضع الحالي، وروسيا وإيران ليستا في وضع مالي يسمح لهما بـتأمينه وضمانه. سيحتاج الأسد إلى إنشاء عرض جذاب للغاية لكي يستطيع جذب المستثمرين المحتملين.

قبل ذلك، كان مخلوف يتحضّر لجني فوائد هائلة من إعادة بناء سوريا، حيث كان هناك وقت لا يمكن أن يحدث فيه الكثير من الناحية الاقتصادية في البلاد من دون تدخله. ولكن من الإنصاف القول إنه لن يكون محورياً للغاية عندما تصبح إعادة الإعمار حقيقة. وهذا يخلق فراغاً للآخرين لملئه، والذي يُمكن أن يكون مُفيداً لنظام الأسد وهو يحاول كسب حلفاء جدد وإعادة بناء سمعته السيئة والمتدهورة.

  • مصطفى الراوي هو مساعد رئيس التحرير في صحيفة “ذا ناشيونال” (The National) الإماراتية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى