“كوفيد-19” يُرهِقُ كاهل الإقتصاد الإيراني ويُنذِرُ بتداعياتٍ إقتصادية واجتماعية خطيرة

فيما كانت إيران تواجه تداعيات العقوبات الأميركية المفروضة عليها، جاء فيروس “كوفيد-19” خلسةً ليُفاقم التداعيات الإقتصادية والإجتماعية على البلاد التي باتت تنذر بعواقب وخيمة. ورغم ذلك، غامرت طهران وفتحت الطرق السريعة بين المدن ومراكز التسوّق الرئيسة لتحفيز اقتصادها الذي يُعاني، مُراهنةً على أنها سيطرت على تفشّي الفيروس التاجي- حتى مع مخاوف البعض من أن يؤدي ذلك إلى موجة ثانية من إنتشار الوباء.

 

الرئيس حسن روحاني: حكومته تواجه معارضة شعبية

بقلم أمين مُحسِني – شيراغلو*

يُمثّل فيروس “كوفيد-19” (COVID-19) تهديداً كبيراً للإقتصاد العالمي وصحّة الملايين من الناس حول العالم، ولكن تأثيره في إيران، إحدى أوائل بؤر التفشّي، كان شديداً وقاسياً بشكل خاص. مع الأرقام الرسمية (المشكوك فيها) لما يقرب من 82,211 حالة مؤكدة وأكثر من 5,118 حالة وفاة، فهي من بين الدول العشر الأكثر تضرّراً. من المتوقع أن يصل تفشّي الوباء إلى ذروته في أواخر أيار (مايو) تقريباً ويخشى الباحثون أنه إذا لم يلتزم الجمهور والحكومة الإيرانية بشكل كبير بتدابير الحجر الصحي والتباعد الإجتماعي الأكثر صرامة، فقد تصل الوفيات المُرتبطة بفيروس كورونا إلى 3.5 ملايين نسمة أو 4.3 في المئة من مجموع السكان في البلاد. ومع تفاقم الوضع أكثر بسبب العقوبات الأميركية وحملة “أقصى الضغط” لإدارة دونالد ترامب، من المرجح أن تكون التداعيات الإقتصادية على الجمهورية الإسلامية واسعة النطاق وقاسية، مما يُعيق قدرة الحكومة على الإستجابة بفعالية للأزمة. وتُفيدُ التقديرات المُتفائلة عن التأثير في العام 2020 بأنه سيكون انكماشاً بنحو 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، في حين تُشير تقديرات أخرى إلى أنه قد يكون أسوأ بكثير، حيث سيصل إلى 30 في المئة. ومن المُحتمَل أيضاً أن يؤدي هذا الإنكماش إلى خسائر كبيرة في الوظائف، والتي إذا لم يتم التعامل معها بسرعة وفعالية، فقد تؤدي إلى اضطرابات سياسية واجتماعية في المستقبل القريب.

التأثير في العمالة

كانت سوق العمل الإيرانية تُعاني أصلاً من ارتفاع مُعدّلات البطالة قبل تفشّي الوباء، خصوصاً بين الشباب المُتخرجين من الجامعات. في أفضل السيناريوهات، فإن الإنكماش الإقتصادي المُقدَّر في العام 2020 سيُعرِّض للخطر بين 3 و4 ملايين وظيفة، مما قد يدفع معدلات البطالة الفعلية (غير الرسمية) من حوالي 20 في المئة الآن إلى أكثر من 35 في المئة في أشهر قليلة فقط. وعلى غرار الولايات المتحدة وأوروبا، فإن الشركات الصغيرة، وصناعة النقل، والضيافة، وقطاع الخدمات بشكل عام – التي تُوظّف أكثر من نصف الإيرانيين العاملين – ستتضرّر بشدة. لم يكن من الممكن أن يكون التوقيت أسوأ لأن “نوروز”، العام الفارسي الجديد الذي يُصادف اليوم الأول من الربيع، هي الفترة الأكثر ربحية من العام للعديد من الشركات الصغيرة ومتاجر البيع بالتجزئة والنقل البري والجوي والمطاعم والفنادق.

من المُرجّح أن يكون الأشخاص الذين يعملون في الإقتصاد غير الرسمي والعمّال المياومين (أي الذين يكسبون أجرهم يومياً)، والذين يُشكّلون ما يقرب من ربع العمالة الإيرانية التي يبلغ مجموعها 24 مليون عامل، هم الأكثر تضرّراً. مع عدم وجود رواتب ثابتة، ومُدّخرات قليلة أو معدومة، وعدم كفاية التغطية من خطط التأمين الرسمية والحماية الإجتماعية، يواجه هؤلاء العمال الخطر الأكبر للإصابة بالعدوى لأنهم لا يستطيعون التوقّف عن العمل ويعتمدون بشكل كامل على أرباحهم اليومية. وإدراكاً لهذه الحقيقة وقلقاً من أن تؤدي إجراءات الحجر الصحي الصارمة إلى الدفع الفوري ل20 في المئة إضافية من السكان إلى الفقر المدقع، مما قد يؤدي إلى مزيد من الإضطرابات الإجتماعية، تجنّبت الحكومة الإيرانية فرض تدابير الحجر الصحي الأكثر صرامة التي يوصي علماء الأوبئة بها لإبطاء معدل انتشار الفيروس. وبعبارة أخرى، في مواجهة المقايضة المتوسطة المدى بين الإقتصاد والصحّة العامة، يبدو أن الحكومة الإيرانية قد اختارت الإقتصاد.

ردُّ الحكومة

مع ذلك، وبغض النظر عن سياسات الحكومة في ما يتعلق بالحجر الصحي، فإن فقدان بين 3 و4 ملايين وظيفة مرتبطة بالإنكماش الاقتصادي المفاجئ والعميق في العام 2020 يبدو أنه لا مفرّ منه. ونتيجة لذلك، تبذل الحكومة قصارى جهدها لتقديم قروض إلى 23 مليون أسرة تتلقى أصلاً إعانات عبر تحويلات نقدية شهرية، تُعرف باسم “يارانه”. ولكن، بالنظر إلى الحجم الصغير لهذه القروض – أقل من 65 دولاراً أو ما يعادل الدخل الشهري المطلوب لعائلة مُكوَّنة من شخصين في إيران لتظل فوق خط الفقر المدقع – فإن فاعلية هذه التدابير في الحدّ من التأثير الإقتصادي ل”كوفيد-19″ مشكوك فيها للغاية. في البداية، كان من المُقرّر تمديد هذه القروض بمعدل فائدة 12 في المئة، ولكن إدراكاً للمخاطر السياسية المُرتبطة بهذه الخطوة، قرّرت الحكومة في ما بعد جعلها بدون فائدة.

ونظراً إلى الواقع الأليم، من غير المرجح أن تُعالج هذه الإيماءات الصغيرة استياء الرأي العام الإيراني العميق من الكيفية التي أدارت بها الحكومة الإقتصاد والوباء. إن الإنكماش الإقتصادي المُرتبط ب”كوفيد-19″ في العام 2020 سُيضيف إلى مستويات الإحباط المُرتفعة أصلاً، لا سيما بين مجموعتي القوى العاملة: الشباب الحاصلين على تعليم جامعي والعمّال غير المهرة. ستحدث الغالبية العظمى من الخسائر المتوقعة في الوظائف التي تتراوح بين 3 و 4 ملايين وظيفة في الاقتصاد غير الرسمي، حيث تتركز غالبية اليد العاملة غير الماهرة. علاوة على ذلك، مع ثلاث سنوات متتالية من الإنكماش الإقتصادي (في 2018 و2019 و2020)، فإن الإقتصاد الإيراني ليست لديه القدرة على إيجاد وظائف ذوي “الياقات البيضاء” اللازمة لاستيعاب الملايين من خريجي الجامعات الشباب – علماً أن هؤلاء الخريجين كانوا يواجهون أصلاً معدلات بطالة تصل إلى 30 في المئة حتى قبل الوباء. من المرجح أن يضيف الإنهيار الإقتصادي الناتج من “كوفيد-19” إلى الإحباطات العميقة لهاتين المجموعتين من الإيرانيين، الذين ليس لديهم الكثير ليخسروه وليس لديهم الكثير يأملون به في ما يتعلق بالتطلعات الإقتصادية.

إذا لم يتم التعامل مع هذا الوضع على الفور وبشكل فعّال، فقد يؤدي فقدان الوظائف على نطاق واسع وما يترتب على ذلك من ظروف أكثر قسوة في سوق العمل، إلى مزيد من عدم الإستقرار السياسي والإضطرابات الإجتماعية. وينطبق هذا بشكل خاص بعد الاضطرابات العنيفة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019 بسبب ارتفاع أسعار البنزين، والغضب العام من السقوط العَرَضي لطائرة ركاب أوكرانية في كانون الثاني (يناير) 2020، وتراجع شعبية حكومة الرئيس حسن روحاني بسرعة في ولايته الثانية. وتواجه الحكومة الإيرانية الآن واحدة من أسوأ الأزمات – إن لم تكن الأسوأ – منذ ثورة 1979، ولا يوجد الكثير مما يمكنها فعله لمعالجة التداعيات الإقتصادية. كان أكثر من 20 في المئة من السكان أصلاً تحت خط الفقر المدقع حتى قبل تفشي الوباء، والموارد المالية الحكومية الضيّقة والقليلة تعني أنها لا تملك سوى القليل من القدرة على توسيع برامج الرعاية الاجتماعية لمعالجة الصعوبات الإقتصادية التي تواجه ملايين الأسر.

تأثيرات الموازنة

مع ذلك، فإن التوازن المُحتَمل لهذه التطورات هو الطبيعة العالمية لأزمة “كورونا. تأثرت الإقتصادات في جميع أنحاء العالم بشدة من الوباء – خسرت الولايات المتحدة وحدها أكثر من 22 مليون وظيفة في أربعة أسابيع فقط. من المستحيل أيضاً تجاهل الدور المركزي للعقوبات الأميركية الذي يلعبه في تعثّر الإقتصاد الإيراني وقدرته على مكافحة المرض. إن فرض عقوبات إضافية على إيران والضغط على صندوق النقد الدولي لرفض طلب طهران للحصول على قرض طارئ بقيمة 5 مليارات دولار هي أحدث خطوات إدارة ترامب في سعيها إلى خنق الاقتصاد الإيراني في وقت تتعرض البلاد والعالم لضربة شديدة من الوباء. وإزاء هذه الخلفية، قد يُظهِر الشعب الإيراني بالفعل المزيد من التعاطف والتضامن مع حكومته. إذا كان التاريخ أي دليل، يميل الإيرانيون إلى الوحدة خلال أوقات الصدمات والأزمات الخارجية، خصوصاً إذا تفاقمت هذه الأزمات واستغلّتها قوى خارجية مُعادية.

وقد يُفسر هذا الأمر السبب أنه لا توجد حتى الآن أي علامة على اضطرابات اجتماعية، على الرغم من تزايد عدم شعبية حكومة روحاني، وسوء إدارتها على نطاق واسع للاقتصاد والوباء، وما نجم عن ذلك من أزمات اقتصادية وصحية عامة. على العكس، إذا كان هناك شيء، يبدو أن هناك شعوراً متزايداً بالوحدة والتعاطف بين الجمهور، على الأقل في الوقت الحالي. إلى متى سيستمر هذا الواقع فهو غير مؤكد، ولكن هناك شيئاً واحداً واضح: كيف تستجيب الحكومة الإيرانية في الأسابيع والأشهر المقبلة لما قد يكون أكبر تحدٍّ لها من المرجح أن يكون له تأثير عميق في الإقتصاد والمجتمع في إيران لسنوات مقبلة.

  • أمين مُحِسني – شيراغلو هو أستاذ مساعد في قسم الإقتصاد في الجامعة الأميركية في واشنطن.
  • كُتِب هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى