ماري عزيز الخوري: أَيُّ دورٍ في حياة جبران؟ (1 من 2)

ماري الخوري (صورة من جريدة “دايلي نيوز”، نيويورك، 21/8/1938)

هنري زغيب*

من المسَلَّم به أَن أَفضل (وأَكمل) بيوغرافيا صدرَت عن جبران خليل جبران هي التي وضعها قبل نحو نصف قرن (1973) نسيبُهُ النحات البوسطني خليل جورج جبران (1922-2008) وزوجته جين.

لِـمَ هي الأَفضل؟ لأَن النحات آلت إِليه جميع الوثائق والأَوراق والمخطوطات والأَغراض التي كانت لدى جبران في محترفه (نيويورك) وفي شقَّته (بوسطن)، وانتقلت جميعُها بعد وفاته إِلى شقيقته مريانا التي لم تكن تقرأُ العربية ولا الإِنكليزية لتفهمَ ما فيها. سلَّمتْها نسيبَها النحاتَ (وهو أَوسطُ أَبناء نقولا جبران، ابن عَم الشاعر) فدأَبَ وزوجتَه طوال سنوات مكثَّفة على تنسيق الأَوراق والمخطوطات حتى نسَجَا منها سيرةً مفصَّلة جدًّا (تكاد تكون يوميةً بالتواريخ والتفاصيل والوثائق الدقيقة) في نحو 500 صفحة باتت مرجعًا ضروريًا لكل من صاغ سيرةً جبرانية بعدهما. ولعلَّ من أَبرز المصادر التوثيقية التي اطَّلَعَا عليها – عدا ما كان لديهما – كانت رسائل ماري هاسكل ودفاتر يومياتها (وهي اليوم في جناح “الوثائق النادرة” لدى جامعة نورث كارولاينا في مدينة تشاپل هِلّ).

ظهور ماري الخوري

من تلك اليوميات، ما دوَنتْهُ ماري هاسكل يوم الخميس 30 تشرين الثاني/نوڤمبر 1911 عن أَول زيارة لها إِلى محترف جبران تطمئنُّ عليه بعد انتقاله عامئذٍ من بوسطن إِلى نيويورك. يومها زارتْهُ برفقة شارلوت تيلر، وراقبَت محتويات الستوديو، ومنها: أَربعة شمعدانات لتضيْءَ له الغرفة كي يرسُم ليلًا، سجادة صغيرة كان حملها معه من پاريس قبل سنتين، مصباح زجاجي قديم، بساط شرقي جميل هدية له من ماري الخوري. “ومن تكون؟”، لا بدَّ سأَلتْه ماري، ليشرح لها جبران أَنها سيِّدة ميسورة من أَتلنتِك سيتي (ولاية نيوجرزي) عرَّفه إِليها أَمين الريحاني، وأَنها تفتح بيتها في نيويورك صالونًا أَدبيًّا تستقبل فيه دوريًّا شلة أُدباء وشعراء وفنانين لبنانيين وأَميركيين ترعاهم وتكْرمهم، وأَنها ابنة تاجر مجوهرات معروف نقلَت محله بعد وفاته من أَتلنْتِك سيتي وتديره على الجادة الخامسة في نيويورك.

كانت تلك أَول مرة يرد ذكْر هذه السيِّدة في حياة جبران.

جبران: أَين رسائله إِلى ماري الخوري؟

صداقة؟ أَم علاقة؟

في مكان ثانٍ من الكتاب، ينقل المؤَلفان عن يوميات ماري هاسكل أَن حياة جبران الحميمة لا يعرفها إِلَّا صديقُه النحات يوسف الحويك رفيقه في سنَتَي پاريس، بينما يظنُّه أَصدقاؤُه الريحاني وماري الخوري وشارلوت تيلر “متعدد العلاقات الغرامية” إِنما مجرد ظنٍّ بدون تفاصيل.

وفي مكان ثالث يذكر المؤَلفان عن اهتمام هاسكل بمعرض جبران في غالري كْنودْلِر الشهيرة على الجادة الخامسة. لكنها لم تكن في نيويورك نهار افتتاحه (الإِثنين 29 كانون الثاني/يناير 1917)، فكتَب إِليها جبران أَنْ بات لديه هاتف، ودوَّن لها رقمه (9549 تْشِلْسِيا) كي تتصل به حين تزور نيويورك. سوى أَنها زارت المعرض ذات غروب بدون أَن تُعْلِمَه مسْبقًا، فوجدت في الغالري أَصدقاء شرح لها لاحقًا أَن بينهم السيدة ماري الخوري المهمَّة في حياته الفنية، وأَنها تشتري لوحات من كل معرض يقيمه، وكرَّر لها أَنه يتردَّد إِلى زيارتها مع صديقه الريحاني.

قناع الميت

في مكان أَخير نحو نهاية الكتاب، يذكر المؤَلفان أَن ماري الخوري كانت إِلى سرير جبران عند وفاته (الساعة 10:55 ليلة الجمعة 10 نيسان/أَپريل 1931) وهي التي طلَبت نقْش “قناع الميت” لوجْه جبران ويده اليُمنى وتكفَّلت بمصاريفه. كما يوردان رسالةً لاحقة (الأَحد 15 تشرين الثاني/نوڤمبر1931) من باربرَه يونغ (رفيقة جبران في محترفه طيلة آخر سبع سنوات من حياته) إِلى ماري هاسكل حول إِقامة معرض في محترف جبران، ومَن يمكن أَن يهتمَّ به في المحترف. اقترحت ماري أَسماء أَصدقاء لجبران يمكن أَن تستشيرهم باربرَه لكنها رفضتْهم جميعهم، وخصوصًا ماري الخوري التي كتبَت باربرَه عنها مجيبةً هاسكل: “في داخلي صوتٌ يجعلني أَنفُر من استشارة هذه السيِّدة. لعلَّه صوت خليل يأْتيني من غيابه”. وانتهى الأَمر، يقول المؤَلِّفان، بأَن “احتلَّت باربرَه المحترف وأَشرفَت هي على المعرض”.

جبران وماري الخوري في كتاب روبن ووترفيلد

لا تلوموا المدمن

ويرِد ذكْر ماري الخوري في بيوغرافيا روبن ووترفيلد (لندن 1998) ناقلًا عن خليل حاوي (من أُطروحته في كمبرِدْج عن جبران، صدرت في منشورات الجامعة الأَميركية – بيروت 1963)، أَن حاوي قابل أَصدقاء لجبران أَفادوه أَنْ كانت له “علاقة حميمة” مع ماري الخوري بُعَيد وصوله إِلى نيويورك، وأَنَّ بينهما رسائل، وأَنَّ لدى ماري الخوري لوحة لجبران على مقْلَبها عبارة بخطه: “لا تلُومُوا مُدمنَ الخمْر، فهو لا يُدمِنه إِلَّا ليَنسى أَوجاعًا أَقسى عليه من الإِدمان”. ويعلِّق ووترفيلد أَن جبران استعمل كلمة “يَنسى” لا كلمة “يُخَدِّر” لأَن المخدِّرات كانت فترتئذٍ محظَّرة بالقانون.

وفي شائعة أُخرى نقَل ووترفيلد عن ماري الخوري ذكْرَها أَن تُدفن معها رسائلُ جبران إِليها.

مَن تكون إِذًا هذه الـ”ماري عزيز الخوري”؟ وما مصيرُ رسائل جبران إِليها؟

الجواب في الجزء التالي من هذا المقال في “أَسواق العرب”.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: henrizoghaib.com أو عبر تويتر:  @HenriZoghaib
  • يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” – بيروت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى