ولي العهد السعودي يَستَعرِض عَضَلاته الإقتصادية والعالم يَكسَب

أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في 8 آذار (مارس) عن زيادة إنتاج المملكة اليومي من النفط إلى 12.3 مليون برميل رداً على رفض روسيا لخفض إنتاجها، الأمر الذي أدّى إلى هبوط أسعار النفط إلى 32 دولاراً في اليوم التالي وصدمة في أسواق المال العالمية.

الرئيس فلاديمير بوتين: يريد ضرب شركات النفط الصخري الأميركي

بقلم فريدا غيتيس*

مع تباطؤ الإقتصاد العالمي فعلياً نتيجة تفشّي فيروس كورونا الذي أصبح الآن رسمياً وباءً، خاطر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بدفع العالم إلى الركود من خلال إطلاق صدمة مباشرة في أسواق النفط. لقد كانت خطوة تجارية من قبل الأمير الشاب، الذي أظهر أنه يمكنه أن يكون قاسياً ومُتشدّداً – وأحياناً مُدمّراً لنفسه – عندما يكون عازماً على شق طريقه.

ليلة الثامن من آذار (مارس)، أعلن  بن سلمان أن السعودية ستزيد إنتاجها من النفط بشكل كبير على الرغم من الإنخفاض الحاد في الطلب العالمي. كان هذا عكس ما يفعله منتجو النفط عادة، حيث أدّى إلى تفاقم الركود الحالي وأثار على الفور موجة من الذعر في الأسواق المتوترة أصلاً حول العالم. إنخفضت أسعار النفط بنسبة لا تُصدَّق 30٪ مع افتتاح الأسواق في اليوم التالي، وبحلول الوقت الذي أغلقت فيه الأسواق في وول ستريت، كانت المؤشرات الرئيسة قد تعرّضت لأكبر خسائرها منذ الأزمة المالية العالمية منذ إثني عشر عاماً.

كان ولي العهد السعودي يستعرض عضلاته الإقتصادية، على أمل توجيه رسالة إلى منتجي النفط – خصوصاً إلى روسيا – مفادها أن المملكة العربية السعودية تحت قيادته هي التي تُحدّد السياسة النفطية في العالم، بغض النظر عن التكلفة.

لقد ذكّرتنا هذه الخطوة بأفعال متطرفة أخرى أقدم عليها ولي العهد. في العام 2017، عندما لم تلتزم قطر بخطه ضد إيران و”الإخوان المسلمين”، فرض حصاراً شديد القسوة على الجارة الصغيرة للمملكة وحليفتها السابقة، مما تسبب في حدوث صدع في مجلس التعاون الخليجي، الذي كان موحّداً، حتى اليوم. وقد فشلت هذه الاستراتيجية حتى الآن في ثَني قطر عن الإستمرار في سياستها الخارجية. وبالمثل، في العام 2015، شنّ بن سلمان حرباً مُدمّرة في اليمن ضد الحوثيين المدعومين من إيران، حيث تحوّلت الحرب الأهلية هناك إلى حرب أوسع بالوكالة. بعد خمس سنوات، أنتج الصراع كارثة إنسانية في أفقر بلد في العالم العربي، بتكلفة مالية باهظة للمملكة العربية السعودية، لكن الحوثيين لا يزالون يقاتلون. عندما رفض جمال خاشقجي، الصحافي السعودي المُقيم في الولايات المتحدة وكاتب عمود في صحيفة “واشنطن بوست”، التوقّف عن انتقاد الرياض، فقد اغتيل ومُزِّق جسده في القنصلية السعودية في اسطنبول. وتعتقد وكالة المخابرات المركزية الأميركية أن الأمير محمد بن سلمان هو الذي أمر بالقتل. بالإضافة إلى تكلفتها البشرية، فإن الجريمة قضت على سمعة الأمير العالمية.

مع رهان النفط، تصدّى بن سلمان للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتحدّاه. وعلى الرغم من ارتفاع تكاليف هذا الرهان، إلّا أنه قد يؤتي ثماره، ولكن لا يوجد ضمان لذلك بعد.

كما يأتي ذلك وسط دسيسة القصر المُتجدّدة في الرياض. لقد واصل ولي العهد تعزيز مكانته كحاكم بحكم الواقع ووريث العرش. في الأيام القليلة الماضية، أمر باعتقال أربعة أمراء كبار، بمَن فيهم ولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف الذي كان أجبره على الإستقالة سابقاً.

جاء قرار زيادة إنتاج النفط بعد اجتماع اعضاء أوبك وروسيا. وكان منتجو النفط يُناقشون إقتراحاً بخفض الإنتاج بمقدار 1.5 مليون برميل يوميًا بدءاً من نيسان (إبريل) المقبل لدعم الأسعار وسط انهيار الطلب العالمي الناجم عن تفشي فيروس كورونا، مما أجبر المصانع على الإغلاق والناس على إلغاء الرحلات الجوية وغيرها من وسائل السفر. لكن روسيا رفضت الموافقة على الخطة، مُتخلّيةً عن أي تخفيض مُنسَّق للإنتاج، لأن بوتين يعتقد أن التخفيضات ستساعد منتجي النفط الصخري الأميركيين، حيث لن يستفيدون فقط من ارتفاع الأسعار، ولكنهم قد يستحوذون أيضاً على حصة من روسيا و”أوبك” في السوق.

الواقع أن هذا القرار لم يفاجئ الجميع فقط، يبدو أنه، بقرار زيادة الإنتاج، أثبت بحجم الزيادة التي أعلنها أنه كان يقصد الحرب – حرب أسعار النفط ضد روسيا. أعلنت الرياض، ابتداء من نيسان (إبريل)، أنها ستُصدّر 12.3 مليون برميل يومياً إلى السوق، وهي أعلى كمية لها على الإطلاق وزيادة قدرها أكثر من 2.5 مليوني برميل يومياً عن مستواها الحالي. وهذا الرقم يتجاوز الطاقة الإنتاجية السعودية، مما يعني أن المملكة ستأخذ من احتياطاتها لخفض أسعار النفط بشكل مُصطَنع.

ومن المفارقات، أن الانخفاض الكبير في الأسعار يُمثل ضربة قوية لمنتجي النفط الصخري الأميركي، الذين قد يتجاوز سعر إنتاجهم المستوى الذي يُمكنهم بَيع نفطهم، مما يساعد بوتين عن غير قصد على تحقيق الهدف الذي سعى إليه عندما رفض المضي قدماً مع خطة السعودية الأصلية.

كان رد فعل موسكو الأوّلي على بن سلمان بمثابة تبجح. قال وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك إن روسيا قد تزيد إنتاجها بمقدار نصف مليون برميل يومياً.

من المقرر أن يُنفذ قرار ارتفاع النفط السعودي بعد حوالي أسبوعين، وستستمر المناورة بلا شك حتى ذلك الحين. ولكن مثل جميع الحروب، يُمكن أن يترك هذا خسائر بشرية على الجانبين، بالإضافة إلى أضرار جانبية هائلة، كما أظهر انهيار سوق الأسهم في الأسبوع الفائت.

بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية – وإلى بن سلمان – هذه خطوة عالية المخاطر. لقد أظهر ولي العهد أنه لا يخشى المخاطر أو الرأي العام، ولكن أسلوبه في صنع القرار يُمكن أن يترك درباً من الدمار. هذه ليست رسالة مُفيدة لإرسالها إلى المستثمرين والقادة العالميين عندما تحاول إقناعهم بالقيام باستثمارات ضخمة في بلدك. في النهاية، ربما أكثر من حرب اليمن أو مقتل خاشقجي، إن إغراق السوق بالنفط بتكلفة باهظة للسعودية يمكن أن يُعطّل خطة ولي العهد لتنويع الاقتصاد السعودي وإبعاده عن النفط، وهو تضاؤل ​​سريع للمورد.

وبفضل مناورته، تسبّب ولي العهد أيضاً في مشاكل للرئيس دونالد ترامب في عام الانتخابات. حاول ترامب، الذي دافع عن بن سلمان في أعقاب مقتل خاشقجي، في البداية رسم صورة جيدة لانخفاض أسعار النفط واعتبره من الأخبار السارة للمستهلكين، مع “انخفاض أسعار البنزين!”. لكن سوق الأسهم أصيبت بصدمة وانخفاض كبير، حيث أدركت أن ذلك يُمكن أن يؤثر في شركات النفط الأميركية ومنتجي النفط الصخري، وبعضهم في ولايات تُعتبَر ساحة مهمة في المعركة الانتخابية، لذا سرعان ما غيّر ترامب حساباته.

يُمثّل انخفاض الأسعار إشكالية لكل منتج للنفط في جميع أنحاء العالم تقريباً. مع أسعار النفط التي تقل عن 40 دولاراً للبرميل، فإن الموازنات الوطنية في خطر، خصوصاً في الدول المُسرفة المعتادة على تدفقات النقد. تحتاج السعودية إلى أسعار نفط لا تقل عن 80 دولاراً للبرميل لتغطية نفقاتها المالية. لديها، بالطبع، إحتياطات نقدية كبيرة لمواجهة أي صعوبات. ولكن هل يستحق الأمر إثارة أزمة كهذه والتي ستؤثر سلباً أيضاً في المملكة؟

إن احتياطات روسيا النقدية ليست ضخمة مثل احتياطات المملكة العربية السعودية، لكن الإقتصاد الروسي أقل اعتماداً على النفط من المملكة. بالنسبة إلى جيران السعوديين الذين يعتمدون على عائدات النفط، هذه أخبار رهيبة وغير سارة مطلقاً- خصوصاً بالنسبة إلى العراق، حيث لا تزال هناك احتجاجات مستمرة تُمثل أزمة اجتماعية سياسية كبيرة.

من خلال مواجهة بن سلمان عالية المخاطر، من الممكن أن تعيد موسكو النظر في قرارها بالتراجع عن خفض إنتاج النفط وأن يصل ولي العهد في النهاية إلى ما يريده. ووفقاً لرويترز، ربما كمقدمة، ستجري وزارة الطاقة الروسية محادثات مع شركات النفط الروسية “لمناقشة التعاون المستقبلي مع أوبك”.

لقد أظهر الملك السعودي المستقبلي مرة أخرى أنه لن يتوقف عند أي شيء لتحقيق أهدافه، وقد لاحظ بقية العالم ذلك. ولكن لا يعتقد الجميع أن هذه سمة مرغوبة لدى قائد عالمي طموح.

  • فريدا غيتيس كاتبة عمود في الشؤون العالمية. وهي منتجة ومراسلة سابقة لشبكة “سي أن أن” (CNN). يُمكن متابعتها على تويتر: @fridaghitis.
  • كُتب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى