الانتخاباتُ الصُورِيَّة في إيران تَبعثُ برسالةٍ إلى النظام

الخبر السار في الإنتخابات الإيرانية الأخيرة هو أن مقاطعة المعارضة الناجحة، جنبًا إلى جنب مع اللامبالاة والإحباط تجاه النظام، تمكنت من إظهار استياء الرأي العام الإيراني. الخبر السيئ هو أن الاحتجاج الصامت، رُغمَ قوّته، من غير المرجح أن يكون له أيُّ تأثير.

إقبال الإيرانيين على الإنتخابات سجّل أدنى نسبة منذ ثورة 1979.

فريدا غيتيس*

كما لاحظَ كثيرون، ستُتاحُ الفُرصةُ لعدد أكبر من الناخبين حول العالم أكثر من أي وقت مضى في التاريخ للإدلاء بأصواتهم في العام 2024. لكنّ العديدَ من الانتخابات التي ستُجرى هذا العام ليس أكثر من مُجَّردِ تمثيليات، شكّلتها الأنظمة الاستبدادية في محاولةٍ لتلميعِ حُكمها تزويرًا بمعطفٍ من الشرعية الديموقراطية. إحدى تلك الدول غير الديموقراطية أجرت للتو انتخاباتها الزائفة: إيران.

في الأوّل من آذار (مارس)، قامت الجمهورية الإسلامية مرة أخرى بتلك الممارسة الغريبة التي اعتادت عليها منذ ثورة 1979، والتي تضمّنت في الماضي ما يكفي من عناصر الديموقراطية لتُضيفَ في بعضِ الأحيانِ بعضَ التشويق ــوحتى بعض المفاجآتــ إلى الثقل المُهَيمِن للحُكم الثيوقراطي. هذا العام كان مُختَلفًا.

في هذا العام، كانت الممارسة خالية تمامًا من الشرعية الديموقراطية. وكما كان متوقَّعًا، لم تكن الانتخابات حرّة ولا نزيهة.

ومع ذلك، فإنَّ العملية والحدث والنتائج لم تكن بلا معنى على الإطلاق.

على عكس ما كانت تأمله السلطات في طهران وما زعمته بعد فرز الأصوات، تمكّنَ الإيرانيون من إسماع أصواتهم، رافضين الوضع الراهن بصوتٍ عالٍ.

في أعقاب الانتفاضة النسائية الدراماتيكية في العام الفائت، والتي اندلعت بعد وفاة مهسة أمين أثناء احتجازها لدى الشرطة -وهي الشابة التي اعتقلتها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي اعتبرت أن حجابها لم يكن يُغَطّي رأسها بشكلٍ كافٍ- والقمع المكثّف في أعقاب ذلك، أطلقت المعارضة محاولاتٍ لمُقاطعة الانتخابات.

من المؤكّد أنه عندما فُتِحَت صناديق الاقتراع أمام الناخبين لانتخابِ أعضاءِ البرلمان ومجلس الخبراء، الذي سيختار في نهاية المطاف خليفة المرشد الأعلى علي خامنئي، لم يحضر سوى عددٍ قليل من الإيرانيين.

كانت المقاطعةُ ناجحةً للغاية لدرجةٍ أنَّ السلطات مدّدت ساعات التصويت مرارًا وتكرارًا. وعندما انتهت الانتخابات أخيرًا، زعمت الأرقام الرسمية أن 41% من الناخبين المؤهّلين شاركوا في الانتخابات، ما يجعلها أدنى نسبة إقبال منذ الثورة.

ورُغمَ انخفاضِ هذه الأرقام، إلّا أن الكثيرين شككوا فيها، وأشاروا إلى أن نسبة المشاركة الحقيقية كانت أقل بكثير. وبالإضافة إلى المشاركة الضئيلة، فإنَّ حوالي 5% من الأصوات التي تمَّ الإدلاءُ بها كانت إمّا فارغة أو ملغاة، وفقًا للمسؤولين، وهو دليلٌ آخرٌ على تآكل الدعم الشعبي للنظام. وقال بعض التقارير إنَّ بطاقات الاقتراع الباطلة تُمثّلُ ما يقرب من ثلث جميع الأصوات التي تمَّ الإدلاء بها.

وقد لجأ الرئيس إبراهيم رئيسي، المُتشدّد، إلى ما لا يمكن وصفه إلّا بالتلاعب بالعقول ، حيث أشار إلى “الإقبال الحماسي” من جانب الناخبين، والذي وصفه بأنه “ضربةٌ قاصمة” لمُعارِضي النظام. لكنَّ الأرقامَ التي أعلنتها الحكومة على مرِّ السنين تُظهِرُ تراجعًا مطردًا في نسبة الإقبال، حيث أصبح من الواضح بشكلٍ متزايد للناخبين أنَّ رغباتهم ليس لها وزنٌ يُذكَر. فمنذ العام 1970 حتى العام 2020 تقريبًا، ظلت نسبة المشاركة أعلى من 50%، ما أدّى في بعض الأحيان إلى تعزيز المُرشّحين المُعتدلين وفقًا للمعايير الإيرانية. لا أكثر.

وتأكد مجلس صيانة الدستور، وهو الهيئة الرقابية التي تتولى فحص المرشحين، من عدم وجود مثل هذا الاختيار هذه المرة بين 15 ألف مرشح يتنافسون على 290 مقعدًا برلمانيًا و144 مرشحًا يسعون إلى الحصول على مناصب في مجلس الخبراء المؤلّف من 88 عضوًا.

ولم يترك هذا المجلس أساسًا أيَّ مساحةٍ لأيِّ مرشّحٍ يسعى إلى تغيير المسار بشأن سياسة طهران الاجتماعية أو الدينية أو السياسية أو الخارجية. وذلك على الرُغم من أنَّ اقتصادَ البلاد يُعاني نتيجة سوء الإدارة والعقوبات الدولية والفساد. وعلى الرُغم من حقيقةِ أنَّ إيران أصبحت أيضًا منبوذة من قطاعاتٍ كبيرة من العالم بسبب دعمها لجماعاتٍ مثل “حزب الله” و”حماس” والحوثيين، وكُلُّها مُصَنَّفة كمنظماتٍ إرهابية من قبل العديد من الدول. من المستحيل معرفة ماذا كانت ستكون نتيجة الانتخابات لو كانت حرّة حقًا. لكن في ظلِّ هذه الظروف، يتوقع المرء أن تكون هناك دعوة كبيرة للتغيير. وتُوَضِّحُ احتجاجاتُ 2022 والقَمعُ الذي أعقبها ذلك تمامًا.

لكن بالنسبة إلى النظام الإيراني، فإنَّ إمكانية السماح حتى بتمثيل تلك الآراء، أو حتى المواقف الأكثر اعتدالًا إلى حدٍّ ما داخل مؤسسات الحكومة، كانت غير واردة.

وقد استبعدَ رجال الدين في مجلس صيانة الدستور آلاف المرشّحين المُحتملين، بمَن فيهم المرشحين البارزين الذين وافقوا عليهم في السنوات الأخيرة. وكان من بين أولئك الذين استُبعِدوا الرئيس السابق حسن روحاني، الذي أعطى انتخابه في العام 2013 الأمل للإيرانيين بأنهم قد يرون حرياتهم تتوسّع – وهو الأمل الذي تم إحباطه في نهاية المطاف. وكان روحاني قد سعى إلى الترشح للاحتفاظ بمقعده في مجلس الخبراء، وهو الهيئة التي ستلعب دورًا رئيسًا مع اقتراب حكم خامنئي الذي دام أكثر من ثلاثة عقود من نهايته الحتمية. ويُشاعُ منذ فترة طويلة أنَّ الرجل البالغ من العمر 85 عامًا مريض.

كما رفض مجلس صيانة الدستور وزير الاستخبارات السابق محمود علوي، ووزير الاستخبارات السابق حيدر مصلحي، ورئيس الاستخبارات السابق في الحرس الثوري الإسلامي حسين طيب.

وأعلن رئيس سابق آخر، وهو محمد خاتمي، وهو أيضًا إصلاحي، أنه لن يصوت، واصفًا الانتخابات بأنها “أبعد ما تكون عن الحرية”.

إذا كانَ نجاحُ مقاطعة الانتخابات يُقدّمُ عزاءً لأولئك الذين ما زالوا يأملون في التغيير في إيران وسط القمع المتزايد وتقارب النظام المتزايد من روسيا والجماعات الإرهابية المختلفة، فإنَّ هذا العزاء يجب أن يُخفّفَ من حقيقة نتيجة الانتخابات: إيران لا تزال في أيدي المتشددين الذين يسيطرون بشكلٍ مُطلَق على الحكومة.

لا شكَّ أنَّ برلمان الجمهورية الإسلامية ليس هيئة تشريعية وفقًا للمعايير الديموقراطية الطبيعية. ويخضعُ أيُّ إجراءٍ تشريعي للمراجعة من قبل مجلس صيانة الدستور المؤلف من 12 عضوًا. وفي العام الماضي، شدّدَ العقوبات على انتهاك النساء لقواعد اللباس. وسعت مبادراتٌ أخرى إلى تبنّي مواقف أكثر تطرّفًا بشأنِ مجموعةٍ متنوِّعة من القضايا.

وهذا لا يعني أنَّ انتخاباتَ هذا العام كانت غير تنافسية على الإطلاق. كانت هناك منافسة بين الفصائل المتشددة المُتنافسة.

ففي محافظة طهران، على سبيل المثال، حيث كانت نسبة المشاركة الرسمية ضعيفة للغاية، حيث بلغت 24% – بما في ذلك حوالي 400 ألف بطاقة اقتراع باطلة وفارغة، تم إفساد العديد منها عمدًا – واجه مرشحو النظام منافسة قوية من المحافظين المتشدّدين الآخرين.

وكان مرشحو النظام في “مجلس تحالف قوى الثورة الإسلامية” أو اختصارًا “شانا”، يتقدمهم القائد السابق للحرس الثوري الإيراني ورئيس البرلمان محمد باقر خليفة. واجه “شانا” تحديًا من قبل مجموعةٍ من المُتشدّدين في العاصمة، ومن بينهم مانوشير متكي، الذي شغل منصب وزير الخارجية في عهد الرئيس السابق المثير للجدل محمود أحمدي نجاد، المشهور بدعواته لمحو إسرائيل “من الخريطة”؛ ومجموعة أخرى تابعة لعلي أكبر رايفيبور، وهو من أصحاب نظرية المؤامرة المعادية للسامية، بالإضافة إلى شخصيات أخرى تتبنى وجهة نظر أكثر صرامة حول دور الدين في السياسة والمجتمع.

والخبر السار هو أنَّ مقاطعة المعارضة الناجحة للإنتخابات، جنبًا إلى جنب مع اللامبالاة والإحباط تجاه النظام، تمكّنت من إظهار استياءِ الرأي العام الإيراني. الخبر السيئ هو أنَّ الاحتجاج الصامت، رُغمَ قوته، من غير المرجّح أن يكونَ لهُ أيُّ تأثير.

  • فريدا غيتيس هي كاتبة في الشؤون العالمية وصحافية تساهم بشكل منتظم في “سي أن أن” وواشنطن بوست. يمكن متابعتها عبر تويتر على: @fridaghitis.
  • كُتِبَ المقال بالإنكليزية وترجمه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى