إشعاراتُ الإنتربول الحمراء لرياض سلامة تَقضُّ مَضَاجِعَ السياسيين اللبنانيين

مايكل يونغ*

يُواجِهُ حاكمُ مصرف لبنان المركزي رياض سلامة الانتقادات منذ الانهيار المالي للبلاد في العام 2019. ومع ذلك، دافعت الطبقة السياسية عنه بشكلٍ مَنهجي، لعلمها أنه يعرفُ كلَّ أسرارها المالية. لكن في الأسابيع الأخيرة، أخذ وضعه منحًى نحو الأسوَإِ، حيث وجه المُدَّعون العامون في فرنسا وألمانيا الاتهام إليه، وطلبوا من الإنتربول إصدار ما يسمى بـ”الإشعارات الحمراء” لاعتقاله.

تنتهي ولاية سلامة في تموز (يوليو)، وقد أعلن أصلًا أنه لن يسعى إلى التجديد. ونظرًا إلى مشاكله القانونية المتزايدة –حيثُ اتُّهِمَ بارتكابِ جرائم مختلفة، بما فيها الاختلاس وغسيل الأموال– لا يبدو أن هذا يُمثّلُ تنازلًا كبيرًا من جانبه، حتى لو كان في أعماقه يُدرِكُ أنه بمجرّد تركه المنصب، فإن السياسيين الذين غطّوه هم أقل احتمالًا للقيام بحمايته.

في الواقع، كان ردُّ فعلِ القضاء اللبناني على الاتهام الفرنسي لسلامة كاشفًا. في 24 أيار (مايو)، قام القاضي عماد قبلان، المُقرَّب من بعض أقوى الداعمين السياسيين لسلامة، بحجز جوازَي سفر الحاكم اللبناني والفرنسي، ما منعه من السفر إلى فرنسا لمواجهة الملاحقة القضائية. كما طلب قبلان من السلطات الفرنسية إرسال ملفها الخاص بسلامة إليه، على الأرجح لمحاكمته في لبنان.

كان لهذه الخطوة تأثيران – أحدهما واضح، والآخر أقل تأثيرًا. من خلال منع سلامة من مغادرة لبنان، فإن هذه الخطوة تحميه بشكلٍ فعّال من الملاحقة القضائية الأجنبية. كان هذا الجُزء واضحًا. ومع ذلك، في ضوء تصريحات سلامة لقناتَي “الحدث” و”العربية” في أيار (مايو) بأن السلطات القضائية كانت تستهدفه “لأنها كانت تخشى استهداف السياسيين”، فقد كانت أيضًا وسيلةً للطبقة السياسية لإبقائه تحت إبهامهم. فهم قلقون من أن سلامة قد يحاول إبرام صفقة مع قضاةٍ أجانب على حسابهم.

يجب أن يُمثّلَ مأزق سلامة نوعًا من الصدمة للسياسيين الفاسدين في لبنان، الذين يرون لأول مرة دولًا أجنبية أو سلطاتٍ قضائية تُراقِبُ حساباتهم في الخارج برَيبةٍ كبيرة. في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، أدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأميركية جبران باسيل، رئيس “التيار الوطني الحر”، على لائحة العقوبات “لدوره في الفساد في لبنان”، بموجب ما يسمى بقانون ماغنيتسكي العالمي. وكان هذا أول تصنيف بموجب هذا القانون يستهدف مسؤولًا في لبنان.

في حين أن باسيل رأى في هذه الخطوة أنها سياسية، تتعلق بعلاقاته مع “حزب الله”، فإن الحقيقة هي أنه كان من الممكن أن يُعاقَبَ بموجب تشريعٍ منفصل لهذه العقوبات. إن كونه عوقب بموجب قانون ماغنتسكي يعني ضمنًا أنه قد تم إجراء تحقيق بحقه من قبل الأميركيين، وأنهم جمعوا ملفَّ فساد قويًا عليه لتبرير مثل هذا الإجراء.

هناك أنواعٌ مختلفة من الأسلحة يمكن للسلطات القضائية الأجنبية استخدامها ضد الطبقة السياسية اللبنانية وحلفائها في المجتمع المالي. يمكنها اللعب بوضع أعضائها ضد بعضهم البعض، لشيءٍ واحد. في نيسان (أبريل)، وجهت السلطات الفرنسية لائحة اتهام بحق المصرفي اللبناني والوزير السابق مروان خير الدين واستجوبته بشأن رياض سلامة وشقيقه رجا. تم الإفراج عنه لاحقًا، وسط شكوكٍ انتشرت في لبنان بأنه قدّمَ للنيابة العامة الفرنسية معلوماتٍ عن آل سلامة.

والذي يقلق السياسيين في لبنان أكثر من غيرهم حاليًا، هو أنه بمجرّد كسر “الأوميرتا” – أو جدار الصمت لدى المافيا- بشأن شؤونهم المالية، ولا سيما من قبل المُدَّعين العامين الأجانب الذين لا سيطرة لهم عليهم، فإنهم سيفقدون الكثير من دعمهم بين اللبنانيين. بالنظر إلى حقيقة أن الكثير من السكان قد رؤوا البنوك تفرض بشكل غير قانوني قيودًا صارمة على حساباتهم ومعاملاتهم منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2019، بينما استمر أهل السياسة والمرتبطون بهم في تحويل مبالغ ضخمة من الأموال إلى الخارج، فإن هذه المخاوف مفهومة تمامًا.

كانت هناك علامة واضحة على احتمال استياء السكان قبل الانهيار المالي، في تشرين الأول (أكتوبر) 2019، عندما انتفضَ اللبنانيون ضد الطبقة السياسية. في مدينة صور الجنوبية، هاجم شبّانٌ بسرعة وأحرقوا ناديًا على الشاطئ مرتبط برئيس مجلس النواب نبيه بري وزوجته السابقة. لا يمكن استبعاد ردود الفعل هذه مرة أخرى لأن اللبنانيين الفقراء يهاجمون مَن يرون أنهم قادة فاسدون للغاية.

لعبت القضايا القانونية في الولايات القضائية الأجنبية أيضًا دورًا في تحدّي قيود البنوك غير القانونية تمامًا لمراقبة رأس المال على حسابات عملائها. لم يبرر أيُّ قانونٍ سلوك البنوك قانونيًا، لأن السياسيين لا يريدون فرض قيود على رأس المال تمنعهم من نقل الأموال إلى خارج لبنان. ومع ذلك، فإن ما يعنيه هذا هو أن البنوك على أرضية قانونية هشّة في فرض قيودٍ خاصة بها، وهذا هو السبب في أن العملاء يكسبون مرارًا وتكرارًا قضايا في المحكمة لاسترداد أموالهم.

بالنسبة إلى الطبقة السياسية والمصارف التي طالما كانت تُناور في بيئة مالية لبنانية رمادية من الناحية القانونية، فإن حقيقةَ أنها لا تستطيع التنبّؤ بكيفية تصرّف السلطات القضائية، خصوصًا في أوروبا والولايات المتحدة، تشكّل أمرًا يُثير القلق. هذا لا يعني أن الفساد على وشك الانتهاء، أو أن السياسيين لن يجدوا أماكن بديلة لوضع وحماية مكاسبهم غير المشروعة.

ولكن ما يعنيه ذلك هو أن السلطات القضائية الغربية ربما يكون لديها حق الوصول إلى قدر كبير من المعلومات المالية عن النخبة السياسية والمالية في لبنان، كما تُظهِرُ محن رياض سلامة (يتم التحقيق معه في خمس دول أوروبية على الأقل). يمكن أن يُترجَم ذلك إلى قدر كبير من النفوذ إذا قررت الدول الخارجية رفع درجة الحرارة أو عندما تقرر ذلك.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى