إنّهم يُصادِرون هويّةَ الوطن
بقلم راشد فايد*
يلجأ عادل إمام، في أحد أفلامه، الى فتوّة مفتول العضلات ويمنحه مبلغاً من المال، مقابل ادعاء هزيمته امام صبيّة يهتم بها الأول، لكنها لا تُعيره أي اهتمام.
يخطر هذا المشهد في البال حين تبرز المشادة السياسية في لبنان بين “حمورابي بعبدا”، ورئيس الحكومة المُكلّف: فالأول، مستمر في حملته لتحريف الدستور برفع يافطة أن رئيس الجمهورية “ليس صندوق بريد”، مع ما تنطوي عليه الجملة من نبشٍ للمشاعر الطائفية بعنوان “حقوق المسيحيين”، ويرد الثاني بان رئيس الوزراء “ليس مكسر عصا”، فيُحرّك “كرامة المسلمين”، وفي الوقت نفسه، ينقلب على الثاني حلفاؤه الآخرون في تحديد مواصفات الحكومة المُنتَظَرة وعدد الوزراء، ونوعيتهم. فيبدو مُضطَّهَداً من جانب من أتوا به الى باب السراي الحكومية، ويمنحه ذلك فرصة للتبرؤ من التبعية لـ “التيار الوطني الحر” والثنائي الشيعي، مُبرّراً استمراره في مهمته بـ “تحسّسه بالمسؤولية الوطنية”. فهل في ذلك شيء من مشهد عادل امام أم هو خلافٌ فعلي؟
في الحالين لا يُبشّر المشهد بقرب ولادة الحكومة، فالرئيس نبيه بري لا يقبل بوضع يد جبران باسيل على الثلث المعطل، وهو منذ التكليف لم يرغب، أصلاً، في المشاركة في حكومة حسان دياب، الذي يعرف الجميع أن النائب الحالي، المدير العام السابق للأمن العام، جميل السيد هو من أتى به، وقد تُشكّل عودة الرئيس سعد الحريري، وتفعيل دور الحكومة المُستقيلة وسيلة ضغط لتحريك الوضع الداخلي، في وجه الجمود، ربما وصولاً الى إعادة اختياره، من جانب النواب، ليخلف نفسه. لكن لديه لذلك شروطاً أساسها إطلاق يده في التشكيل ومنح الحكومة صلاحيات واسعة لاختيار المخرج من الأزمة الراهنة، بكل وجوهها.
لكن بعد شهر على التكليف ونحو 3 أشهر على استقالة الحكومة، وأكثر منها على الإنتفاضة الشعبية، لا شيء يؤشر الى وعي الطبقة السياسية بضخامة الأزمة، وضرورة العجلة في إيجاد الحلول، فيما ينشغل “حزب الله” بنشر صور قاسم سليماني على طريق مطار رفيق الحريري الدولي، ويعتب خصومه على ذلك، كأنهم لم يلمحوا قبلاً صوراً أُخرى لقادة إيرانيين توالت على أعمدة الإنارة على هذه الطريق، منذ “اليوم المجيد” حين استقوى “الحزب إيّاه”، على الداخل اللبناني، وفرض صور أمينه العام، السيد حسن نصرالله، وصور “المُمانعين” المحلّيين، وصور قائدهم الإيراني التاريخي الإمام الخميني، ومن بعده خليفته آية الله علي خامنئي، بسبب استقواء ناشرها بالسلاح حيثما يُمكن تسمية القاطنين بـ”البيئة الحاضنة”، وأحياناً خارج هَيلمتها، واستعداده، إذا لزم الأمر، لـ 7 أيار جديد في أي منطقة من لبنان. فالصور العملاقة تستكمل رهبة السلاح وهيمنة الدويلة على الدولة، وإخراج الوطن من هويته التعددية الفاعلة، وانتمائه العربي، وسلطة الديموقراطية فيه.
واليوم يعود البعض الى نغمة “حكومة الوحدة الوطنية”، أي تكرار التجارب السابقة تحت خيمة “الحزب ومشاركيه”، أي عملياً استعادة الجمود، وتسريع تدهور الأزمة.
- راشد فايد كاتب، صحافي، مُحلل سياسي لبناني وكاتب رأي في صحيفة “النهار” اللبنانية. يُمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: fayed@annahar.com.lb
- يُنشر هذا المقال في الوقت نفسه في صحيفة “النهار” اللبنانية.