واجِباتُ الوَطن وواجِباتٌ المُواطن: رعايةٌ من المَهدِ إلى اللّحدِ؟

عرفان نظام الدين*

في ظل الفوضى القائمة في الدول العربية حول الواجبات والحقوق والمسؤوليات والعلاقة بين الوطن والمواطن، والحاكم والمحكوم، لا بدّ من وضعِ النقاطِ على الحروف، وشرحِ أمثلةٍ عن هذه القضية من خلال اسلوب التعامل في العالم، وأخصّ بالذكر بريطانيا لأنني أقمتُ فيها، وما زلت، أكتر من ٤٠ عاماً، والتي أقدّم منها الأمثلة التالية عن تقديمات الدولة:

  • التأمين الصحي الإلزامي والمجّاني للجميع من دون أيّ استثناء من طبابة وفحوص وعناية وعمليات جراحية وصولاً إلى الدواء المجاني.
  • التأمين الإجتماعي (الضمان) إلزامي، ومن تقديمات للعاطلين من العمل (راتب أسبوعي) إلى تعويضات التقاعد لكل من يبلغ الخامسة والستين للمرأة والرجل. فالدولة تؤمّن الراتب للمواطن المُقيم أو المُسافر وتُرسله مُباشرة إلى حسابه المصرفي.
  • من حقّ كل مواطن الحصول على منزلٍ مجّاني، لا فرق بين المرأة والرجل، في حال عدم قدرته (أو عدم قدرتها) على تأمين مسكن أو عدم قدرته (أو عدم قدرتها)على الشراء أو دفع الإيجار.
  • تُقدَّم لكلِّ مَن بلغ الستين بطاقة تخوّله استخدام المواصلات مجاناً وفي أي وقت، كما تخوّله استخدام القطارات ودخول المسارح ودور السينما بنصف قيمة التذكرة.
  • عندما يُولد الطفل يُخصَّص له راتب أسبوعي (نحو 15 جنيهاً إسترلينياً) يُعطى للأم فقط… حتى يبلغ السادسة عشرة من عمره، كما يتنقل في المواصلات مجاناً. وتُؤمَّن للأم ولادة مجانية، ثم يُقدَّم مبلغٌ لشراء الحليب ولوازم الطفل، وبدل أمومة وإجازة لأشهر، كما جرى أخيراً منح الأب إجازة أبوّة لمدة أسبوع، إضافة إلى زيارات دورية للقابلة لمساعدة الأم لبضعة أشهر.
  • التعليم في المدارس مجاني، ويُقدَّم للتلميذ غذاءٌ صحّي مجاني. أما التعليم الجامعي، فلقاء أقساط زهيدة مع إمكان الحصول على إعانات وفق ظروف الطالب.
  • توفير مكاتب خاصة لتأمين فرص العمل للعاطلين، وضمان المساواة في هذا المجال.
  • تأمين الرعاية التامة للمعاقين مع تخصيص وسائل نقل ومواقف خاصة لهم، وخدمات إضافية للمُسنّين من رعاية ومواصلات مجانية وخدمات من جانب أخصائيين اجتماعيين ونفسيين، وفق الحاجة.

وبعد، هذا غيضٌ من فيض التقديمات التي قد لا يُصدّق بعضهم أنها حقيقية، بل وصل الأمر إلى تقديم 200 جنيه استرليني للمُسنّين في كانون الأول (ديسمبر) للتدفئة ومواجهة موجة البرد، إضافة إلى 10 جنيهات كهدية لعشاء عيد الميلاد. وأضيف عليها قصة طريفة ومؤثّرة قد تثير الحسد والعجب عند كل عربي، فعندما يتوفى أحد أفراد العائلة تُقدّم له الدولة مبلغ 2000 جنيه كمنحة لتغطية لوازم الدفن والجنازة والتعازي!

صدّقوا أو لا تُصدّقوا… فهذه هي الحقيقة، وهذا ما يجب أن يكون دور الدولة ومسؤولية الحكام وبعض واجباتهم تجاه مواطنيهم. وهذا ليس منّة أو مكرمة من أحد، بل واجب وطني وحقّ شرعي للمواطن لقاء ولائه لوطنه ومشاركته في الدفاع عنه وتقديم كل ما يُطلب منه. ويبقى السؤال: أين العرب من كل ذلك… ومن الحقوق والواجبات؟ وأين الربيع… والخريف والشعارات الزائفة؟ بل أين نحن من الوطنية والمواطنة والحاضر والمستقبل والأمن والأمان.

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي مُقيم في لندن. كان رئيساً لتحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى