ماذا يجري في الكويت؟

على وقع ما يجري في لبنان والعراق قامت تظاهرات شعبية في الكويت ضد الفساد المستشري  الأمر الذي أدّى إلى إستقالة الحكومة. وهذه الأزمة الدورية في الكويت هي في الواقع علامة على أن النظام السياسي يكرر نفسه وأخطاءه، من دون تغيير يُذكر.

 

الشيخ صباح الخالد الصباح: أمامه مهمة صعبة لإرضاء الكويتيين الغاضبين من السلطة والفساد.

 

بقلم بدر السيف

كان الشهر الفائت في الكويت حافلاً بالأحداث منذ افتتاح الجلسة البرلمانية الجديدة في 29 تشرين الأول (أكتوبر). خلال تلك الفترة، أظهر عدد من التطورات كيف يتأثر البلد بشكل مُتكرّر بنمط دوري من الأزمات. غالباً ما تبدو هذه الأزمات مغيّرة للعبة، ولكنها في الحقيقة تُكرّر النظام عينه والأخطاء نفسها فحسب، وتُخبرنا بالكثير عما وراء المأزق الطويل في البلاد.

شملت الجولة الأخيرة من الأحداث الإحتجاجات، والمكيدة المتصاعدة بين أفراد أسرة آل الصباح الحاكمة، وفضيحة فساد، وشدّ إعلامي ل”الحرب”، ووزراء استجوبهم البرلمان، وخطابان للأمير وإقالته لكبار الوزراء (بمَن فيهم نجله). كما تضمنت استقالة الحكومة، ورفض رئيس الوزراء إعادة تعيينه، وتعيين رئيس وزراء جديد.

في تظاهرة 6 تشرين الثاني (نوفمبر)، استجاب مئات الأشخاص (بعضهم يدّعي الآلاف) لدعوة النائب السابق صالح المُلا للإحتجاج على الفساد. ومُستلهمين من الإحتجاجات المستمرة في لبنان والعراق وشعاراتها الجذابة، رفع المتظاهرون شعار “هذا يكفي”، الذي سرعان ما أصبح علامة تصنيف (هاشتاغ) شعبية. وطالبوا بإقالة الحكومة التي يرأسها جابر المبارك الصباح والبرلمان الذي يرأسه مرزوق الغانم. إن نجاح الإحتجاج، الذي يتضح من نسبة المشاركين الكبيرة في غضون مهلة قصيرة، يشير إلى استياء شريحة كبيرة من الكويتيين من حالة البلاد. كانت التظاهرة التي نُظّمت في ميدان الإرادة بمثابة تذكير صارخ باحتجاجات العام 2011 التي نُظمت في المكان عينه للإحتجاج على القضية ذاتها – الفساد. أدّى الإحتجاجان بشكل غير مباشر إلى إقالة رئيس وزراء من منصبه.

إن حقيقة أن المُنظّمين تمكّنوا من الحصول بسرعة على تصريح احتجاج تعكس البيئة السياسية الأكثر انفتاحاً في الكويت مقارنة بجيرانها. ولأن الكويتيين كانوا يعترضون علناً فقد سمح ذلك لأعضاء البرلمان المُنتَخبين ببناء قضيتهم. فقد استدعى مجلس الأمة ثلاثة وزراء لاستجوابهم. كان الأول وزير المالية السابق نايف الهاجر الحجرف الذي استقال في أوائل تشرين الثاني (نوفمبر) قبل ظهوره المقرر. وفي إجراء لحفظ ماء الوجه، رشحت الحكومة الحجرف، الذي يرتبط برئيس الوزراء، ليكون الأمين العام المقبل لمجلس التعاون الخليجي.

أما الثانية، فكانت وزيرة الأشغال العامة السابقة الإصلاحية ووزيرة الدولة لشؤون الإسكان، جنان بوشهري، التي واجهت ساعات من الإستجواب في 12 تشرين الثاني (نوفمبر). وعلى الرغم من دفاعها الحماسي عن سجلّها، فقد واجهت تصويتاً بحجب الثقة واستقالت على الفور.

أما الثالث فكان نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية السابق خالد الجراح الصباح، وهو أيضاً حليف لرئيس الحكومة، الذي لم يستطع إقناع البرلمانيين كذلك. وانتهى استجوابه باقتراح آخر بحجب الثقة الذي من شأنه أن يؤدي بعد ذلك إلى التصويت لإقالته أو بقائه في منصبه. كان من شأن هذا التصويت رمزياً أن يقوّض الأسرة الحاكمة، التي ينتمي إليها الجراح، حتى لو كان عضواً من فرع صغير من العائلة. وبسبب مواجهتها مع البرلمان وضعف وضعها، فضّلت حكومة جابر المبارك الإستقالة في 14 تشرين الثاني (نوفمبر) قبل إجراء تصويت بحجب الثقة. كان السبب المذكور هو الحاجة إلى “إعادة تنظيم [عملها]”.

مع ذلك، لم يكن رئيس الوزراء يتوقع أن يتم تحدّيه من الداخل بالنسبة إلى أسباب استقالة الحكومة. فقد وصف ناصر صباح الأحمد، الابن الأكبر للأمير والنائب الأول لرئيس الوزراء ووزير الدفاع، أسباباً أخرى للإستقالة. وقال إن السبب يعود إلى عدم قدرة الحكومة على محاربة الفساد والإجابة عن أسئلته حول أين ذهبت الأموال التي حُوّلت إلى وزارة الدفاع والتي تعادل 790 مليون دولار. وقد حدث الاختفاء في عهد سلفه الجراح كوزير للدفاع.

أصبح استخدام وسائل الإعلام لتسجيل نقاط ضد بعضهم البعض أمراً عادياً جديداً بالنسبة إلى الوزراء المُنتمين إلى الأسرة الحاكمة، خصوصاً منذ فصل مَوقِعَي ولي العهد ورئيس الوزراء في العام 2003. في العام 2011، على سبيل المثال، تصاعد الخلاف بين عضوين كبيرين في الحكومة – رئيس الوزراء آنذاك ناصر محمد الصباح ونائب رئيس الوزراء آنذاك أحمد الفهد الصباح – مما أدى إلى اتهامات متبادلة بالفساد. الديناميات عينها تتكشف راهناً مرة أخرى، ولكن مع أبطال مختلفين.

أثارت تصريحات ناصر صباح الأحمد، والوثائق المُسرَّبة، والإعلان النهائي عن القضية رداً من الجراح، الذي برّأ نفسه من ارتكاب أي مخالفات وأشار بإصبعه إلى طموحات ناصر صباح الأحمد السياسية كسبب وراء ملاحظاته. لم تؤثر هذه الحرب الإعلامية المفتوحة على الجراح فحسب، بل ورّطت بشكل غير مباشر وزراء دفاع سابقين آخرين، مثل جابر المبارك الصباح، الذي شغل هذا المنصب من 2001 إلى 2011.

من جهته اتخذ أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، عدداً من الإجراءات لاستعادة النظام. فقد قَبِل الأمير، البالغ من العمر 90 عاماً، استقالة الحكومة سريعاً بعد يوم واحد وطلب من الحكومة المؤقتة مواصلة عملها حتى تشكيل حكومة جديدة. وقام باستثناء في 18 تشرين الثاني (نوفمبر) عندما قام بإقالة وزيري الأسرة الحاكمة اللذين صرّحا علانية عن شكاواهما – ابنه ناصر والجراح.

ثم ظهر الأمير على شاشة التلفزيون الوطني في اليوم عينه وأعلن أن “لا أحد، بغض النظر عن الوضع أو المنصب، سيهرب من العقوبة” بسبب اختلاس الأموال العامة. وأكد أنه سيتابع شخصياً مزاعم الفساد. قبل الخطاب، أعاد الأمير تعيين جابر المبارك الصباح رئيساً للوزراء. لكن الأخير أصدر على الفور خطاباً عاماً رفض فيه الترشيح، مشيراً إلى الحاجة إلى “إثبات براءتي … من الأكاذيب … التي تأتي للأسف من زميل وشقيق تعود علاقتي به إلى أكثر من 40 عاماً” ، إشارة غير مباشرة إلى تصريحات ناصر صباح الأحمد.

تمشّياً مع الأقدمية العُمرية بين أعضاء آل الصباح النشيطين علناً​​، إختار عندها الأمير أكبر وزير مُتبقّي من الأسرة الحاكمة، وزير الخارجية صباح الخالد الصباح، ليكون ثالث رئيس حكومة في عهده ورئيس الوزراء الكويتي الثامن منذ العام 1962. ومثلما دفعت مزاعم الفساد لعام 2011 الأمير بقبول استقالة رئيس الوزراء آنذاك ناصر المحمد وتعيين جابر المبارك، فإن مزاعم الفساد الأخيرة إتبعت السيناريو عينه.

عندما يُشكّل رئيس الوزراء الجديد صباح الخالد حكومته، من الأفضل خدمته من خلال مراعاة الطبيعة المتكررة لانتقال الكويت من أزمة مماثلة إلى أخرى. نظراً لانتشار عادة حكم الأقدمية في العمر غير الرسمية، فإن جميع الوزراء المُقبلين من الأسرة الحاكمة سيكونون في سن رئيس الوزراء أو أصغر – القاعدة لا تنطبق على الوزراء غير المنتمين لآل الصباح. في الواقع إن قبول المنصب الوزاري يُشكّل خطراً على أي آتٍ جديد في طبيعته غير مستعد للقتال، لأن السياسة الكويتية تتطلّب عزيمة جريئة.

إن تشكيل حكومة جديدة برئاسة رئيس وزراء جديد قد يُهدّئ المشهد السياسي بشكل مؤقت. ومع ذلك، فإنها لن تقوم، من تلقاء نفسها، بإلغاء الأزمات الدورية للكويت. ستكون معالجة الأسباب الجذرية لهذه الأزمات، فضلاً عن الفساد وعدم الكفاءة السائدة في البلاد، إلى جانب تقييم النظام السياسي الذي لم يتغير منذ نصف قرن والذي يحتاج إلى عملية تجميل، هي الخطوات الأولى نحو كسر السلسلة التي تولّد أزمات مماثلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى