الإكتتاب العام في أرامكو يُضاعف سيطرة محمد بن سلمان المالية والسياسية

يرى خبراء المال والإقتصاد بأن الإكتتاب في أسهم أرامكو سيُشكّل خطوةٌ نحو توسيع صندوق الإستثمارات العامة في المملكة العربية السعودية لتحويله موازنة موازية خاضعة لسيطرة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الأمر الذي سيزيد نفوذه ويضمن خطواته السياسية.

 

الأمير محمد بن سلمان: طموح كبير ولكن…

 

بقلم ستيفان رول*

يُعتَبَر طرحُ أسهم الشركة النفطية السعودية “أرامكو” المملوكة من الدولة للتداول في البورصة من المشاريع الأساسية لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في إطار ما يُعرَف بـ”رؤية المملكة 2030″. في حين يركّز النقاش العام على مسألة القيمة الحقيقية للشركة، ثمة تجاهل شبه تام لتأثيرات الإكتتاب المُحتَمَلة على الموازنة الوطنية السعودية. ويُعتبَر ذلك لافتاً جداً نظراً إلى أن شركة “أرامكو” هي مصدر الدخل الأهم في البلاد. فالعملاق النفطي يمتلك الحق الحصري لاستثمار إحتياطات النفط في البلاد وبيعها. وبحسب بيان الموازنة العامة للسنة المالية 2019، شكّلت العائدات النفطية للدولة السعودية التي بلغت نحو 180 مليار دولار أميركي في العام 2018، حوالى 68 في المئة من مجموع إيرادات الدولة.

حتى الآن، ساهمت أرامكو في موازنة الدولة في شكل جعالات وضرائب وحصص من الأرباح يجري تحويلها إلى الخزينة. في السابق، لم تكن آلية التحويل شفافة. ولكن في العام 2017، وفي إطار الإستعداد للاكتتاب العام، صدر مرسومٌ ملكي نصّ على إجراء خفوضات كبيرة في ضريبة الدخل المفروضة على أرامكو. نتيجةً لذلك، أصبحت حصص الأرباح التي يجري تحويلها إلى خزينة الدولة أكبر بكثير. ففي العام 2016، دفعت الشركة 3 مليارات دولار فقط للدولة، في حين وصل مجموع حصص الأرباح التي حُوِّلت إلى خزينة الدولة إلى 58 مليار دولار في العام 2018. ويُتوقَّع أن يُسجّل هذا المبلغ مزيداً من الإرتفاع. وفي سنة 2020، تنوي الشركة تسديد حصة قاعدية من الأرباح قدرها 75 مليار دولار. ولدى الجهات الخاصة المُستثمِرة ضمانات بأن حصة الأرباح لكل سهم لن تتراجع قبل سنة 2024.

هناك تأثيران إثنان لعملية الإكتتاب العام في المالية العامة. أولاً، يولّد بيع الأسهم إيرادات للدولة لمرة واحدة فقط. فالعائدات التي ستحقّقها عملية الإكتتاب العام سيجري تحويلها إلى صندوق الثروة السيادي السعودي أي صندوق الإستثمارات العامة الذي يترأسه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان نفسه. ثانياً، تخسر الدولة بصورة دائمة جزءاً من الأرباح التي كانت تحصل عليها من الشركة. فمن خلال بيع نسبة 1.5 في المئة من أسهم الشركة في الإكتتاب العام، سوف تذهب نسبة 1.5 في المئة من الأرباح بصورة دائمة إلى المساهمين الجدد (على سبيل المثال، إذا بلغ مجموع الأرباح 75 مليار دولار، يحصل المساهمون الجدد على 1.125 مليار دولار فقط). وهذه النسبة المئوية صغيرة جداً بالمقارنة مع الإيرادات الحكومية التي يُتوقَّع أن تصل إلى 222 مليار دولار في سنة 2020.

ولكن قد يصل التراجع في إيرادات الموازنة العامة من شركة “أرامكو” إلى مستوى أعلى بكثير في المستقبل إذا أقدمت الحكومة السعودية على بيع مزيد من أسهم أرامكو، أو أهم من ذلك، إذا طبّقت بنداً إضافياً من بنود “رؤية 2030”. فالإكتتاب العام هو واحدٌ فقط من خطوتَين أعلن عنهما بن سلمان في ما يتعلق بشركة “أرامكو”. وفي هذا الإطار، تقضي “رؤية 2030” بنقل ملكية “أرامكو” إلى صندوق الإستثمارات العامة الذي من شأنه أن يصبح، في هذه الحالة، “صندوق الثروة السيادي الأكبر في العالم”. ومن الواضح تماماً أن هذه الخطوة لا تزال مدرَجة على جدول الأعمال السياسي. ففي مطلع أيلول (سبتمبر) الفائت، عيّنت الحكومة محافظ صندوق الإستثمارات العامة، ياسر الرميان، رئيساً لمجلس إدارة أرامكو.

قد تترتب عن تغيير ملكية الشركة تداعيات كبيرة على توزيع أرباحها. حتى تاريخه، يسيطر المجلس الأعلى لأرامكو السعودية، برئاسة بن سلمان، على الشركة. وبن سلمان هو أيضاً ممثّل المساهم الوحيد في الشركة، أي حكومة المملكة العربية السعودية. ليس واضحاً إذا كان بن سلمان يمثّل رسمياً الدولة أو الملك، ولكن فعلياً لا أهمية لهذا الأمر في نظام ملكي مُطلَق كما في السعودية. وفي مختلف الأحوال، يبدو أن حصص الأرباح حُوِّلت مباشرةً إلى الخزينة (وزارة المالية). بعد انتقال الملكية، يجب أن تُدفَع الأرباح أولاً إلى صندوق الثروة السيادي، بدلاً من تحويلها تلقائياً إلى الموازنة العامة. من شأن ذلك أن يتسبب، في البداية، بخسائر كبيرة في إيرادات الخزينة. واستناداً إلى أرقام 2018، يمكن أن تخسر الموازنة ربع إيراداتها (بلغت الإيرادات العامة 239 مليار دولار، ومجموع الأرباح التي جرى تحويلها من شركة أرامكو 58 مليار دولار).

لا مؤشر حتى تاريخه بأن صندوق الإستثمارات العامة سيُحوّل عائداته إلى موازنة الدولة. على النقيض، صرّح وزير المال السعودي، محمد بن عبدالله الجدعان، أن السياسة الإسثمارية التي ينتهجها صندوق الإستثمارات العامة موجّهة نحو المدى المتوسط والمدى الطويل؛ ولذلك، لا يُتوقَّع تحقيق إيرادات قصيرة المدى للموازنة الحكومية. لقد حصل صندوق الإستثمارات العامة على تحويلات مالية كبيرة من الدولة، بما في ذلك أموال من المصرف المركزي. ربما تفوق قيمة أصوله اليوم 300 مليار دولار، ويمكن أن تصل، عند إضافة إيرادات الإكتتاب العام في شركة أرامكو، إلى 400 مليار دولار، وهو الهدف المُحدّد لسنة 2020. ولكن نقل ملكية أرامكو قد يُضيف بُعداً جديداً. فقد يصبح لصندوق الإستثمارات العامة مصدرٌ للإيرادات منتظم وقابل للتوقّع يستطيع استخدامه ليس في الاستثمارات العامة فحسب إنما أيضاً لتسديد التحويلات الحكومية أو تمويل الموازنات التابعة لوزارات بكاملها. ونتيجةً لذلك، قد يتحوّل صندوق الثروة السيادي إلى موازنة موازية بكل ما للكلمة من معنى.

قد يُقال إنها مجرد إعادة توزيع للأصول والتدفقات المالية داخل الدولة، وإن التأثير يبقى بالتالي محصوراً بالمسائل الحسابية. وسوف تقتصر الخسائر الدائمة على جزء صغير فقط من الحصص المقتطَعة من أرباح أرامكو. ومن شأن إيرادات الإكتتاب العام، التي يستطيع صندوق الإستثمارات العامة توظيفها بطريقة مُربحة، أن تُعوِّض عن هذا التراجع في حصص الأرباح. ويُمكن القول أيضاً بأن تحويل الجزء الأكبر من الأرباح إلى صندوق الاستثمارات العامة بدلاً من الموازنة العامة ليس بالأمر المهم، نظراً إلى أن الحكومة، وفعلياً العاهل السعودي، يسيطران على الإثنَين معاً. ولكن توسّع صندوق الإستثمارات العامة وتحوّله إلى موازنة موازية يطرح تحدّياً مُقلقاً جداً للإدارة المالية الفاعلة والمساءلة على المستوى الوطني.

في هذا السياق، يُشار إلى أن صندوق الثروة السيادي أقل شفافية من الموازنة العامة التي شهدت تحسّناً في هذا المجال في الأعوام الأخيرة. وهذا ما لاحظه أيضاً صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير عن البلدان حيث وصف ممارسات صندوق الثروة السيادي السعودي في مجال الكشف عن موجوداته بأنها “لا تزال محدودة”، حتى بالمقارنة مع صناديق ثروات سيادية أخرى. فضلاً عن ذلك، ومن خلال توسيع صندوق الإستثمارات العامة على حساب موازنة الدولة الحقيقية، تتعاظم الأزمة الراهنة على مستوى السياسات العامة. يدعم السلوك الإستثماري لصندوق الإستثمارات العامة المُقارَبة الهرمية المُعتمَدة في “رؤية 2030” على مستوى صنع السياسات، وهي مقاربة تلتف على مؤسسات الدولة الرسمية عبر الإعتماد بصورة أساسية على المُستشارين الخارجيين. وعليه، يجري تخطيط المشاريع الإستثمارية من خلال الإلتفاف على الآلية السياسية التي تستغرق وقتاً طويلاً ولكنها ضرورية. وتؤدّي هذه المُقارَبة المُختَزلة إلى تنفيذ مشاريع مدينية ضخمة على غرار مدينة نيوم التي تُطرَح على الأقل علامات استفهام بشأن فوائدها العامة.

ختاماً، من شأن توسّع صندوق الإستثمارات العامة وتحوّله إلى موازنة موازية، وهو ما سوف يُساهم الإكتتاب العام في أرامكو في تحفيزه، أن يعود قبل كل شيء بالفائدة على ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. فسوف يتمكّن من الوفاء بالوعود التي قطعها في إطار “رؤية 2030″ ويجعل الموازنة العامة أكثر شفافية وفقاً للمعايير الدولية. وفي الوقت نفسه، بإمكان ولي العهد أن يُعفي جزءاً كبيراً من الموارد المالية للدولة من هذه الإصلاحات ويُبقيه تحت سيطرته الشخصية. وهكذا، سوف يمتلك بن سلمان، من خلال هذا الوصول المباشر إلى جزء كبير من إيرادات الدولة، أداةً مهمة لترسيخ سلطته السياسية. وهكذا يمكنه أن يضمن الولاء من جانب مجموعات مهمة استراتيجياً، مثل المؤسسة الأمنية، وسوف تكون لهذا الولاء أهمية كبيرة إذا لم تتحقق الأهداف الإنمائية لـ”رؤية المملكة 2030”.

  • ستيفان رول باحث في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية (SWP) في برلين. لمتابعته عبر تويتر

@swp mea

  • هذا الموضوع عُرّب من الإنكليزية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى