تداعيات الحرب السورية تُهدّد أسس النظام الأردني سياسياً، إجتماعياً واقتصادياً

مع تراجع حدة القتال في سوريا وافتراب الحرب الأهلية من نهاياتها، كما يتوقع الخبراء، فإن المملكة الأردنية الهاشمية، التي استقبلت أكثر من مليون و400 ألف لاجئ سوري، تواجه تحديات سياسية واجتماعية واقتصادية وديموغرافية جراء هذه الحرب باتت تهدد البلاد بكارثة إذا لم تتبع عمّان نهجاً شاملاً جديداً للإنقاذ.

 

مخيم الزعتري: ثاني أكبر مخيم للاجئين في العالم

بقلم محمد بني سلامة وأيمن هياجنة*

أنتجت الحرب الأهلية السورية واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية وأطولها وأكثرها تعقيداً في القرن الحادي والعشرين. لقد فرّ أكثر من إثني عشر مليون شخص إلى الدول العربية والغربية منذ تموز (يونيو) 2011، بما في ذلك أكثر من 1.4 مليون إلى الأردن، أي ما يعادل 14 في المئة من السكان الأردنيين.

أدّى هذا التدفق إلى خلق مشاكل إجتماعية واقتصادية هائلة للمملكة الهاشمية، بما فيها زيادة الفقر والبطالة والعجز في الموازنة العامة والضغط على البنى التحتية الصحية والتعليمية. لقد كانت لهذه الهجرة آثارٌ سياسية وأمنية عميقة بعيدة المدى، لا سيما تآكل الهوية الوطنية الأردنية، وتراجع عملية إرساء الديموقراطية في البلاد، والكشف التدريجي عن نسيجها الإجتماعي بسبب تزايد العنف والتطرف والفساد.

كيف تعاملت السلطات الأردنية مع هذا التحدّي الهائل؟ وهل هناك ضوء في نهاية النفق الآن بعدما صارت الحرب الأهلية السورية تبدو قريبة من نهايتها؟

قضايا اللاجئين التاريخية

يقع الأردن في قلب الشرق الأوسط،  لذا فهو كان دائماً عرضة للهجرة خلال النزاعات الإقليمية ولديه خبرة طويلة في التعامل مع اللاجئين. في وقت مبكر من نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، إستقبلت الأراضي، التي ستُصبح لاحقاً الأردن، موجات من المهاجرين من الشيشان والشركس، هرباً من الإحتلال الروسي للقوقاز. وبعد تدمير الإمبراطورية العثمانية وفرض الإنتداب الفرنسي على سوريا، شهد الأردن الموجة الأولى من المهاجرين السوريين، بمَن فيهم عدد كبير من السياسيين مثل علي رضا الركابي، الذي أصبح في ما بعد رئيس وزراء الأردن، وأعضاء من حزب الإستقلال السوري، الذين شغلوا مناصب سياسية مهمة.

خلال ثورة فلسطين (المعروفة بالثورة الكبرى) ضد الإستعمار البريطاني 1936-1939، كان الأردن ملاذاً آمناً للعديد من رجال الثورة الفارين من السلطات الإنتدابية البريطانية. وفي العام 1948، بعد اندلاع الحرب العربية – الإسرائيلية الأولى، هاجر حوالي 600,000 فلسطيني، وحصل الأردن على نصيب الأسد منهم. وفي العام 1967، فوجئت المملكة الهاشمية بموجة جديدة من اللاجئين الفلسطينيين بعد احتلال إسرائيل للضفة الغربية.

في أواخر سبعينات القرن الفائت، إستضافت البلاد لاجئين لبنانيين فارين من الحرب الأهلية هناك، وفي العقد التالي إستضافت لاجئين عراقيين فارين من الحرب العراقية -الإيرانية (1980-1988). مع طرد حوالي 400,000 فلسطيني من الكويت بعد تحرير الإمارة من الإحتلال الوحشي العراقي (آب/أغسطس 1990 – شباط/فبراير 1991)، شهد الأردن موجة ثالثة من اللاجئين الفلسطينيين الذين فرضوا ضغوطًا كبيرة إضافية على بنيته التحتية وتكوينه السكاني وهويته الوطنية.

مع الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في العام 2003، أصبح الأردن أكبر مضيف للاجئين العراقيين، حيث وصل عدد الواصلين إلى المليون مُشكّلين حوالي 20 في المئة من سكان المملكة. وفي بداية ما يسمى ب”الربيع العربي”، إستقبل الأردن أيضاً الآلاف من اللاجئين المصريين والليبيين واليمنيين.

أخيراً، مع اندلاع الثورة السورية في العام 2011، كانت المملكة الهاشمية في طليعة البلدان التي فتحت أبوابها أمام اللاجئين الفارين من أهوال الحرب. وقد وصل عدد السوريين الآن إلى أكثر من 1.4 مليون شخص، حوالي 650,000 منهم مُسجّلين رسمياً.

الحدّ من الإصلاح والديموقراطية

خلال الإنتفاضات العربية، تمكّن النظام السياسي الأردني من الحفاظ على وضعه الراهن وتجنّب تقديم تنازلات ذات معنى. لقد استغل الأزمة السورية وتدفق اللاجئين لتذكير المُحتجّين والإصلاحيين المحليين بالآثار الضارة المُحتَملة. ونجح في كبح شهية الشعب الأردني للتغيير السياسي العميق. وقد تلاشت الإحتجاجات وتوقفت تقريباً لفترة؛ وتراجعت عملية الإصلاح وإرساء الديموقراطية، وأصبح الإستبداد والحكم المُطلَق يتمتعان بطابع مؤسسي في ظل نظام برلماني وحزبي تعددي.

شهد مخيم الزعتري، الذي أنشئ في العام 2012 لاستضافة اللاجئين السوريين ، زيادة كبيرة في عدد السكان ليصبح ثاني أكبر مخيم للاجئين في العالم بعد “داداب” (Dadaab) في شرق كينيا. وفي إحدى الفترات، إستضاف حوالي 150,000 لاجئ، وقد قُيِّدَت حرية الخروج منه بعد فرار الكثير من اللاجئين، رغم أنه من غير المعروف إلى أين فرّوا ولأي غرض. حتى من دون نوايا لإلحاق أذى أو القيام بأي عمل تخريبي، فإن هؤلاء الهاربين يُشكّلون تهديداً للمجتمع الأردني. لقد شهد المخيم تزايد الجريمة، بما في ذلك الدعارة وتجارة المخدرات، واندلعت أعمال شغب عديدة فيه نتيجة لظروف صحراوية ومناخية قاسية. كما أصبح المخيم أيضاً حاضنة للأمراض التي تم القضاء عليها في الأردن، بما فيها السل والتهاب الكبد.

مع تدفق اللاجئين السوريين، تم تقليص الحريات ووسّعت الأجهزة الأمنية سيطرتها على الحياة العامة لضمان الهدوء والإستقرار. وهكذا، على سبيل المثال، إعتمد النظام سياسة تقييد الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، على غرار السياسة المتبعة تجاه حزب “الجبهة الأردنية الموحدة” وحزب “جبهة العمل الإسلامي” – الذراع السياسية لجماعة “الإخوان المسلمين”- على مدى السنوات القليلة الماضية. وقد تكون لهذا الأمر آثارٌ خطيرة طويلة الأجل على السياسة الأردنية والمجتمع المدني.

كما زادت أزمة اللاجئين من المظاهرات والإحتجاجات، حيث خضع الأردن لعشرة تغييرات وتعديلات حكومية. في العام 2018 وحده، شهدت البلاد تغييرات لم يسبق لها مثيل في القيادة والسياسة الحكومية استجابة للمظاهرات العامة الواسعة النطاق ضد الإصلاحات الاقتصادية المقترحة والمطالب الصاخبة بشكل متزايد لمزيد من الشفافية وتحسين الخدمات الحكومية. لقد تراجعت الإدارة العامة، وضعفت فعالية الحكومة، وزاد الفساد. وأكدت هيئات دولية مثل البنك الدولي والمنتدى الاقتصادي العالمي و فريدوم هاوس وغيرها من الجهات انخفاض الإستقرار السياسي في الأردن خلال الحرب الأهلية السورية.

زيادة العَسكَرة

أدّت الأزمة السورية أيضاً إلى انخفاض في الأمن. سقطت صواريخ وقذائف مدفعية سورية مرات عدة على مدن وبلدات أردنية بينما تعرضت المراكز الحدودية الأردنية لهجمات من قبل منظمات إرهابية مما أسفر عن مقتل وجرح أردنيين. وزيادة تهريب الأسلحة والتسلل إلى المملكة زاد أعباء الأجهزة الأمنية. ورفع هذا بدوره حالة التأهب والطوارىء ضد الخلايا الإرهابية النائمة وكذلك أدى إلى زيادة التوتر داخل المجتمع الأردني.

لمعالجة القضايا الأمنية، إزدادت عَسكَرة الأردن حيث خلصت النخبة الحاكمة إلى نتيجة تفيد بأن الحفاظ على الأمن والإستقرار لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الجيش وأنه بالتالي يُمكن الإستغناء عن المؤسسات الإجتماعية الأخرى. وتم تسليط الضوء على عدم فعالية جهاز الدولة المدنية وفساده، بما في ذلك في قطاعي التعليم والصحة. كانت هذه القطاعات عرضة لحملة تشكيك، ولم يبقَ سوى الجيش كمؤسسة ذات سمعة جيدة. وتشمل النتائج زيادة في الإنفاق العسكري: يحتل الأردن الآن المرتبة الرابعة في العالم العربي والثامن على المستوى الدولي في الإنفاق العسكري نسبة إلى الدخل القومي، حيث يُمثّل 20 في المئة من الإنفاق الحكومي.

تعميق تَبَعِيَة الأردن

يعتمد الأردن بشكل كبير على المساعدات الخارجية، وبخاصة من الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي. وشكّل هذا الأمر عقبة في سياسته الخارجية، والتي تكيّفت في كثير من الأحيان مع سياسات الدول المانحة.

نتيجة لأزمة اللاجئين السوريين، أصبح الأردن أكثر اعتماداً على المساعدات الخارجية اللازمة للتنمية الإقتصادية وللتغلب على أعباء أزمة اللاجئين. كان ضغط دول الخليج على الأردن للتدخل في الحرب الأهلية السورية واتخاذ موقف معادٍ للنظام قوياً بشكل خاص. وقد وضع هذا الموقف عمّان في وضع دقيق وضيّق. من ناحية، لا تريد إغضاب دول الخليج، ولكن من ناحية أخرى، لديها مخاوفها الخاصة بالتمرّد السوري، والمعارضة، والتحوّلات في العالم العربي. بخطوات حذرة على حبل مشدود في محيطها المضطرب بشكل متزايد، كان على عمّان أن تستوعب مجموعة مُعقّدة من مصالح الحلفاء والتأثيرات الإقليمية المترابطة، وغالباً ما تكون متناقضة. إن إيجاد التوازن الصحيح بين مَن يُطالب بإسقاط نظام الأسد وأولئك الذين يدعمونه – داخلياً وإقليمياً ودولياً – قد أثبت أنه مهمة شاقة للغاية.

كما ساءت علاقات المملكة الخارجية مع دول محورية مثل تركيا وإيران. سوريا هي معبر الأردن البري الوحيد إلى تركيا وأوروبا. والأسوأ من ذلك كان إغلاق الحدود العراقية لسنوات عدة، وعزل الأردن تقريباً لبعض الوقت. وتتجلّى تَبَعيّة البلاد أيضاً في سياساتها تجاه الإسلاميين. فقد وضعت دول الخليج جماعة “الإخوان المسلمين” على قوائم الجماعات الإرهابية، مما زاد الضغط على الأردن للقيام بالمثل. ونتيجة لذلك، لم يتمكن النظام الهاشمي من الحفاظ على علاقته التقليدية مع جماعة “الإخوان المسلمين”، والتي تُعتبَر أنها تحت السيطرة، مع موازنة مصالحه مع دول الخليج، وبخاصة الإمارات العربية المتحدة. وبالتالي سعت عمّان إلى “أردَنة” جماعة الإخوان المحليين من خلال المطالبة بفصلها عن مكتب الإرشاد العالمي الذي يتخذ من القاهرة مقراً له، وهو أعلى هيئة لصنع القرار في جماعة “الإخوان المسلمين”. كما دعا النظام إلى الإنفصال عن “حماس”، مع إغلاق مقر المجموعة الفلسطينية الإسلامية في الأردن بحجة كونها غير مُرخّص لها، ووضع أنشطتها السياسية والإجتماعية تحت المراقبة والحصار.

تهديدات للهوية الوطنية

الهوية الوطنية هي واحدة من أكثر القضايا حساسية وتعقيداً في المملكة الهاشمية. منذ إنشائه في العام 1921 وحتى وقت قريب، تبنّى الأردن توجهاً عربياً على مستوى الدولة والمجتمع، ولكن الأزمة السورية شهدت موجة من المشاعر القومية الأردنية المتميّزة. عبّر الأردنيون عن عدم رضاهم عن موجة الهجرة السورية، والتي أثرت سلباً في حياتهم على العديد من المستويات والتي أكدت ضعف الروابط الوطنية والدينية والإجتماعية بينهم وبين “إخوانهم” السوريين. وهكذا فإن الأزمة تُبشّر بنهاية التوجه العربي الأردني. بعد أن استضافت ثوريين من سوريا وفلسطين في عشرينات وثلاثينات القرن الفائت، تراجعت المملكة إلى انتماءاتها القبلية والمحلية الضيّقة. لقد انتشر اليأس بين الأردنيين حيث توقفوا عن الإيمان بفكرة “القومية العربية”.

زاد التدفق السريع للاجئين السوريين من مخاوف الأردنيين من أن يصبحوا أقلية في بلدهم. من العام 1948 حتى تاريخه، بما في ذلك الوافدون السوريون الجدد، تجاوز عدد الوافدين المهاجرين عدد السكان الأصليين. وفقاً للسفيرة الأميركية في عمّان أليس ويلز، نتيجة لموجات الهجرة المتتالية، فإن نسبة السكان الأصليين من عدد السكان تبلغ 27 في المئة. وهذا الأمر تسبب في ضجة في المجتمع الأردني، ولكن في الوقت عينه رفع مسألة الهوية الوطنية إلى آفاق جديدة. أصبح الأردنيون مذعورين لأنهم  يشعرون بأنهم صاروا أقلية. علاوة على ذلك، بما أن الهوية القبلية هي المحرك الأساسي للمجتمع الأردني، فإن الأردنيين أقل تقبلاً للهويات الخارجية والثقافات.

بعض اللاجئين السوريين في الأردن لا يريد العودة إلى دياره. إن توطين هؤلاء اللاجئين في الأردن سوف يتكثّف نتيجة للضغوط الدولية، لكن هذه التسوية ستُفاقم أزمة الهوية الوطنية الأردنية، التي حافظت على تميّزها في شرق الأردن على الرغم من جهود النظام لتطوير هوية مختلطة تضم القبائل الأصلية والسكان الفلسطينيين الذن استقروا في المملكة بعد حربي 1948 و1967. إن الحفاظ على الهوية الوطنية الأردنية يتطلّب إعادة النظر في سياسة الحدود المفتوحة. لكن عجز الدولة عن السيطرة على حدودها يؤدي إلى تهميش دور المجتمع المدني في مواجهة موجات اللاجئين المتعاقبة.

زيادة مستويات التطرف والإرهاب

عانى الأردن من التطرف والإرهاب قبل الثورة السورية، ولا سيما تفجيرات عمّان في العام 2005. وسعت الدولة الأردنية إلى مكافحة التهديد من خلال استهداف الشباب المُعرَّضين لخطر التجنيد الإرهابي لأسباب متعددة مثل الفقر والبطالة وفشل مشاريع التنمية وغياب العدالة الإجتماعية، وانتشار الفساد.

خلال الثورة السورية، تمكّنت المنظمات الإرهابية من نشر الإيديولوجية المتطرفة. قام تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، من خلال أجهزته الإعلامية، بتعبئة مئات الأردنيين إلى صفوفه. ويُقدَّر عدد الأردنيين في مجموعة متنوعة من الجماعات المتطرفة في كل من العراق وسوريا بثلاثة آلاف، وتتابع قوات الأمن وتراقب عشرات الأشخاص المُتَّهمين بالإنضمام إلى هذه المنظمات أو التعاطف معها.

كان هناك إعتقاد سائد منذ وقت طويل بأن غالبية هؤلاء المُجنَّدين كانت غير متعلمة ومُهَمَّشة وفقيرة، معظمها من عائلات متشددة وغير أردنية. لكن اشتداد الحرب الأهلية السورية أوصل التطرف والتشدّد إلى شبابٍ من أصولٍ مُختلفة جذرياً – من الطبقة الوسطى أو البرجوازية؛ من الجماعات التي كانت تاريخياً معاقل لدعم النظام، ومن مناطق مختلفة من البلاد. من خلال انتشار الجهادية في المساجد والمدارس والجامعات، أصبحت الجماعات المتطرفة جذابة لمختلف فئات المجتمع. لقد اعتنق البعض الإيديولوجية الجهادية وتم تدريبه واستخدامه في القتال في سوريا والعراق.

إرتفاع معدّلات الفساد

يُعدّ الفساد أحد أهم التحديات التي تواجه الأردن، مع تأثيرٍ سلبي كبير على سياسات الإصلاح والتنمية والإستقرار. وتُعتَبر مكافحة الفساد أولوية قصوى للملك عبد الله الثاني، لكن النظام لم يُحقق نجاحاً كبيراً حتى الآن.

أدّت الأزمة السورية إلى طفرة غير مسبوقة في نطاق الفساد، حيث اخترق جميع جوانب الحياة السياسية والإقتصادية والإدارية. وربما يكون أحد أبرز الآثار هو المكانة الضعيفة للدولة نتيجة للفساد الفردي، لا سيما من قبل الموظفين المدنيين وبين مَن هم في الدوائر الرسمية العليا، وهو ما يُعرف ب”الفساد الكبير”.

كما أصبح الفساد أكثر شيوعاً بسبب تفضيل الدولة الفاضح لنخبة حاكمة صغيرة ومتماسكة وفشلها في تنفيذ الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية الضرورية لتوسيع نطاق التوزيع الوطني للموارد.  لقد انخفضت قدرة الحكومة على توفير المتطلبات الأساسية للحياة للمواطنين، مثل الغذاء والماء والسكن والرعاية الصحية والتعليم والخدمات القانونية، في حين أن الفقر والبطالة والتهميش والظلم والفساد وانعدام الرقابة والمساءلة، أصبحت منتشرة على نطاق واسع. أصبح الوصول إلى الخدمات العامة هو الشاغل الرئيس للمواطنين، لكن النخبة الحاكمة تعتقد أن الحرمان النسبي يمنع المواطنين من رفع مستوى المطالب. لقد جعل هذا التفكير العقيم الموقف قنبلة موقوتة، مع انتشار الفقر والبطالة والأزمات الإقتصادية وانخفاض الأجور وارتفاع الأسعار مما خلق بيئة مواتية للفساد.

أخيراً، مع تراجع عملية إرساء الديموقراطية، تراجعت الإرادة السياسية لمكافحة الفساد، وزادت قدرة المسؤولين الحكوميين على التصرف بأقل قدر من المساءلة.

يُمارَس الفساد من قبل المؤثّرين في وضح النهار، وقد تبخّرت الجهود المبذولة لمكافحته. وهذا ما تؤكده التقارير المتعلقة بمؤشرات الفساد العالمية.

خاتمة

مهما تكن التكاليف الإقتصادية والإجتماعية لأزمة اللاجئين السوريين، فهي ثانوية بالنسبة إلى آثارها السياسية الضارّة على الدولة والمجتمع الأردني: لقد تراجعت حملة المملكة المترددة نحو الإصلاح والديموقراطية وتآكلت هويتها الوطنية. لقد أصبحت محاربة العنف والتطرف مصدر قلق كبيراً حيث ارتفع الفساد إلى مستويات غير مسبوقة. هذه عواقب باهظة وبعيدة المدى، وسوف يتردد صداها في جميع أنحاء الأردن إلى ما بعد نهاية الحرب الأهلية السورية، والتي لا يمكن حسابها بسرعة أو بتهوّر.

ليس أقل أهمية، لقد كشفت أزمة اللاجئين عن العيوب والتشوّهات الأساسية في المجتمع الأردني والنظام السياسي، لا سيما هشاشة التجربة الديموقراطية، وضعف الهوية الوطنية، وانعدام الثقة في الدولة ومؤسساتها بسبب تهميشها الطويل الأمد لشرائح كبيرة من المجتمع واستبعادها من عملية صنع القرار الوطني.

لا يمتلك الأردن، على الرغم من تجربته التاريخية مع اللاجئين وطالبي اللجوء، استراتيجية وطنية فعالة للتعامل مع مشكلة اللاجئين السوريين. كانت غالبية السياسات تفاعلية، مما أدى إلى انخفاض ثقة الجمهور في الدولة ودفع الطلب على نطاق واسع لإنهاء سياسة الباب المفتوح في البلاد.

لذلك، فالمطلوب هو نهج شامل جديد:

  • يَجمع سياسيين ومثقفين وأكاديميين مع صناع القرار في الأردن لمناقشة سياسة تتعلق باللاجئين؛
  • يُشجّع وسائل الإعلام على معالجة المشكلة بطريقة مفتوحة ومن دون خوفٍ من الإنتقام؛
  • يُطالب المجتمع الدولي بالإعتراف بالدور الحاسم للأردن في تخفيف مشكلة اللاجئين السوريين (مع ما يصاحب ذلك من مساعدة مالية ومادية)، مع التشديد على الحاجة إلى إعادة اللاجئين إلى وطنهم بعد الحرب؛
  • يُعيد النظر في الإستراتيجية الوطنية لمكافحة التطرف والإرهاب والفساد، بما في ذلك إشراك رجال الدين في هذا الجهد؛
  • يُشجّع المزيد من الديموقراطية والإصلاح السياسي في الأردن من خلال تعزيز المشاركة والشفافية والمساءلة، ومكافحة الفساد ونبذ العنف والتطرف.

قد يكون هذا النهج طويل الأجل بالنسبة إلى النظام السياسي الأردني. لكن الفشل في الخروج من الممارسات السابقة هو بالتأكيد وصفة لكارثة.

  • محمد بني سلامة وأيمن هياجنة هما أستاذان عضوان في قسم العلوم السياسية في جامعة اليرموك في إربد، الأردن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى