كيف يُمكن لحربٍ بالوكالة أن تُفجّرَ العراق مرة أخرى

مع استقرار البلاد الحذر بعد 16 عاماً من الصراع، يخشى العراقيون المُنهَكين من الحرب إندلاع هجمات جديدة من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل ضد القوات المدعومة من إيران داخل البلاد.

عادل عبد المهدي: محاولة التوازن بين أميركا وإيران هل تنجح؟

بغداد – بيشا ماجد*

عندما قتلت طائرة جوية مُسَيَرة عضوين من قوات “الحشد الشعبي” العراقية يوم الأحد الفائت (25/ 08/2019 ) – ولمّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى أن بلاده قد تكون ضالعة – كانت هذه فقط أحدث إشارة إلى العراقيين المُنهَكين من الحرب بأنهم لن يعرفوا الراحة. فيما هم يحاولون الوقوف على أرجلهم للعودة إلى الحياة العادية، عاد العراق إلى أن يكون ساحة وغى للأجانب مرة أخرى.

تتشكّل قوات “الحشد الشعبي” من مزيج من الألوية شبه العسكرية، التي يرتبط الكثير منها بإيران، والتي ساعدت على طرد تنظيم “الدولة الإسلامية” من العراق في أواخر العام 2017. ومنذ ذلك الحين، سعى رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي (المنتفكي)، تحت ضغط من واشنطن، إلى دمجها في القوات المسلحة العراقية أملاً في أن يُعيد الإستقرار إلى البلد الذي مزقته 16 سنة من الصراع المستمر من دون توقف منذ الغزو الأميركي في العام 2003.

لكن، في إشارة إلى تصعيد بنيامين نتنياهو الصراع بشكل كبير مع إيران، تبدو إسرائيل مستعدة للقيام بعمليات في العراق لأول مرة منذ قصف الإسرائيليون مفاعل صدام حسين النووي في أوسيراك في العام 1981. والولايات المتحدة، التي في عهد الرئيس دونالد ترامب إتّخذت خطاً أكثر تشدّداً ضد طهران، قد أشارت إلى أنها تدعم الحملة الإسرائيلية الأوسع ضد العناصر المدعومة من الجمهورية الإسلامية في العراق وسوريا ولبنان.

من خلال استهداف واحدة من أقوى المجموعات في العراق، فإن هذه الضربات تُهدّد استقرار الحكومة العراقية وتجعل نضال العراق للحفاظ على الحياد بين الولايات المتحدة وإيران ضعيفاً بشكل خطير. يعلم العراقيون أنه لا يوجد ما يُمكنهم فعله، لكن هذا لا يُقلّل من شعورهم بالإشمئزاز واليأس.

وقالت إينا رودولف، زميلة باحثة في المركز الدولي لدراسة التطرف في جامعة كينغز كوليدج في لندن: “كان هناك مزاج أوسع بين الجمهور العراقي ونوع من السأم من التدخل الأجنبي، سواء كان أميركياً أو إيرانياً. أعتقد أنه من المهم أيضاً أن يتابع المسؤولون الأميركيون الخطاب العام العراقي عن كثب وألّا يُقلِلوا من شأن هذا التركيز على سيادة العراق”.

يُمكن أن تُقوّض التفجيرات حكومة المهدي، خصوصاً إذا قررت قوات الحشد الشعبي الرد على أهداف أميركية أو إسرائيلية. لا يُمكن للمهدي تحمل استعداء الولايات المتحدة أو إسرائيل، لكنه يعتمد على قوات الحشد الشعبي لبقائه في السلطة. لقد حلّت المجموعة في المرتبة الثانية في الانتخابات البرلمانية وحشدت الإئتلاف الذي أوصل المهدي إلى السلطة.

من الناحية السياسية، يُصبح الوضع غير مستقر مع كل هجوم جديد على الأراضي العراقية. قبل خمسة أيام من غارة الأحد على القائم بالقرب من الحدود السورية، أصابت الضربات محطة تابعة لقوات الحشد الشعبي بالقرب من قاعدة بلد الجوية شمال بغداد. تسبب الهجوم في إشعال وإطلاق الصواريخ المخزنة في المحطة على القرى المجاورة، مما دفع المزارعين إلى الفرار من منازلهم. قبل أسبوع تقريباً من ذلك، إنفجر مستودع أسلحة تابع للحشد بشكل غامض في بغداد، مما تسبب في حريق هائل أسفر عن مقتل شخص وإصابة حوالي 29. وفي أواخر تموز (يوليو)، سقط صاروخ من الفضاء على مركز مستودع أسلحة تابع للحشد الشعبي، مما أدى إلى انتشار دوامة من الدخان وقتل مهندسين إيرانيين.

في الأسبوع الفائت، في أعقاب الهجمات الأخيرة، أجرى نتنياهو مقابلات عدة حيث أشار بشكل خجول إلى أن إسرائيل كانت وراء سلسلة من الإنفجارات. وقال رداً على سؤال من القناة التاسعة الإسرائيلية حول ما إذا كانت إسرائيل ستحشد وتتحرك ضد أهداف إيرانية في العراق: “نحن نعمل في العديد من المناطق ضد دولة تريد القضاء علينا. وبالطبع لقد منحتُ القوات العسكرية والأمنية السلطة أن تفعل أي شيء ضروري لإحباط خطط إيران”.

من جهتهم أكد مسؤولون أميركيون، من دون الكشف عن هويتهم، مسؤولية إسرائيل في مقابلات مع صحيفة نيويورك تايمز في 22 آب (غسطس).

وكانت الهجمات العراقية حدثت بالتزامن مع غارات في لبنان وسوريا، والتي استهدفت أيضاً الجماعات المدعومة من إيران. وفي حين أن التصعيد قد يبدو مفاجئاً للمراقبين الخارجيين، إلّا أنه يأتي بعد شهور من التوتر المتزايد بين الولايات المتحدة وإيران، واقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية التي يواجه فيها نتنياهو معارضة شديدة. وقال حارث حسن، وهو زميل كبير غير مقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط: “بنيامين نتنياهو لديه مصلحة في تصعيد الوضع الآن وهو في طريقه للإنتخابات. إنه يعتقد أن المزيد من الاستقطاب سيساعده في وضع نفسه على أنه الشخص الذي يدافع عن إسرائيل ضد أعدائها المتعددين”.

داخل العراق، أصابت الغارات عقدة في التوتر السياسي الذي بدأ يختمر منذ شهور بينما تكافح البلاد لتحقيق التوازن بين المصالح المتنافسة للولايات المتحدة وإيران، مع محاولة الحفاظ على الحياد. وجاءت التفجيرات في العراق بعد العقوبات الأميركية على العديد من قادة الحشد الشعبي البارزين وتحذيرات من وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو من أن مقتل حتى جندي أميركي واحد، من بين حوالي 5000 جندي متمركزين في العراق، سوف يقابل بعمل عسكري أميركي. إستهدفت غارات الطائرات المُسيّرة إلى حد كبير مستودعات الأسلحة التي يُشتبه في أنها تُخزّن أسلحة زوّدتها إيران وتسيطر عليها ميليشيات الحشد الشعبي التي تربطها علاقة وثيقة بطهران. وقال حسن “لا أستطيع أن أتخيل أن الإسرائيليين قاموا بها [الهجمات] من دون استشارة الأميركيين”.

خلال الأشهر القليلة الماضية، واصلت واشنطن، التي تخشى من قوة إيران داخل السياسة العراقية، ضغوطها على الحكومة العراقية لكبح نفوذ قوات الحشد الشعبي والسيطرة الكاملة على المجموعة. وقد أصدر المهدي مرسوماً في بداية تموز (يوليو) الفائت أعلن فيه أن لدى قوات الحشد الشعبي شهراً واحداً للإندماج في القوات المسلحة العراقية. وادّعى قادة الحشد الشعبي، مثل فالح الفياض، الرئيس الرسمي لمجلس قوات الحشد الشعبي، ترحيبهم بالإندماج، لكن المحلل العراقي حسن، قال إن الفصائل تحاول الإبقاء على استقلالها الذاتي.

“يفضل قادة هذه الفصائل أن تعمل كجهات فاعلة مختلطة، لذا فهم يريدون الاستفادة من العلاقة مع الدولة … لكنهم في الوقت عينه لا يريدون أن يكون هذا التكامل قوياً إلى الحد الذي سيخضعون فيه لسلسلة تراتبية القيادة الرسمية،”، قال.

لقد نشأت قوات الحشد الشعبي في العام 2014 كمزيج متطوع من الميليشيات الشيعية التي دعمها أكبر رجل دين في العراق، آية الله علي السيستاني، لمحاربة “الدولة الإسلامية”. لقد لعبت أدواراً رئيسة في تحرير المدن العراقية، وبعد هزيمة “داعش”، ركّزت المنظمات شبه العسكرية على الأنشطة الإقتصادية والسياسية.

“عموماً، إكتسبت قوات  الحشد قدراً كبيراً من النفوذ والقوة، وأنا أعلم بأن هناك مخاوف، خصوصاً في الولايات المتحدة، من أن الحكومة الحالية في العراق ليست قوية لمواجهة الحشد الشعبي”، قال ريناد منصور، زميل باحث في “تشاتام هاوس”.

في الواقع، على الرغم من الموعد النهائي لمرسوم المهدي في نهاية تموز (يوليو)، فقد رفضت الفصائل داخل قوات الحشد التخلي عن المواقع الأمنية الرئيسة، وظلت المخاوف من أن ميليشيات الحشد ستواصل عملياتها خارج سلسلة تراتبية القيادة الرسمية.

“المشكلة هي أن الأميركيين لا يعتقدون أن الحكومة العراقية الحالية لديها القدرة، أو حتى بعض الأميركيين يعتقد أنها ليست لديها الرغبة، للتصرف والتحرك ضد الحشد. هذا مصدر قلق كبير” يقول منصور.

من جهته يشتبه حسن في أن الولايات المتحدة سوف تستخدم الهجمات للضغط من أجل فرض قيود أكبر على قوات الحشد الشعبي: “أفترض أن الأميركيين سيحاولون إجراء تبادل، سيحاولون القول، حسناً، سنبذل قصارى جهدنا مع الإسرائيليين، لكن يجب أن تفعلوا أفضل ما لديكم لمواجهة الحشد. إذا لم تكونوا قادرين على السيطرة على الحشد، فلن نتمكن من السيطرة على الإسرائيليين عندما ينظرون إلى أعمال وعمليات الحشد على أنها تهديد لهم”، قال.

صيغت تصريحات المهدي العلنية حول الانفجارات بعناية لإدانة الهجمات نفسها من دون إلقاء اللوم على دولة أو كيان محدد. أحدث بيان له، صدر رداً على غارة الأحد على القائم: “أُدين هذا الانتهاك الصارخ والعنيف للسيادة العراقية”، لكنه ابتعد عن تحميل المسؤولية المباشرة لأي كان عن الهجوم.

في أعقاب الهجوم على قاعدة بلد الجوية، أصدر القائد الفعلي للحشد، أبو مهدي المهندس، بياناً ألقى فيه باللوم مباشرة على الولايات المتحدة وإسرائيل عن الهجوم. وقال: “نعلن أن الكيان الأول والأخير المسؤول عما حدث هو القوات الأميركية، وسنحاسبها على كل ما يحدث من اليوم فصاعداً”. كما صدرت تصريحات تنتقد الولايات المتحدة عن الغارات من قبل عدد من كتائب الحشد الشعبي المرتبطة بإيران: فقد أصدرت كتائب “حزب الله” بياناً أعطى واشنطن “تحذيراً نهائياً”، وأدانت حركة النجباء الولايات المتحدة للهجمات.

وسرعان ما تبع بيان المهندس بياناً متضارباً من القائد الرسمي للحشد، فالح الفياض. وقال إن التحقيقات جارية بشأن من يتحمل المسؤولية عن الهجوم وأن المهندس لا يمثل الرأي الرسمي لقوات الحشد الشعبي.

وقال منصور: “من الواضح أنه [المهندس] غاضب مما حدث [التفجيرات]، لأنه أصدر تلك الرسالة وخرج بشكل علني وأدان الولايات المتحدة ودولاً أجنبية أخرى. كانت هذه رسالة نادرة منه، لأنه كان هناك هذا الفهم بأنه القائد الفعلي، وهو يقوم بجميع الأعمال الأساسية، ويترك كل العلاقات الخارجية للحكومة الرسمية – أي إلى فالح الفياض”.

“ستضع قوات الحشد الشعبي ضغطاً كبيراً على كل هؤلاء القادة لوقف هذه الهجمات، وإذا لم يتمكنوا من ذلك، فسوف تتغير قوات الحشد أو ستدفع لتغيير القوى، أو قد تبدأ في أسوأ الحالات شن هجماتها الخاصة”، أضاف.

لكن حتى الآن لم يتمكن المهدي من كبح الهجمات. بعد انفجار مستودع الأسلحة في بغداد، قام رئيس الحكومة بتقييد استخدام التحالف الأميركي للمجال الجوي، ولكن بعد أسبوع فقط تم قصف مستودع الأسلحة المجاور لقاعدة بلد الجوية، وبعدها بأيام قليلة قُتل إثنان من رجال الميليشيات في القائم.

ينتقد الكثيرون في العراق كلاً من واشنطن وطهران لتدخلهما في الشؤون العراقية. لكن بعض العراقيين ينتقد أيضاً صلات الحشد بإيران. لكن “إذا استمر الأميركيون في ضرب الحشد، فإن العراقيين، حتى أولئك العراقيين الذين بدأوا ينتقدون قليلاً الحشد، قد يستديرون ويقولون: لماذا يُهاجم الأميركيون العراق؟”، قال منصور.

كلما طالت الهجمات، سيكون من المجدي أن يظل المهدي محايداً من دون أن يبدو ضعيفاً، وسيكون من الأصعب عليه تجنب إدانة إسرائيل من دون أن يفقد ماء الوجه. في أعقاب الضربات الجوية المُسيَّرة على الحدود، حتى الكتلة البرلمانية التي تمثل الحشد الشعبي، تحالف فتح، رفعت خطابها الذي يُحمّل الولايات المتحدة مسؤولية الهجوم ويدعو إلى انسحاب القوات الأميركية من العراق.

وقال حسن، المحلل في كارنيغي: “نحتاج إلى الإنتظار ومعرفة ما إذا كانت هذه الهجمات ستستمر وما هي الأهداف التالية، لأنه إذا وقع المزيد من الهجمات، فسيكون ذلك أكثر إحراجاً للحكومة العراقية. لا يمكنهم الإستمرار في التزام الصمت”.

لكن حسن أيضاً لا يعتقد أن أي شخص يريد حقاً أن تتحول هذه المناوشات إلى حرب شاملة. لا الأميركيون أو الإيرانيون مهتمون بحرب كبرى في هذا الوقت. وقال “لا يريدون إشعال حرب. لذلك لا أعتقد أن الخطاب سيُترجَم إلى عمل كبير داخل العراق. علينا أن ننتظر ونرىَ”.

وحذّر منصور، الباحث في تشاتام هاوس، من أن هذه التكتيكات تذكر بمحاولات أميركية سابقة لقمع الجماعات المسلحة المحلية بالقوة، وأن هذه المحاولات نادراً ما سارت على ما يرام في العراق وأماكن أخرى.

وقال: “لا أعتقد أن الأميركيين يعرفون ماذا يفعلون”.

  • بيشا ماجد صحافية مستقلة تُقيم في بغداد. يمكن متابعتها على تويتر: @PMagid
  • كُتِب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرّبه قسم الأبحاث والدراسات في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى