العَولَمَة لم تَمُت، إنها تتطوّر

بقلم كابي طبراني

أثارت إنتقادات الرئيس الأميركي دونالد ترامب العدائية والشعبوية ضد العَولَمة مخاوف من موت – أو تباطؤ- القوة الإقتصادية التي شكّلت حياتنا التي نعيشها اليوم أكثر من أي شيء آخر. ومع ذلك، فإن هذه المخاوف تتجاهل ماهية العَولَمة الفعلية، وكيف تتطور.
الواقع أن العَولَمة هي أكثر قوةً وقِدَماً من ترامب. في كثير من الأحيان نعتقد أنها – مع التكامل الإقتصادي وتبادل الأفكار والأفراد والسلع التي تأتي معها – ظاهرة حديثة.
الحقيقة هي أنها كانت معنا منذ زمن سحيق. أديانٌ عدة مثل المسيحية والإسلام واليهودية هي نتاجٌ للعَولَمة. لقد شاركت هذه أيضاً بشكل كبير في تشكيل العَولَمة وترويجها أكثر من الشركات الأميركية متعددة الجنسيات أو الشركات الصينية العملاقة الجديدة.
إن العَولَمة للذين لا يعرفون ليست قوة ثابتة أيضاً. نربطها اليوم بحاويات الشحن، التي هي اختراعُ خمسينات القرن الفائت الذي زاد من الكفاءة وخفّض تكلفة التجارة العالمية في ما يخصّ البضائع والسلع. أو بالإستعانة بالعمالة الخارجية في الإقتصادات المُتقَدِّمة وانبعاث إقتصادات تجارية كبرى مثل الصين.
لكننا الآن ندخل حقبة جديدة حيث فيها البيانات الرقمية عبارة عن حاوية شحنٍ جديدة، كما أن هناك قوى تخريبية أكثر فاعلية في الإقتصاد العالمي من تعريفات ترامب. إن تقنيات التصنيع الجديدة، مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد وأتمتة المصانع، تعمل على تقليل الحوافز الإقتصادية للإنتاج البحري. والهواتف الذكية التي نحملها معنا ليست فقط منتجات للعَولَمة بل هي “مُسرّعات” لها. سواء كان الأمر جيداً أو سيئاً، فنحن أكثر تعرّضاً لثقافة الأفكار العالمية أكثر من أي وقت مضى، وبالتالي أصبحنا أكثر عالمية نتيجة لذلك.
ولكن، هل ان العَولَمة تتباطأ حقاً؟ ربما، إذا نظرتَ فقط إلى تجارة السلع المادية. لكن هذا لا يأخذ في الإعتبار إنفجار الإقتصاد الرقمي. وهذا مهمٌّ جداً. فعلى نحو متزايد، نجد أن العالم الرقمي هو المكان الذي يعيش فيه إقتصاد القرن الحادي والعشرين.
لقد ساهمت الحروب التجارية والتعريفات المُتبادَلة بين الولايات المتحدة والصين في تباطؤ التجارة العالمية. ومن المرجح أن يؤدي عدم اليقين الناجم عن إعتداء ترامب على النظام التجاري العالمي إلى تداعيات مُكلِفة لسنوات مقبلة جرّاء الإنخفاض في الإستثمار التجاري الذي تسبب فيه. فاستثمارٌ أقلّ اليوم يساوي نمواً أقل (وتجارة أقل) غداً.
لكن التباطؤ كان بدأ قبل ترامب. منذ الأزمة المالية في العام 2008، شهدنا انخفاضاً في النسبة بين نمو التدفقات التجارية ونمو الناتج العالمي. حتى أن أزمة التجارة نمت بانتظام بمعدل ضعف معدل الإقتصاد العالمي. أما الآن، فهي تنمو تقريباً حسب المعدل الطبيعي المتوقع، أو حتى بنسبة أكبر قليلاً من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
القصة الأكبر، على الرغم من ذلك، هي التغيير الهيكلي طويل الأجل في الإقتصاد العالمي، حيث نتداول بشكل متزايد خدمات تجارية مثل تدفق الموسيقى أو الخدمات المصرفية.
مع نضوج الإقتصادات، نبيع حقوق إنتاج شيء لشخص أو شركة ما في بلد آخر بدلاً من شحنه إلى ذلك البلد. وهذه التغييرات تعني أيضاً تجارة أقل في نقل البضائع – لا يعبر أي “سي دي” (CD) الحدود إذا كنت تبث أحدث أغنية لفيروز أو ماجدة الرومي. لكن هذا لا يعني أن العَولَمة تتباطأ، بل يعني أنها تنضج وتتطوّر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى