السعودية تتحوّط استراتيجياً في مجال الغاز الطبيعي المُسال والبتروكيماويات

فيما تتهيأ المملكة العربية السعودية لتخصيص حوالي 5 في المئة من شركة “أرامكو” في العام 2021، تسعى جاهدة لزيادة قيمة الشركة السوقية لتجني في نهاية المطاف العائدات التي تريدها، وذلك من طريق شراء محطات التكرير، والمصافي والشركات الأجنبية التي تعمل في مجال الغاز الطبيعي المُسال والبتروكيماويات.

بورت آرثر: صار للسعودية موطىء قدم

الرياض – راغب الشيباني

في أواخر أيار (مايو) الفائت، وقّعت شركة أرامكو السعودية إتفاقية لشراء 5 ملايين طن سنوياً من الغاز الطبيعي المُسال من شركة “سِمبرا إينرجي” (Sempra Energy) ومقرها سان دييغو وشحنها من محطة الغاز الطبيعي المُسال التي تملكها في بورت آرثر في تكساس. كما تنص الإتفاقية غير المُلزِمة على حصول أرامكو على 25٪ من عمليات بورت آرثر، والذي تمّت الموافقة على خطته أخيراً من قبل وزارة الطاقة الأميركية واللجنة الفيديرالية لتنظيم الطاقة.
تُجسّد الصفقة تصميم أرامكو على زيادة حصة الغاز الطبيعي المسال والبتروكيماويات في محفظتها قبل طرحها العام الذي طال انتظاره في العام 2021. كما أنها تُمثّل إستجابة منطقية لحقيقة أن التقلبات الجيوسياسية والإقتصادية في سوق النفط والغاز أصبحت الأمر العادي الجديد. وتدفع هذه البيئة غير المستقرة شركات البترول المتكاملة عمودياً إلى توسيع عملياتها للبتروكيماويات والتكرير كتحوّط استراتيجي. وشيء آخر جيد هو أن التقدم التكنولوجي في مجال لوجستيات الغاز الطبيعي، إلى جانب زيادة الإمدادات من الصخر الزيتي في الولايات المتحدة، يجعل سوق الغاز الطبيعي المسال أكثر جاذبية.
وقد وقعت “سِمبرا إينرجي” أيضاً إتفاقية مماثلة لمدة 20 عاماً مع شركة النفط والغاز البولندية للحصول على الغاز الطبيعي المسال من محطة بورت آرثر. لقد أبرمت الإتفاقيتين على الرغم من أنه لم يكن قد إتُخذ بعد قرار نهائي بشأن ما إذا كان سيتم المضي قُدماً في المشروع، الذي سيكون له القدرة على تصدير إجمالي يبلغ حوالي 11 مليون طن سنوياً.

وضع الغاز الطبيعي المسال

تدفع إتجاهات الإقتصاد الكلي والأخرى المحلية إهتمام أرامكو السعودية المتزايد في أعمال الغاز الطبيعي المُسال. ويتمثّل جذب الإقتصادي الكلي في أنه من المتوقع أن يُمثّل الغاز الطبيعي حوالي 40 في المئة من النمو في الطلب العالمي على الطاقة في السنوات المقبلة، مع استمرار الغاز الطبيعي المسال في أن يكون المصدر الأسرع نمواً في مجال الإمداد.
أما الإتجاه المحلي فهو أن المملكة العربية السعودية تستبدل النفط بالغاز كمولّد للطاقة. إن استهلاكها للكهرباء في ازدياد، والنفط – الذي يعمل حالياً على توفير 60 في المئة من توليد الطاقة – يُعد أغلى من الغاز. إن تخفيض استهلاكها المحلي من النفط سيسمح للمملكة بتصدير المزيد من النفط، مما يرفع إيراداتها.
في العام الفائت، شكّلت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تحالفاً لتنسيق جهودهما بالنسبة إلى الغاز الطبيعي المسال وذلك كوسيلة لتلبية الطلب المتزايد على الغاز. في علامة بارزة أخرى، باعت أرامكو أول شحنة من الغاز الطبيعي المُسال في نيسان (إبريل) 2019. والشركة هي واحدة من إثنتين تدرسهما شركة نوفاتيك الروسية كشريك بنسبة 10 في المئة في مشروع الغاز الطبيعي المُسال رقم 2 في القطب المتجمد الشمالي، والأخرى هي شركة ميتسوي اليابانية. ومن المقرر أن يتم تشغيل مصنع الغاز الطبيعي المُسال 2 في القطب الشمالي في 2022-23 وبتكلفة تقديرية تبلغ 25.5 مليار دولار، وبقدرة إنتاج سنوي تبلغ 19.8 مليون طن.

البتروكيماويات والتكرير

قامت أرامكو السعودية في الآونة الأخيرة بحملة نشيطة لشراء مصافي تكرير. في العام 2017، إستحوذت على “موتيفا” (Motiva)، التي تعد مصفاتها في “بورت آرثر” الأكبر في الولايات المتحدة، وتعهدت باستثمار 6.6 مليارات دولار إضافية في المنشأة. ثم استحوذت على 70 في المئة من شركة سابك، وهي شركة سعودية مملوكة للدولة ولها وجود رئيس في صناعة البتروكيماويات الأميركية، في صفقة خاصة بلغت قيمتها حوالي 70 مليار دولار. ومن جهتها إشترت “سابك” شركة جنرال إلكتريك للبلاستيك في العام 2007، وتقوم ببناء مصنع لتكسير الإيثان في سان باتريسيو بولاية تكساس، والذي ستبلغ طاقته 1.8 مليون طن سنوياً.
كما تعهدت أرامكو باستثمار 54 مليار دولار في مشاريع البتروكيماويات والتكرير في الهند والصين، أسرع مُستهلكَين للطاقة نمواً في العالم. إن أرامكو السعودية، التي تشارك ساينوبك الصينية في ملكية مصفاة ومجمع للبتروكيماويات في فوجيان، تتعاون مع مجموعة الدفاع نورينكو في بناء مجمع للبتروكيماويات في شمال شرق الصين.
في الهند، حيث تتعاون مع أدنوك في مجمع ضخم للبتروكيماويات بكلفة 44 مليار دولار على الساحل الغربي، تفكر أرامكو السعودية في الحصول على 25 في المئة من عمليات تكرير “ريلاينس إندستريز” (Reliance Industries’) – وهي صفقة وصفها خبراء الطاقة بأنها “زواج تم في السماء” بسبب التضافر المُحتمل.
سوف تساعد البصمة الأكبر في قطاعي البتروكيماويات والصناعات الصينية والهندية أرامكو السعودية على تجنب المنافسة الروسية في الأسواق الضخمة. كما ستساعد الشركة على الإستحواذ على المزيد من حصص سوق النفط التي تتخلى عنها إيران في تلك البلدان بسبب إعادة فرض العقوبات الأميركية.
سيكون لاستراتيجية توسيع التكرير إلى الصين والهند فوائد جيوسياسية للمملكة العربية السعودية. إنه يتماشى مع سياسة الرياض الجديدة المتمثّلة في استخدام الإستثمار للمساعدة على حماية رهاناتها السياسية بين القوى العالمية مثل روسيا والصين والهند.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى