إنتهازيةُ الفُرَصِ الوَضيعة

بقلم راشد فايد*

نَظلُمُ فخامته، ومعاليه، اذا تخيّلنا أن أحدَهما يقود الآخر ليودي بالبلد إلى التهلِكة التي لن تقف عند باب، أو تتجنّب أي بيت. والظُلمُ يتأتّى من كون الحقيقة أنهما يتكاملان مُتضامِنَين، ومُنفَردَين، في اشتهاء السلطة، ولو على أنقاضِ الدولة، وطناً ومؤسسات، من “حرب التحرير” إلى غزو رئاسة الجمهورية على حصان حزب الأمين العام. لم يبلغ كبيرهما أرذل العمر، إلّا وقد دفع لبنان مراراً وتكراراً كلفة اشتهائه السلطة، بأي ثمن، ومهما بلغ. أما صغيرهما، فتربّى على يدَي معلمه، وبزّه، إلى حدٍّ إنك إذا أبصرتَ أحدهما أبصرتَ الآخر، أو الإثنين معاً، وسمعتَ منهما النشيد نفسه في اشتهاءِ الحكم. حتى أن العمّ لم يُخفِ إعجابه، تكراراً، بالصهر، فوصفه في حديث صحافي، غير رسمي، نُشر أمس، بأنه “تلميذه”.

وهذه “التَلمَذة” إذا تدرّج صاحبها على دربِ ما يشتهي نهاية تشرين الاول (أكتوبر) 2022، تعدنا بتكرار نهج “أستاذه” وعنوانه “أنا أو لا أحد”، الذي حال دون انتخاب غيره رئيساً للبلاد، طيلة 29 شهراً بدعمٍ من سلاح “حزب الله”، الذي فرض فراغاً رئاسياً مُسَلّحاً، إنتهى بدعم رئيس الحكومة المُكَلَّف اليوم، سعد الحريري، ورئيس حزب “القوات اللبنانية” دكتور سمير جعجع، مرشح الحزب، فانتخب بعد 45 محاولة فاشلة لتحقيق النصاب القانوني، بسبب مقاطعة نواب “تحالف 8 آذار” الجلسات لرفضهم ترشّح سمير جعجع، وخوفاً من تفوّقه على ميشال عون، بالإقتراع، الى أن تمّت تسويتا “معراب” و “باريس”، وتأّمن انتخاب عون في جلسة نيابية، في 31 تشرين الأول (أكتوبر) 2016.

إنّهما يتكاملان، ويُحسنان لعب “البينغ- بونغ” السياسي على قياسهما. يتباكى الصهر على صلاحيات رئيس الجمهورية، فيردّ العمّ بأنّ الرئيس المُكَلَّف يُريد أن يفرض عليه تركيبة وزارية “مُناسبة له وليس للبلد”. لكن لا أحد سأل الثنائي، إلى اليوم، هل ما يطرحان يُناسب البلد، وينسجم مع الدستور؟ وهل كانت “حرب التحرير” مُناسبة للبلد، بينما العرب والعالم، وحتى اسرائيل كانوا يباركون الظلم السوري؟ وهل كانت “حرب الالغاء” إلّا إسقاطاً لآخر منطقة لبنانية خارج احتلال الوصاية الأسدية؟ وهل كانت صفقة عودة الجنرال من المنفى برضا دمشق، مُقابل ما اعتبره مُستحقّات مالية له لدى الدولة، مُناسبة للبنانيين، أم هل كانت “وثيقة التفاهم” مع “حزب الله” تتويجاً لما سُمِّي نضالاً من أجل سيادة “لبنان واستقلاله”؟

تتسابق دول العالم على إبداء استعدادها للمساعدة على الخروج من شبكة الأزمات المُتعددة، بينما رئيس البلاد غارق، حتى الأذنين، في حقده على “اتفاق الطائف” حتى السعي إلى اغتياله، ولو أدى إلى دفع البلاد إلى حربٍ أهلية، أظهر العقل الجمعي للبنانيين أنهم يرفضونها وتعلموا دروسها وما أورثتهم من دمار وذكريات حارقة، أنستهم إياها خطة نهوض حملها ونفّذها الشهيد رفيق الحريري، الذي كانت طموحاته الوطنية لا تقف عند حدود، بينما طموحات غيره كانت في حفر مقابر مزعومة، وإحياء أحقاد طائفية، إلّا حين تشغله عنها إنتهازية الفرص الوضيعة.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” توازياً مع صدوره في صحيفة “النهار” اللبنانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى