لماذا قرار الولايات المتحدة بشأن مرتفعات الجولان والضفة الغربية وغزة خطيرٌ جداً

إن التحرك لإسقاط مصطلح “الإحتلال” أو “المحتلة” من الإشارات إلى مرتفعات الجولان والضفة الغربية وغزة يثير مخاوف خطيرة للفلسطينيين.

دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو: الأول يطبق سياسة الثاني بالكامل!

بقلم محسن أبو رمضان *

يأتي قرار الولايات المتحدة بإسقاط كلمة “الإحتلال” أو “المحتلة” عند الإشارة إلى مرتفعات الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة إمتداداً للسياسة الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب، الذي تبنّى مواقف حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليمينية بالكامل.
في العام الفائت، نقل ترامب السفارة الأميركية إلى القدس واعترف بالمدينة كعاصمة لإسرائيل. قام بتجميد المساعدات الأميركية لوكالة اللاجئين الفلسطينيين، “الأونروا”، وطالب بإعادة تعريف وضع اللاجئ الفلسطيني من خلال استبعاد الأجيال الجديدة، الأمر الذي من شأنه أن يُقلل عدد اللاجئين من أكثر من خمسة ملايين إلى حوالي 40,000.

توسيع المستوطنات

قررت إدارة ترامب أيضاً بأن التوسع المستمر للمستوطنات الإسرائيلية لم يكن ولن يكون عقبة أمام عملية السلام، مع العلم أن سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل، دايفيد فريدمان، هو أحد المؤيدين الرئيسيين لمشروع الإستيطان.
بالإضافة إلى ذلك، أغلقت الولايات المتحدة مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وجمّدت المساعدات الأميركية للفلسطينيين، التي قدرتها منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية بحوالي 7.3 مليارات دولار في الفترة من 1993 إلى 2017.
ولم ينتهِ الأمر عند هذا الحد. فقد سنّت الإدارة الأميركية قوانين لحظر تقديم الأموال لعائلات السجناء السياسيين والأفراد الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل، بذريعة “محاربة الإرهاب”.
كما أن أي شكل من أشكال الإنتقاد لإسرائيل صار يُعتبر مُعادياً للسامية، بما فيها “حركة المقاطعة وسحب الإستثمارات وفرض العقوبات”، والتي هي شكل من أشكال الإحتجاج القانوني والسلمي.
هذه التطورات تشكل جزءاً من الطريقة التي يبدو أن الولايات المتحدة ستتعامل بها مع القضية الفلسطينية والتي تقوم على إزالة الحلول السياسية القائمة على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وفقاً للقرارات والقانون الدوليين.
إن واشنطن تهدف إلى استبدال مثل هذه الخطط برؤية نتنياهو للنزاع – أي إيجاد حلول إنسانية قائمة على السلام الإقتصادي للسكان الفلسطينيين. في هذه الرؤية، يتم فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، ويتم تحويل المجتمعات الفلسطينية إلى جيوب متناثرة. الهدف النهائي هو القضاء على أسس الهوية الوطنية الفلسطينية.

“صفقة القرن”

عندما أصبحت خطط إدارة ترامب واضحة وفقاً ل”صفقة القرن” التي لم يتم الإعلان عنها بعد، ومع تقويض حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، تمر العلاقات العربية – الإسرائيلية بعملية تطبيع لتجاوز مبادرة السلام العربية التي أعلنت في بيروت في العام 2002.
لقد عرضت المبادرة علاقات طبيعية مع إسرائيل، شريطة أن تنسحب من الأراضي الفلسطينية المحتلة التي احتلتها في العام 1967، وتقبل بإقامة دولة فلسطينية على تلك الأراضي. في قمة “وارسو” الأخيرة، تم صياغة طريق آخر للعلاقات العربية – الإسرائيلية من خلال خلق “عدو” مشترك يتمثل بإيران – وهذا هو جزء من الدعاية الصهيونية المُضلّلة التي ترى مصلحة عربية – إسرائيلية مشتركة في مواجهة “التهديد الإيراني”.
ومع ذلك، فإن الهدف هو في الحقيقة إنشاء شاشة دخان أو ذرّ الرماد في العبون، وإتاحة الفرصة لإسرائيل لدخول الأسواق والموارد العربية والسيطرة عليها.
على الرغم من أنه لا يُمكن تجاهل الفروقات والخلافات الإيرانية – العربية، فإنه يُمكن حلّها من خلال التفاوض والحوار. ويُمكن تحقيق ذلك بطريقة تحمي مصالح جميع الأطراف في إطارٍ مُنظَّم – على أساس عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان المعنية – والذي يحافظ على احترام سيادتها ومصالحها وثروتها.
إذا تحقق ذلك، يظل التهديد الرئيسي هو الإحتلال الإسرائيلي، الذي يهدف إلى أن يصبح قوة عسكرية واقتصادية كبيرة يمكنها السيطرة على المنطقة.

إنتهاك القانون الدولي

إن قرار الولايات المتحدة بإزالة كلمة “الإحتلال” أو “المحتلة”، في انتهاك للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، يمنح الحكومة الإسرائيلية مجالاً واسعاً لتوسيع مشروعها الاستيطاني. سيسمح ذلك بمصادرة المزيد من الأراضي ونقل السكان والقضاء على أي فرصة لدولة فلسطينية، مما يمهد الطريق لضم إسرائيل الرسمي للأراضي الفلسطينية.
إن القرارات الأميركية الأخيرة بشأن فلسطين، ناهيك عن القضايا العالمية الأخرى، ليست مفاجئة. إن ترامب لا يؤمن بقواعد القانون الدولي المقننة بعد الحرب العالمية الثانية.
بدلاً من ذلك، يعتقد، كما فعل المستعمرون، أن الأدوات العسكرية والاقتصادية وحدها فعالة في المعادلات السياسية الدولية والمحلية، من دون اعتبار للمصالح المتبادلة أو مبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في تقرير المصير.
في هذا السياق، لا يؤدي قرار الولايات المتحدة بإسقاط كلمة “إحتلال” أو “محتلة” إلى تقويض أسس القانون الدولي في ما يتعلق بالأراضي المحتلة فحسب، بل إنه يتبنى السرد الصهيوني الذي يصف هذه الأراضي بأنها “حق تاريخي وديني” لليهود.
كما أنه يعزز حرمان الفلسطينيين والسوريين من حقوقهم، ويؤدي في نهاية المطاف بالتالي إلى تمزيق الروابط التاريخية للسكان الأصليين بأرضهم. هذا القرار يعطي شرعية للإحتلال من خلال السماح له بالقيام بما يشاء والتصرف كما يريد بهذه الأراضي، من دون مساءلة.
إنه يعطي زمام المبادرة إلى الهيجان الإستيطاني، ويفرض وقائع جديدة على الأرض في انتهاك لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334، الذي يدين المستوطنات – ويمهد الطريق لضمٍّ مُحتَمل لهذه الأراضي بالإدّعاء أنها تقع تحت “السيطرة الإسرائيلية”.

كيف سيردّ الفلسطينيون؟

هذا القرار يضرب في الواقع أسس جميع المبادرات التي تدعو إلى حل الدولتين، بما في ذلك مبادرة السلام العربية. إنه يعمل على إعداد الرأي العام لحل إ.سرائيلي للأراضي المحتلة، والذي يقوم على إدارة الشعب من دون الأرض ونزع ملكية الفلسطينيين وتجاهل حق اللاجئين في العودة.
أخيراً، يعمل القرار على “تشريع” نقل السفارة الأميركية إلى القدس – والإعتراف بالمدينة كعاصمة لدولة الإحتلال – من خلال استبعاد القدس من اعتبارها جزءاً من الأراضي المحتلة.
في مواجهة هذا الواقع، ووسط الأخطار المتأصّلة لقرار الولايات المتحدة، يجب على الفلسطينيين صياغة خطة لمواجهة ذلك بناءً على السرد الفلسطيني، والذي يجب أن يصبح ذات صلة مرة أخرى على المستويين العربي والدولي.
من الضروري أيضاً تسليط الضوء على طبيعة النزاع: أنه يتطلب تحريراً وطنياً إستناداً إلى قرارات دولية لمحاربة السياسات الإستعمارية – الإستيطانية والصهيونية والتمييزية – وهي سياسات تدعمها الإدارة الأميركية.

• محسن أبو رمضان هو المدير السابق لشبكة المنظمات غير الحكومية الفلسطينية.
• الآراء المعبر عنها في هذا المقال تخص المؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لـ”أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى