كُلُّهم نتنياهو!

يبدو أن فضائح بنيامين نتنياهو المتواصلة قد تؤدّي إلى خسارة حزبه “ليكود” أمام الوسط في الإنتخابات الإسرائيلية المقبلة، لكن من شأن تغيير في القيادة أن يُرسّخ الدعم اليميني للحزب.

بنيامين نتنياهو: هل اقتربت نهايته؟

بقلم ألبيرت وولف*

على مشارف الإنتخابات النيابية الإسرائيلية في التاسع من نيسان (إبريل)، يسعى بنيامين نتنياهو جاهداً لإنقاذ مستقبله السياسي وربما حريته الشخصية، بعدما وجّه إليه المدعي العام أفيخاي ماندلبليت الإتهام بالضلوع في أعمال رشوة واحتيال وخيانة الأمانة. وعلى ضوء تداعيات هذه الفضيحة على الرأي العام الإسرائيلي، يمنح الإستطلاع الأخير رئيس أركان الجيش سابقاً، بيني غانتس، وائتلافه الوسطي تقدّماً بواقع مقعدَين على كتلة نتنياهو اليمينية. وهكذا يطرح المأزق الشخصي الذي يتخبط فيه نتنياهو علامات استفهام حول مستقبل حزب الليكود واليمين الإسرائيلي برمته.
لقد تولّى جميع القادة الذين تعاقبوا على رئاسة الليكود منذ العام 1973، منصب رئاسة الوزراء، وهم مناحيم بيغن واسحق شامير وبنيامين نتنياهو وأرييل شارون. منذ عقدَين من الزمن تقريباً، لم يواجه الليكود معارضة فعلية. ولم يحقق حزب العمل، أي المعارضة اليسارية التقليدية في إسرائيل، فوزاً في أيٍّ من الجولات الإنتخابية التي شهدتها البلاد منذ العام 1999 – لا سيما بسبب التغييرات الديموقراطية داخل إسرائيل والتي أعطت الأفضلية لليمين الديني. كذلك خسر اليسار تدريجاً دعم القائمة العربية المشتركة وأحزاب أصغر حجماً، مثل حزب “ميرتس” اليساري وحزب “يش عتيد” الوسطي. كما أن التحدّي الذي شكّله حزب “كاديما” الوسطي لم يُعمِّر طويلاً، فعلى الرغم من أن الحزب فاز في انتخابات 2006 وشكّل حكومة في عهد إيهود أولمرت، فقد انحل لاحقاً بسبب المشاحنات الداخلية وتحقيقه نتائج هزيلة في انتخابات 2015.
لكن مع تأثير السجال المحيط بنتنياهو على صورة الليكود في نظر الرأي العام، يواجه الحزب التقليدي في اليمين الإسرائيلي تهديداً انتخابياً خطيراً من الوسط الذي رسّخ موقعه أخيراً. عندما أعلن الجنرال المستقل بيني غانتس بوضوح، في أواخر 2018، عن نيته الترشح لرئاسة الوزراء، قاربته جميع الأحزاب السياسية تقريباً، بدءاً من الليكود اليميني وصولاً إلى حزبَي “يش عتيد” والعمل اليساريَّين بهدف التودّد إليه وجذبه إلى صفها. لكنه قرّر في كانون الأول (ديسمبر) الفائت تأليف حزبه الوسطي “حصانة لإسرائيل”. وفي كانون الثاني (يناير)، إنضم إلى موشيه يعالون، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي سابقاً ومؤسّس حزب “تيلم”، لتشكيل التحالف الانتخابي “كاحول لافان” (أزرق أبيض). وانضم الحزب الوسطي “يش عتيد” (هناك مستقبل)، بقيادة وزير المال السابق يائير لابيد، إلى التحالف في شباط (فبراير)، ونجح بإقناع غابي أشكنازي، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي سابقاً، بالانضمام أيضاً إلى الحملة.
للوهلة الأولى، يبدو الليكوديون منسجمين في مواقفهم مع نتنياهو. بالفعل، المسافة الإيديولوجية الفاصلة بين كبار المرشحين لقيادة الليكود ضئيلة نسبياً. فلا أحد منهم يؤيّد حل الدولتَين مع الفلسطينيين. ويتنافسون في ما بينهم حول مَن هو الأكثر تديّناً، والأكثر صقورية في التعامل مع الشأن الإيراني، والأكثر دعماً للمستوطنين، ومَن هو الداعم الأكبر لقانون الدولة القومية (اليهودية). بيد أن نتنياهو يواجه تحديات داخلية من قادة حزبيين يعتبرون أن لديهم حظوظاً أفضل بحمل الليكود إلى الفوز في الإنتخابات المقبلة.
والتطور الأبرز هو حرب “العصابات” التي يخوضها نتنياهو، منذ منتصف شباط (فبراير)، ضد جدعون ساعر الذي استقال فجأةً من وزارة الداخلية في أيلول (سبتمبر) 2014 من دون تقديم تفسير وافٍ للأسباب التي دفعته إلى الإقدام على هذه الخطوة، ما أثار تكهّنات في ذلك الوقت بأنه يستعدّ لرفع التحدي في وجه نتنياهو أو أنه سيجري توجيه اتهام إليه. وقد حلّ ثانياً بعد نتنياهو في الانتخابات التمهيدية التي أُجريت في ذلك العام، وعندما أعلن ساعر أنه سيترشّح من جديد لانتخابات الكنيست في العام 2019، انتابت نتنياهو مخاوف شديدة من أن يعمد مرة أخرى إلى منافسته على قيادة الحزب. وفي شباط (فبراير)، حلّ ساعر في المرتبة الرابعة في قائمة الليكود الانتخابية في الانتخابات التمهيدية للحزب استعداداً للانتخابات المزمع إجراؤها في نيسان (إبريل) 2019. يتمتع ساعر بشخصية أكثر شباباً وحنكةً في التعاطي مع وسائل الإعلام (كانت زوجته مقدِّمة برامج تحظى بشعبية واسعة سابقاً) وتجمعه روابط عفوية وطبيعية مع الناخبين الشباب الإسرائيليين الذين فشلَ نتنياهو في كسبهم إلى صفّه.
غالب الظن أن المرشح الأساسي الآخر في مواجهة نتنياهو سيكون يسرائيل كاتس، القائم بأعمال وزارة الخارجية حالياً ووزير النقل سابقاً. يُنظَر إلى كاتس بأنه من آخر “الوحوش الكبرى” في حزب الليكود، أي من الأشخاص الذين عايشوا الحقبات التأسيسية للحزب، ويبدو أنه يحظى بالإستحسان لدى جيل مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية وكذلك لدى بعض الفئات العلمانية في صفوف الناخبين اليمينيين . إن قائمة المرشحين المُحتمَلين لزعامة الليكود طويلة، وتضم أسماء معروفة مثل رئيس الكنيست يولي إدلشتاين، ووزير الشؤون الاستراتيجية جلعاد إلدان، ووزيرة الثقافة ميري ريغيف، ووزير التعاون الإقليمي تساحي هنغبي، ورئيس بلدية القدس سابقاً نير بركات، ووزير الإسكان يوآف غالانت. لكن إذا صدر رسمياً قرار إتهامي بحق نتنياهو، وهو ما يبدو وشيكاً، غالب الظن أن كاتس أو ساعر سيخوض الحملة الأكثر جدّية للفوز برئاسة الحزب.
يطرح التوقيت المشكلة الأساسية في مسألة التنافس على قيادة الحزب. يفصلنا أقل من شهر عن الانتخابات، ولذلك سوف يتعيّن على المرشحين أن يخوضوا سباقاً قصيراً وسريعاً وماراثوناً في الوقت نفسه، بحيث يؤكّدون مجدداً للقاعدة حسن نواياهم الحزبية فيما يُعرِّفون الرأي العام إليهم من جديد. وهكذا إزاء صعوبة الدفع نحو تغيير القيادة ثم شنّ حملة ناجحة في الإنتخابات العامة، تتراجع احتمالات التنافس ضد نتنياهو مع اقتراب اليوم الانتخابي. من شأن انقلاب داخل الحزب أن يُعيد على الأرجح ضبط الأمور لمصلحة اليمين، إذ يبدو أن الرغبة في الإطاحة بنتنياهو هي الخيط الوحيد الذي يُبقي على اللحمة في صفوف التحالف الوسطي. ينتقد كثرٌ الاتجاه الذي قاد به نتنياهو إسرائيل، إنما ليس واضحاً على الإطلاق ما هو الاتجاه الذي سيجرّها إليه غانتز ولابيد. يُشار في هذا الصدد إلى أنهما سبق أن لمّحا إلى أنهما سيواصلان سياسات نتنياهو الأمنية ويحدّان من مفاعيل قانون الدولة القومية (اليهودية).
لم يعرف جيلٌ كامل من الإسرائيليين سوى نتنياهو قائداً للبلاد، ولذلك من الصعب تخيّل اليمين الإسرائيلي من دونه. فعلى النقيض من حزب العمل بعد هزيمة إيهود باراك في العام 2001، من غير المُحتمل أن ينخرط حزب الليكود في نقاش إيديولوجي مطوَّل حول مستقبل الحزب أو أن يواجه خطر خسارة حضوره السياسي. فعلى الرغم من كل المشكلات التي يُعاني منها نتنياهو على المستويات الشخصية والسياسية والقانونية، تحافظ سياسات الليكود على شعبيتها. فالحزب يتحكّم بخيوط السردية في الشؤون الخارجية ومسائل الأمن، لا سيما التفاوض مع الفلسطينيين، والحرب السورية، والخصومة مع إيران. أما سياسات حزبَي العمل وميرتس فتفتقر إلى الشعبية، ولا تحظى بقدر كبير من الإهتمام الجدّي. وفي الشؤون الداخلية، مثل قانون الدولة القومية الذي يُعرِّف إسرائيل بأنها دولة يهودية قومية-إثنية ويقلّص حقوق الأقليات، حقّق حزب الليكود وعداً أساسياً قطعه لقاعدته الشعبية وأنصار تحالفه. إن الإرث الأكبر الذي يتركه نتنياهو في السياسة هو ترسيخ الصوت الصهيوني اليميني المتديّن حول الليكود. وحيث لم يتمكن نتنياهو من توسيع امتداد الليكود وجاذبيته، عمدَ إلى دعم عمليات الإندماج بين أحزاب أصغر حجماً تنتمي إلى أقصى اليمين بغية توسيع نطاق الكتلة اليمينية، فساهمَ بذلك في تعزيز نفوذ حلفائه وتسهيل إنشاء حكومة إئتلافية محتملة من دون الحاجة إلى التوصل إلى تسوية مع الوسط أو اليسار.
إذا خسر حزب الليكود في الإنتخابات المقبلة، فغالب الظن أن السياسة الإسرائيلية التقليدية ستتحوّل نحو تشكيل تحالف كبير بين الليكود وكاحول لافان وحفنة من الأحزاب اليمينية، بما في ذلك حزب زهوت بزعامة موشيه فايغلين. صحيح أنه من شأن التحالف مع الليكود أن يُشكّل انتهاكاً للوعود التي قطعها حزب كاحول لافان، إلّا أن ماضي فايغلين في إثارة الإضطرابات يجعل الطرفَين يترددان في إنشاء تحالف معه. ففي العام 2014، قاد فايغلين حركة اليهود الذين قاموا بأداء طقوس العبادة في جبل الهيكل، ما تسبب بوقوع فوضى وأعمال عنف. وقد حرص نتنياهو على حصول فايغلين على مرتبة متدنّية في الانتخابات التمهيدية لحزب الليكود، ما ألقى به في دائرة النسيان السياسي لبعض الوقت.
يتعلق التغيير الأساسي الثاني بمسألة قيادة الليكود واليمين الأوسع في إسرائيل. إذا خسر الليكود في الانتخابات العامة، فمن المستبعد جداً أن يتمكّن نتنياهو من الاحتفاظ بقيادة الحزب، حتى لو كانت نتائج التصويت متقاربة. ومن المستبعد جداً أيضاً أن يتمكن من النهوض بفاعلية بمهام قائد المعارضة أو الرقم الثاني في حكومة ائتلافية (في منصب وزير الدفاع أو المال) فيما يواجه احتمال الملاحقة الجنائية في ثلاث تهم.

• ألبرت وولف عمد كلية الدراسات الدولية في الجامعة الأميركية في كردستان، دهوك. لمتابعته عبر تويتر: albertwolf82@
• عُرِّب هذا الموضوع من الإنكليزية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى