ماذا يريد عبد الفتاح السيسي من السودان؟

تأمل القاهرة، من خلال دعم الرئيس السوداني عمر البشير، أن تُقدّم الخرطوم تنازلات بشأن النزاعات الجارية مع مصر، ومنع عدم الإستقرار من الإمتداد عبر الحدود.

المظاهرات في السودان: هل تنجح في إسقاط نظام البشير؟

بقلم خالد محمود*

في 27 كانون الثاني (يناير)، قام الرئيس السوداني عمر البشير بزيارة مفاجئة إلى القاهرة، حيث أشاد بدور مصر في دعم “الإستقرار السوداني” ضد الإحتجاجات الواسعة النطاق المستمرة في السودان منذ 19 كانون الأول (ديسمبر). وتدعو التظاهرات ضد الوضع الاقتصادي المتدهور في السودان، إلى إنهاء نظام البشير، مما يشكل أكبر تحدٍّ له منذ توليه السلطة في العام 1989. وفي 25 كانون الثاني (يناير)، ألقى صادق المهدي، زعيم المعارضة الرئيسي في السودان، ثقله وراء إحتجاجات الشوارع المتصاعدة، معلناً تأييده المطلق لها. وعلى الرغم من محاولات النظام اليائسة لقمع المتظاهرين من خلال استخدام الغاز المسيل للدموع، والرصاص الحي، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 40 متظاهراً، وسجن ما يزيد عن 1000 منهم، تستمر الإحتجاجات في 11 مدينة سودانية على الأقل.
وتأتي زيارة البشير إلى القاهرة بعد أسابيع من دعم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للنظام السوداني. وفي 27 كانون الأول (ديسمبر)، بعد أيام فقط من اندلاع الإحتجاجات، توجه وزير الخارجية المصري سامح شكري ورئيس المخابرات عباس كامل إلى الخرطوم لإجراء محادثات حول العلاقات الثنائية لتعزيز ” التواصل الدائم بين الجانبين على كافة المستويات”. وفي 5 كانون الثاني (يناير)، إستقبل السيسي نائب الرئيس السوداني محمد الميرغني، وقال له إن “الاستقرار السوداني جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري”. إلا أن مصالح مصر الخارجية والاقتصادية والأمنية هي التي تدفع هذا الدعم للبشير.
وفي ما يتعلق بالسياسة الخارجية، فإن مصر تأمل في أن يؤدي دعم البشير في هذه المرحلة الدقيقة إلى دفع الخرطوم إلى التراجع عن دعمها لبناء إثيوبيا لسد النهضة الإثيوبي، على طول نهر النيل، والذي تعتبره مصر تهديداً لأمنها المائي. وبموجب الخطة الحالية، فإن حصة مصر من المياه، ستنخفض بمقدار 5 إلى 10 مليارات متر مكعب سنوياً، من إجمالي حصتها البالغة 55.5 مليار متر مكعب. وهذا من شأنه أن يجبر المزارعين المصريين على التخلي عن مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، ويجعل من الصعب على البلد الذي يعاني بالفعل من نقص في المياه، توفير ما يكفي من مياه الشرب لشعبه البالغ تعداده 100 مليون نسمة. إلّا أنه من شأن الخطط الإثيوبية أن تتيح للسودان الاحتفاظ بحصته الكاملة من مياه النيل، مما يسمح له بالإفادة من أكبر قدر من الأراضي غير المستغلة، التي تبلغ مساحتها 200 مليون فدان. كما أن زيادة إنتاج الطاقة الكهرومائية من سد النهضة، ستغني السودان عن الحاجة إلى بناء سدود إضافية على النيل.
ودافع السودان بقوة عن هذه المصالح، ما أدى إلى إغضاب القاهرة. في كانون الأول (ديسمبر) 2013، بعد أن اختتم وزراء الموارد المائية في مصر وإثيوبيا والسودان إجتماعهم الثاني حول هذه القضية في الخرطوم، إتّهمت القاهرة علناً الخرطوم بأنها “وسيط متحيز” لصالح إثيوبيا. ومنذ ذلك الحين، دفع البشير إلى توطيد العلاقات الثنائية مع أديس أبابا، قائلاً في مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي ميريام ديسيلين في نيسان (أبريل) 2017 إنه “لا يوجد حد للعلاقة بين البلدين، سياسياً واقتصادياً وتجارياً وثقافياً واجتماعياً وأمنياً”. كما أعلن البشير في تموز (يوليو) 2017 أن السودان قد اعتقل مجموعة من النشطاء من إريتريا تهدف إلى مهاجمة سد “النهضة”، وتعهّد بأن “تحمي الخرطوم السد للحفاظ على مصالحها”.
على الرغم من أن بناء السد يشارف على الإنتهاء، إلّا أن مصر تخشى من محاولات إثيوبيا لملئه بحلول العام 2022 لأن ذلك سيؤدّي سريعاً إلى استنزاف تدفق المياه في النيل. وعلى هذا الأساس فإن من شأن توطيد العلاقات المصرية-السودانية أن يُساهم في إقناع الخرطوم بالضغط على إثيوبيا لتبطىء عملية ملء السد، بما يمنح مصر مزيداً من الوقت لإيجاد مصادر بديلة من المياه العذبة.
وبالمثل، تأمل القاهرة في أن تساعد العلاقات المحسَّنة مع الخرطوم في حل النزاع الحدودي على مثلث حلايب لصالحها. علماً أن مثلث حلايب يُغطي 20.58 كيلومتراً مربعاً (7900 ميل مربع) في الركن الجنوبي الشرقي لمصر، وفي الركن الشمالي الشرقي من السودان، مع قرى عدة منها حلايب وأبو رمض ورأس الحضارية ومرسى حميرا وقرية أبرق. ويرى السودان أن المثلث حيوي بالنسبة إلى سلامة أراضيه، وفرصة لتوسيع تجارة البحر الأحمر، ويزعم أن له السيادة على المنطقة في ظل الحدود الإدارية البريطانية لعام 1902. كما أن لمصر مطالبة منافسة تستند إلى الاتفاقية الأنكلو – مصرية لعام 1899، وهي تعتبر أن المنطقة مهمة لحماية حدودها الجنوبية من التهديدات الخارجية.
تفرض مصر سيطرة إدارية على مثلث حلايب منذ منتصف تسعينات القرن الفائت، وترفض المزاعم السودانية. وفي آذار (مارس) 2017، إحتدم الخلاف عندما شكل السودان لجنة فنية لترسيم الحدود وطرد المصريين “من خلال الوسائل الديبلوماسية”. ثم في 17 نيسان (أبريل) 2017، أصدرت وزارة الخارجية السودانية بياناً رسمياً للمطالبة بإجراء مفاوضات مباشرة حول وضع مثلث حلايب، بحجة أن مصر قد أبدت بالفعل استعدادها للتفاوض مع المملكة العربية السعودية حول جزر تيران وصنافير. وعلى الرغم من أن المسؤولين في الوزارة هددوا باللجوء إلى التحكيم الدولي، إلا أن نظراءهم المصريين رفضوا المفاوضات المباشرة، وأكدوا أن المثلث تحت السيادة المصرية.
إحتدمت التشنجات عندما اتهم البشير مصر بدعم الجماعات المتمردة داخل السودان، وهو ما نفته الحكومة المصرية بشكل قاطع. كما تودد البشير إلى تركيا التي شهدت مصر علاقات متوترة معها منذ الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي في العام 2013. وفي كانون الأول (ديسمبر) 2017، منح السودان تركيا عقد إيجار مدته 99 عاماً على جزيرة سواكن الساحلية “لتجديدها”. وهو تحرك يرى مراقبون أنه تهديد بالكاد يكون مستتراً للأمن القومي المصري في البحر الأحمر نظراً إلى التوتر بين السيسي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. منذ آذار (مارس) 2017، حظّر السودان إستيراد مختلف السلع المصرية، بما في ذلك المنتجات الزراعية والأسماك المُعلَّبة، وتوقفت واردات المنتجات بسبب المخاوف على سلامة الأغذية. كما أن زيارة شكري وكامل للخرطوم، يمكن أن تكون علامة على أن النظام المصري يحاول تأسيس مقايضة: “مصر ستدعم البشير خلال الأزمة في مقابل إنهاء النزاعات، وفي المقام الأول سد النهضة ومثلث حلايب”.
وعلى الصعيد الداخلي، ترى مصر أيضاً أن دعم الحكومة السودانية سيمنع الإحتجاجات ضد التقشف من الإنتشار إلى مصر. فمن الناحية الإقتصادية، تشهد مصر والسودان حالة من الإنهيار، مما يجبر كلاً من السيسي والبشير على اتخاذ تدابير تقشف غير شعبية، مثل تحرير سعر الصرف. وقد اتخذت مصر سلسلة من القرارات التي تحاول تحريك الإقتصاد وإنعاشه، بما في ذلك زيادة أسعار الطاقة والمستحضرات الدوائية، وتعديل ضريبة الدخل، وفرض الضرائب على الهواتف المحمولة والسجائر. وقد ارتفع الدين الخارجي بمقدار 13.6 مليار دولار في سنة مالية واحدة ليصل إلى 92.6 مليار دولار في نهاية حزيران (يونيو) 2018. وبالمثل، خفضت الحكومة السودانية عملتها إلى 18 جنيهاً سودانياً مقابل كل دولار، وفرضت تعريفة جديدة على الكهرباء للقطاعات الصناعية والزراعية والتجارية، ورفعت الدعم عن القمح.
وكان الإرتفاع المتصاعد في التضخم، السبب الرئيسي للإحتجاجات التي دعت البشير إلى الاستقالة، حيث لم يعد بإمكان السودانيين العاديين تلبية نفقاتهم. ويخشى السيسي من تأثير هذه الاحتجاجات في الحدود، خصوصاً مع تراجع شعبيته المحلية. وبدأت الدعوة إلى الاحتجاجات الاقتصادية في الارتفاع – مثل حركة “إرحل يا سيسي” التي ظهرت في حزيران (يونيو) 2018 عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد ارتفاع أسعار الوقود. إن دعم البشير هو وسيلة للسيسي لسحق حركات المعارضة بالقوة، لإرسال رسالة إلى المصريين مفادها أن أي احتجاجات لن تُجدي نفعاً.
كما يخشى النظام المصري من أنه إذا استمرت الاحتجاجات السودانية لفترة طويلة، فإن استمرار العنف والفوضى سوف يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الأمنية على طول الحدود، حيث يقوم المهربون بتهريب الأسلحة والذخائر والصواريخ إلى سيناء وغزة. فعلى سبيل المثال، في تشرين الأول (أكتوبر) 2017، ألقت قوات الأمن المصرية القبض على ثلاثة مشتبه بهم بحوزتهم 106 أسلحة نارية و20 ألف طلقة ذخيرة تم تهريبها من السودان إلى محافظة قنا في صعيد مصر. كما يأخذ المهربون مواطنين من دول إفريقيا جنوب الصحراء عبر الحدود المصرية السودانية، ولا سيما اللاجئين الأريتريين الذين يسعون للوصول إلى إسرائيل. وهكذا، فإن السيسي يدعم البشير بدافع القلق من أن عدم الاستقرار سيزيد التهريب إلى مصر، ومن أجل ضمان دعم البشير لتشديد الأمن على طول الحدود.
ويحاول السيسي، عبر تقديمه الدعم إلى البشير، حماية حكمه. ولكن وزارة الخارجية المصرية تُذكّر البشير، من خلال تسليط الضوء على دعمها للاستقرار السوداني، بأنها تستطيع سحب هذا الدعم في أي وقت. وهذا يسمح لمصر باستغلال الاحتجاجات لزيادة الضغط على البشير، وتحديد أكبر عدد ممكن من التنازلات.
إذا بقي البشير في السلطة، فقد يوطد علاقاته مع مصر، ويتعاون في المجالات الأمنية والاقتصادية وغيرها. على سبيل المثال، أكّد البشير خلال زيارته لمصر على أهمية التعاون الأمني معها، مشيراً إلى التزامٍ بالتعاون حتى بعد انقضاء التهديد المباشر الذي تُشكّله الاحتجاجات. ولكن إذا نجحت الانتفاضة الشعبية في الإطاحة بالبشير، فمن المرجح أن تواجه مصر حكومة أكثر عدائية، حتى لو حاولت تصوير دعمها للبشير على أنه كان للحفاظ على الإستقرار السوداني.

• خالد محمود صحافي مصري متخصص في الشؤون السياسية وحقوق الإنسان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى