التَهديدُ الرئيس لمياه الشرق الأوسط: الحُكمُ السيّىء

كابي طبراني*

في العام 1798، أوجَزَ الخبير الإقتصادي والديموغرافي الإنكليزي توماس مالتوس إحدى نظرياته بالقول: إن قدرةَ الأرض على دعمِ البشر لن تكون كافية لمواكبةِ النموِّ السكّاني الهائل. لحسن الحظ، ثَبَتَ حتى الآن أنه كان على خطأ إلى حدٍّ كبير. كان عددُ سكان هذا الكوكب عندما كتب نظريته حوالي 800 مليون نسمة. لو كانت ملاحظاته صحيحة، لما وصلنا إلى العدد الحالي لسكان الأرض الذي يُقارب ثمانية مليارات. لكن التحذير لا يزال ذا صلة، خصوصاً ونحن ندخل عصراً غير مسبوق من عدم الاستقرار البيئي.

هناك تهديداتٌ قليلة أكثر إلحاحاً من إمدادات المياه العالمية. تُقدّر الأمم المتحدة أنه بحلول العام 2025، سيعيش 1.8 مليار شخص في مناطق تُعاني من ندرة المياه المُطلَقة، والتي تُعرَّف بعدم القدرة على تلبية الطلب بعد تنفيذ جميع محاولات الحفظ.

اليوم، تُعَدُّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أوائل المناطق التي تضرّرت من الأزمة. فهي تضم 6% من سكان العالم وأقل من 2% من الموارد المائية المُتجَدّدة عالمياً. كما هي المنطقة الأكثر جفافاً في العالم، حيث تضم أكثر 12 بلداً يعاني من ندرة المياه في العالم: الجزائر والبحرين والكويت والأردن وليبيا وسلطنة عُمان والأراضي الفلسطينية وقطر والسعودية وتونس والإمارات واليمن. وفي المتوسط، لا يتجاوز توفّر المياه في المنطقة ال1200 متر مكعب، أيّ أقل بحوالي ست مرات عن المتوسط العالمي البالغ 7000 متر مُكَعب.

ولا تستطيع غالبية بلدان المنطقة تلبية الطلب الحالي للماء بشكلٍ مُستدام. ومع نمو السكان وزيادة الطلب، فإن نصيب الفرد من وفرة المياه سينخفض إلى النصف بحلول العام 2050.

وتُظهرُ دراسة للبنك الدولي، استمرت سبع سنوات وانتهت في العام 2009، أن معدل فقدان احتياطي المياه العذبة في المنطقة يُعادل تقريباً حجم البحر الميت بأكمله، ما يجعله أعلى معدل لفقدان المياه العذبة على وجه الأرض خلال ذلك الوقت.

ومع ذلك فإن أجزاءً عدّة في المنطقة، وتحديداً بلدان مجلس التعاون الخليجي، تُسجل بعض أعلى معدلات استهلاك المياه للفرد في العالم. وتشهد هذه البلدان أيضاً أكبر الفجوات بين إمدادات المياه المُتجدّدة والطلب: فالبحرين تستخدم 220% من احتياطي المياه المُتجدّدة لديها مقابل 943% في السعودية و2465% في الكويت.

وخلال السنوات الثلاثين الماضية إنخفض مستوى المياه الجوفية في دولة الإمارات حوالي متراً واحداً كل عام. وبالمعدل الحالي، من المُقدَّر أن تستنفد البلاد مواردها من المياه العذبة الطبيعية خلال حوالي 50 عاماً.

ويعتمد كثيرٌ من بلدان المنطقة على تحلية مياه البحر لتلبية الطلب على المياه. فأكثر من 75% من مياه البحر المُحلّاة في العالم موجودة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، 70% منها في بلدان مجلس التعاون الخليجي (السعودية والكويت وقطر والبحرين والإمارات) و6% في ليبيا والجزائر.

ومن المتوقع أن يسفر عن تغيّر المناخ انخفاض معدلات هطول الأمطار بنسبة 20 في المئة وزيادة معدلات التبخّر، ما يزيد من ندرة المياه. ففي سوريا، على سبيل المثال، قد يؤدي ارتفاع درجات الحرارة ونقص هطول الأمطار والأحداث المناخية غير المُتَوَقَّعة إلى تصحّر 60% من أراضيها.

مع ذلك، لا تزال غالبية البلدان في المنطقة قادرة على إدارة صنابير المياه، لكن بعضها يتعرّض للدمار فعلياً. بعد الجفاف الذي بدأ في آذار (مارس) الفائت، تشهد إيران الآن احتجاجات دامية في مقاطعة خوزستان. وقالت منظمة العفو الدولية، إن تسعة متظاهرين ومارّة على الأقل قُتلوا. وأعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، يوم الجمعة الفائت، أن أربعة ملايين شخص في لبنان مُعَرَّضون لخطر فقدان المياه الصالحة للشرب، ربعهم من اللاجئين. كما أن الحرب في اليمن تُفاقِم معاناة اليمنيين من نقص مياه الشرب وتدفعهم لاستخدام مياه الأمطار المُلوَّثة بالجراثيم وبقايا التربة. ولم تفلح جهود منظماتٍ دولية وأخرى فاعلة للخير حتى الآن في الحدّ من هذه المشكلة التي تُسبّب الكوليرا وأمراضاً أخرى.

سيتعيّن على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أيضاً التعامل مع الندرة كقضية جيوسياسية. يُعتَبَرُ الخلاف بين إثيوبيا والسودان ومصر حول خطة أديس أبابا لبناء سد “النهضة” الضخم على النيل مثالاً على التوازنات الديبلوماسية المُعقّدة التي يجب تحقيقها بين الدول التي تُمارس حقّها السيادي في إدارة إمدادات المياه ضد حقوق دول الجوار لعدم تهديدها.

منطقتنا على علمٍ بهذا التهديد الطبيعي منذ سنوات. لكن أداء بلدان مثل إيران ولبنان أسوأ بكثير بسبب قضية غير بيئية: الحُكمُ السيّئ. قامت إيران ببناء 600 سد منذ الثورة، ما تسبّب في معدلات تبخّر ضخمة مهدورة من الخزانات. وفي لبنان، دفعت الأزمة الاقتصادية، التي كان يُمكن تفاديها ويُغذّيها الفساد السياسي والتقاعس، البنية التحتية المائية إلى حافة الهاوية.

مع ذلك، لا يزال هناك أمل للبلدان التي لم تُخطّط بشكلٍ كافٍ لتجنّب ما توقعه الخبير الإنكليزي مالتوس، لكن الحكومات ستحتاج إلى التعرّف على الأخطاء، والعمل بسرعة، والتعويض عن دورها في تأجيج هذه الأزمة المُبكِرة.

  • كابي طبراني هو ناشر ورئيس تحرير مجلة وموقع “أسواق العرب”. ألّف خمسة كتب بالعربية والإنكليزية من بينها “الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني: من وعد بلفور إلى إعلان بوش” (2008)؛ “كيف تُخطّط إيران لمواجهة أميركا والهَيمَنة على الشرق الأوسط” (2008)؛ و”معاقل الجهاد الجديدة: لماذا فشل الغرب في احتواء الأصولية الإسلامية”، (2011). يُمكن متابعته عبر موقعه: gabrielgtabarani.com أو عبر تويتر على:  @GabyTabarani

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى