لماذا فشلت وساطة مصر لتوحيد الجيش الليبي؟

يبدو أن جهود الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للوساطة لإعادة توحيد الجيش الليبي لا تدور حول تحقيق الإستقرار في جارته الغربية، وإنما تسعى إلى تمكين المشير خليفة حفتر من السيطرة على الأعداء “الإسلاميين”.

الجيش الليبي: هل يتوحد مع باقي القوات الأمنية في البلاد؟

بقلم خالد محمود*

في 23 تشرين الاول (أكتوبر) الفائت، إنهارت المفاوضات بين الجيش الوطني الليبي – الفصيل العسكري الذي يقوده المشير خليفة حفتر، والذي يسيطر على معظم شرق ليبيا – والقوات العسكرية التي تقودها حكومة الوفاق المُعترَف بها دولياً في طرابلس مرة أخرى. بعد أكثر من ستة أشهر من التأجيل، إستؤنفت المفاوضات في القاهرة قبل أكثر من أسبوع، الأمر الذي عكس الرغبة المصرية إلى إستقرار جارتها الغربية من خلال توحيد القوات العسكرية المُجزَّأة. لكن إنهيار الحوار حول من سيكون قائداً عاماً للقوات المسلحة كشف أن القاهرة تستخدم هذه المبادرة بدلاً من ذلك لدعم حفتر.
لقد أصبح حفتر حليفاً مُقرَّباً من مصر، منذ أن رفض تمديد عمل “المؤتمر الوطني العام” – الذي تُهيمن عليه جماعة “الإخوان المسلمين” – في كانون الثاني (يناير) 2014. وفي شهر أيار (مايو) من العام ذاته، ساعدت مصر حفتر على إطلاق حملة ضد الإسلاميين، وليس فقط الجماعات المتطرفة مثل تنظيم “الدولة الإسلامية”، ولكن أيضا الميليشيات في بنغازي. وترى القاهرة أن حفتر أكبر حليف لها في حربها الإقليمية على الإسلاميين، حيث تقوم بتزويده بالسلاح والمال وحتى الجنود في إنتهاك لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا، إلا أنه لم ينجح في السيطرة على الصراع. وفي آب (أغسطس) 2016 قرر الرئيس عبد الفتاح السيسي، بتشجيع فرنسي وأممي لدفع عملية السلام، إنشاء لجنة مصرية للشؤون الليبية برئاسة رئيس أركان القوات المسلحة الفريق محمود حجازي لجمع كافة الأطراف الليبية في حوار. ولم تكن مصر تأمل فقط في أن تتمكن من التوصّل إلى نتيجة جيدة بالنسبة إلى حفتر، لكنّ نجاحها أيضاً في إعادة توحيد القوات المسلحة سيحثّ الأمم المتحدة على رفع حظرها عن تصدير الأسلحة إلى الجيش الليبي، الذي تعتبره مصر مُعطِّلاً لتقدم قوات حفتر. وشهدت جولات المفاوضات الست الأولى في القاهرة، بين ضباطٍ من المناطق الشرقية والغربية في ليبيا، تقدماً حتى أيار (مارس) 2018، عندما وافقوا على تشكيل لجانٍ تقنية من ضباط من كلا المنطقتين لإعادة هيكلة الجيش.
وعلى الرغم من أن تقارير إعلامية في ذلك الوقت، أشارت إلى أن اللجان إنتهت من معظم تفاصيل الإتفاق، إلا أن مفاوضات القاهرة ظلت عالقة لأشهر عدة من دون تفسير رسمي. وأشارت تقارير عدة إلى أنها توقّفت بسبب رفض حفتر الإعتراف بالإتفاق السياسي الليبي، أو أن يكون رئيس مجلس الوزراء لحكومة الوفاق الوطني، فايز السراج، هو القائد الأعلى للجيش.
وعندما إستؤنفت الجولة الأخيرة من المفاوضات فجأة في 17 تشرين الاول (أكتوبر)، عقد المتحدث باسم الجيش الليبي، العميد أحمد المسماري، مؤتمراً صحافياً، أشار خلاله إلى حلّ هذا الخلاف الأخير. وقال إن الضباط الذين لم يكشف عن أسمائهم، وحضروا الإجتماع، أعدّوا مسودة نهائية لاتفاق توحيد الجيش جاهزة للتوقيع من الجانبين، والتي تضمن أن بكون حفتر قائداً عاماً للجيش، حيث يرأس الجميع باستثناء الرئيس المنتخب. وذكرت المسودة أيضا أن “الجيش سيخضع لما يرتضيه الشعب” ما يعني ضمنياً أن الجيش لن يخضع للسيطرة المدنية إلّا بعد الإنتخابات.
ولم يذكر المسماري، ما إذا المجلس الرئاسي المُعترَف به دولياً، والذي يترأسه السراج، سيتحمل مسؤوليات القائد الأعلى حتى يتم إجراء الإنتخابات. فيما ينص الإتفاق السياسي الذي تم توقيعه في كانون الاول (ديسمبر) 2015 على أن المجلس الرئاسي هو القائد الأعلى للجيش. ومع ذلك، يرى حفتر، إنه منذ إنتهاء صلاحية حكومة الوفاق طبقاً للإتفاق السياسي في 17 كانون الاول (ديسمبر) 2017، فإنه لا توجد حكومة شرعية ليخضع لها. ورداً على ذلك، عقد السراج، مؤتمراً صحافياً، ليسخر من تعليقات المسماري، حيث وصفها بأنها ” غير مسؤولة”. وبسبب عدم توضيح الصلاحيات العسكرية للمجلس الرئاسي، رفض حضور إجتماع 24 تشرين الاول (أكتوبر)، الأمر الذي تسبب بإيقاف المفاوضات مرة أخرى.
وحتى لو تمكنت مصر من التوسّط في توحيد الفصائل العسكرية الليبية، فإن ذلك لن يساعد على إزالة تهديدات المتطرفين لأمنها القومي. وهذا يتطلب عملية مُنفصلة لتوحيد ومراقبة جهود الشرطة التي تُدار حالياً من قبل مجموعة واسعة من الألوية الأمنية القبلية والميليشيات غير المُنتسبة والقوى السلفية. لذا فهي لا تسعى في نهاية المطاف إلى إعادة توحيد الجيش المُجزَّأ لمحاربة المتتطرفين، كما تزعم، ولكنها تسعى بكل الوسائل الممكنة إلى دعم حفتر وإعطائه اليد العليا ضد الإسلاميين.
إن هدف مصر الأساسي هو مواجهة ظاهرة إنتشار الإسلام السياسي، لا سيما في البلدان المجاورة، التي يمكن أن تُشكل تهديداً للأمن القومي. إن النجاح الإنتخابي للأحزاب السياسية المُرتبطة ب”الإخوان المسلمين” في تونس ومصر والمغرب أدى إلى تأجيج مخاوف السيسي من أنهم يسعون إلى السيطرة على العالم العربي، وبالتالي إضعاف النفوذ المصري الإقليمي، ومساعدة الإسلاميين المصريين على تعزيز وجودهم. وفي ليبيا، يعتبر أن أكبر تهديد هو جماعة “الإخوان المسلمين” الليبية. فعلى الرغم من أن الجماعة فقدت الكثير من التأثير منذ فوز حزب العدالة والعدل بـ34 مقعداً من أصل 200 مقعد في الإنتخابات التشريعية في تموز (يوليو) 2012، إلّا أن هناك أعضاء منها في المجلس الأعلى للدولة، بما في ذلك رئيس المجلس خالد المشري، كما تربطها علاقات طيبة مع أحمد معيتيق وعبد السلام كاجمان في المجلس الرئاسي.
بالإضافة إلى ذلك، يسعى السيسي إلى السيطرة على الوضع في ليبيا لمواجهة التهديد المُحتمَل من الجماعات الإرهابية في غرب مصر. واستهدف العديد من الهجمات التي شنتها الجماعات الإرهابية في ليبيا الجيش والشرطة في مصر، وأبرزها كان في 19 تشرين الأول (أكتوبر) 2017، عندما قتل مسلحون تدربوا في معسكرات في ليبيا أكثر من 50 ضابط شرطة على الطريق السريع بين الجيزة وغرب الصحراء. وتنظيم “القاعدة” الذي يُشتبه في وقوفه وراء العديد من هذه الهجمات، لا يزال يعزز وجوده في جنوب شرق ليبيا، وبناء خلايا نائمة في مصر. وتأمل الحكومة المصرية في دعم حفتر المُناهض للإسلاميين، الذي تمكنت قواته من القبض على الإرهابي المصري هشام عشماوي، خلال غارة في درنة في تشرين الاول (أكتوبر) 2018، في القضاء على هذه الجماعات.
وفي دعمه لحفتر، يأمل السيسي أيضاً الإثبات أن نموذج الحكم العسكري قادرٌ على توفير الأمن والإستقرار. ومع ذلك فإن انحياز مصر الواضح في الأزمة الليبية، من المرجح أن يُصعِّد الإنقسامات والفوضى. وتدخلت تركيا وقطر أيضاً لتزويد الميليشيات المناهضة لحفتر بالمال والسلاح. في هذه الأثناء، تفيد المعلومات أن السراج يحاول إسناد المفاوضات لتوحيد الجيش بعيداً من الوساطة المصرية، التي تُعتبر أهم أداة لتمكين حليفها حفتر وللحفاظ على وجود نشط لها في السياسة الليبية. وإذا نجحت هذه الخطوة، فإنها ستكشف عن تحيّز مصر، وتُضعف مصداقيتها كوسيط لمفاوضات مستقبلية مُحتمَلة، وبالتالي إضعاف نفوذها العسكري عبر حفتر، وقدرتها على العمل ضد التهديدات الإرهابية.

• خالد محمود صحافي مصري متخصص في الشؤون السياسية وحقوق الإنسان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى