السودان: سنةٌ مَضَت ولا سلام

في حين أنه من المُمكِن أن ينتهي الصراعُ في السودان بانتصارِ عبد الفتاح البرهان أو محمد حمدان دقلو (حميدتي) ــ وهو التطور الذي من شأنه أن يُمَهِّدَ الطريق على الأرجح لنظامٍ استبدادي جديد في السودان بغضِّ النظر عن الطرف الذي سيفوزــ فإنَّ المجتمع الدولي، وخصوصًا الولايات المتحدة وحلفاؤها، يمكنه تحدّي هذا الاحتمال من خلال دعم الحركة المدنية في البلاد.

الوضع في السودان لم يعد يُحتمَل: 18 مليون شخص يُواجِهون انعدامَ الأمن الغذائي الحاد بسببِ الصراع المُتفاقِم.

جهاد ماشامون*

مُنذُ 15 نيسان (أبريل) 2023، يتحمّلُ الشعب السوداني وطأةَ الحرب الأهلية في البلاد. ووفقًا للمجلس النروجي للاجئين، نزحَ أكثر من 9 ملايين شخص داخليًا خلال العام الماضي، واضطرَّ 1.7 مليون آخرين إلى الفرار إلى الدول المجاورة. ويُقَدِّرُ برنامجُ الأغذية العالمي أنَّ ما يقرب من 18 مليون شخص يُواجِهون انعدامَ الأمن الغذائي الحاد بسببِ الصراع المُتفاقِم.

يبدو السلامُ حاليًا احتمالًا بعيدَ المنال، نتيجةَ فشلِ الجهودِ الديبلوماسية حتى الآن في إقناعِ كلٍّ من الجنرال عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد القوات المسلحة السودانية، والجنرال محمد حمدان دقلو (المعروف بـ”حميدتي”) قائد قوات الدعم السريع شبه العسكرية، لإنهاءِ الصراعِ من خلالِ تسويةٍ سياسية. ولا يَرجَعُ هذا الوضعُ إلى قلّةِ المحاولات في الأشهر الأخيرة: فقد عُقِدَت محادثاتٌ رفيعةُ المستوى في المنامة في كانون الثاني (يناير)؛ وعَرَضَ عبد الحميد الدبيبة، رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية الليبية، التوسّطَ بين الجانبَين في شباط (فبراير)؛ وتضغطُ الولايات المتحدة من أجلِ استئناف المفاوضات في المملكة العربية السعودية هذا الربيع؛ وتجري حاليًا محادثاتٌ عبر القنوات الخلفية في كلٍّ من القاهرة وجوبا.

وبينما قَبِلَ البرهان وحميدتي عَرضَ الدبيبة للوساطة في وقتٍ سابقٍ من هذا العام، كانت هذه خطوةً تكتيكية إلى حدٍّ كبير تهدفُ إلى اكتسابِ الشرعية الإقليمية والدولية، حتى مع استمرارهما في قتال بعضهما البعض. ويريدُ كلا القائدين العسكريين إبقاءَ خيار الوساطة مفتوحًا حتى يحين التوقيتُ المُناسِب لحوارٍ سياسيٍّ مُناسب، أي بعد أن يَضعَفَ أحدهما بشكلٍ كبير، ما يُمَهِّدُ من جهة الطريقَ لخروجٍ آمن لطرفٍ وانتصارٍ سياسي وعسكري أيضًا، كما السيطرة على المرحلة الانتقالية في السودان بعد الصراعِ من جهة أخرى. في الجوهر، لا يُريدُ البرهان ولا حميدتي استخدامَ العملية للتوصل إلى اتفاقٍ لتقاسُمِ السلطة مماثل لذلك المُوَقَّع في 2019 أو 2021؛ بدلًا من ذلك، يريدان ترتيبًا يُمهّدُ الطريقَ لنظامٍ استبدادي جديد يرأسه المُنتَصِر.

خلفيّة الصراع

في البداية، اعتقَدَ كلٌّ من البرهان وحميدتي أنَّ الصراعَ سينتهي بسرعة، مع إقصاء أحدهما وعدم قدرته على المشاركة في أيِّ عمليةٍ انتقالية مستقبلية. وهذا يفسّرُ سببَ عَدَمِ احترامِ أيٍّ من الطرَفَين لاتفاقٍ وقفِ إطلاقِ النار المُوَقَّع خلال محادثات جدة في أيار (مايو) 2023.

اعتَقَدَ حميدتي أنَّ تحقيقَ نَصرٍ خاطفٍ مُمكنٌ، نتيجةً لموقع ووجود قوات الدعم السريع في المناطق الاستراتيجية في الخرطوم، والتي اعتقدت أن ذلك سيساعد على القبض على البرهان وغيره من كبار جنرالات القوات المسلحة السودانية. وكان ذلك يتماشى مع جهودها لتعزيز صورة حميدتي كحامٍ للفترة الانتقالية، التي بدأت بالإطاحة بالزعيم السوداني الاستبدادي عمر البشير في العام 2019، لدَعمِ طموحاته الرئاسية.

في الوقت نفسه، اعتقدَ البرهان أنَّ التفوّقَ الجوي للقوات المسلحة السودانية والمدفعية والمعدات العسكرية الثقيلة ستكون كافيةً لهزيمةِ قوات الدعم السريع بسرعة. والأهم من ذلك، أنه اعتقد أيضًا أنَّ بإمكانه تقويض معنويات قوات الدعم السريع من خلال دعوة ضباط القوات المسلحة السودانية المُعارِين إلى القوة شبه العسكرية للتخلّي عنها – وبالفعل عاد حوالي 480 من هؤلاء الضباط إلى القوّات المسلّحة السودانية.

مع ذلك، مع استمرارِ الحرب لأسابيع، ثم أشهر، فإنَّ المشاركة المفتوحة للداعمين الإقليميين والدوليين على كلا الجانبين أدّت إلى تعقيدِ الأمور. من جانب حميدتي وقوات الدعم السريع، كان دعم الإمارات العربية المتحدة واضحًا، حيث يَزعَمُ بعض التقارير أنَّ المساعدات الإنسانية التي تقدمها الإمارات إلى السودان عبر تشاد كانت تغطيةً لإمداداتها من الأسلحة إلى قوات الدعم السريع. كما ينظرُ البرهان وحلفاؤه إلى إثيوبيا وكينيا باعتبارهما حليفتين لقوات الدعم السريع، بعد أن دعا البلدان إلى تدخّلِ القوة الاحتياطية لشرق أفريقيا وفَرضِ منطقة حظر جوي في الخرطوم خلال قمة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) في الخرطوم في حزيران (يونيو) 2023. وكان لذلك تأثيرٌ سياسي كبير، حيث حَرَمَ القوات المسلحة السودانية فعليًا من فرصةِ هزيمةِ قوات الدعم السريع بسرعة، وبالتالي مَنحِ البرهان وحلفائه الشرعية لقيادة السودان. وفي الوقت نفسه، سمحت إثيوبيا وكينيا لقوى الحرية والتغيير، التحالف المدني الذي أطاحه البرهان وحميدتي من السلطة عبر انقلابهما في 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، بالتنظيم في كلا البلدين من أجل الحصول على الشرعية الدولية. هناك دلائل تشير إلى أن بعض القادة داخل قوى الحرية والتغيير يميلُ نحو حميدتي وقوات الدعم السريع.

من جانب البرهان وحلفائه، قدّمت مصر الدعم السياسي وعُقِدَت قمة في تموز (يوليو) 2023 دعت دول المنطقة إلى عدم التدخّلِ في السودان. وبحسب نزار عبد العزيز، الأمين العام لائتلاف الجبهة الوطنية العريضة، أرسلت القاهرة أيضًا قوّاتها الجوية لمهاجمة مواقع قوات الدعم السريع في الخرطوم. بالإضافة إلى ذلك، تُشيرُ التقارير إلى أنَّ إيران أرسلت طائراتٍ مُسَيَّرة إلى البرهان لاستخدامها كأسلحةٍ دقيقة لمكافحة تكتيكات الكرِّ والفَرِّ التي تتبعها قوات الدعم السريع. وبحسب بعض المصادر المطّلعة، يعتزمُ البرهان استخدامَ التهديد الإيراني لإثارةِ مخاوف دولة الإمارات من فقدان الوصول إلى البحر الأحمر إذا استمرّت في دَعمِ حميدتي وقوات الدعم السريع. لقد قامت دولة الإمارات ببناءِ نفوذها في البحر الأحمر في السنوات الأخيرة، لتشجيع الولايات المتحدة على النظرِ إليها باعتبارها الشريك المُفَضَّل في المنطقة، مما يمنحها نفوذًا سياسيًا وعسكريًا كبيرًا في كلٍّ من الشرق الأوسط وأفريقيا.

حساباتٌ سياسية

وكما ذكرنا أعلاه، فقد قَبِلَ حميدتي والبرهان عروضَ الوساطة لتعزيزِ شرعيتهما في الداخل والخارج، وكلاهما غير متوَفِّر.

ركّزَت قوات الدعم السريع على إصلاحِ صورتها على المستوى الدولي، خصوصًا مع الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين. ويُمثّلُ هذا تحوُّلًا في نَهجِ حميدتي من الظهور كمُدافِعٍ عن انتقال السودان إلى الديموقراطية على نطاقٍ أوسع إلى وجودِ برنامجٍ سياسيٍّ واضحٍ مع استمرارِ الحرب. وهذا يدلُّ على استعداده لتغيير أجندته بما يتماشى مع التطورات في ساحة المعركة وبسبب ضغوطِ المجتمع الدولي.

نتيجةً لذلك، حَوَّلَ حميدتي تركيز رسائله من السعي إلى القبض على البرهان وغيره من أعضاء النظام السابق في بدايةِ الصراع إلى الدعوة إلى حوارٍ سياسي لإنهاء القتال، للسماح له بأن يكونَ شريكًا في عمليةِ فترةٍ انتقاليةٍ جديدة في ظلِّ نظامٍ فيدرالي. إنه يريدُ أن يكونَ جُزءًا من أيِّ عمليةٍ انتقاليةٍ مُستقبلية لأنه يحمل طموحات رئاسية، ويهدف إلى حماية مصالحه الاقتصادية، ويسعى إلى الحصول على حصانةٍ من الملاحقة القضائية لإصداره أوامر لقوات الدعم السريع بمهاجمة المتظاهرين السلميين المؤيّدين للديموقراطية في الخرطوم في 3 حزيران (يونيو) 2019، ما أسفر عن مقتل أكثر من 100 متظاهر.

أدّى تطهيرُ موقع الاحتجاج في الخرطوم إلى تشويه الصورة التي كان حميدتي يسعى إلى بنائها منذ أن ألقت قوات الدعم السريع القبض على الرئيس السابق البشير في نيسان (أبريل) 2019. ومنذ ذلك الحين، حاول حميدتي الظهور كصانعِ سلامٍ من خلالِ إبرامِ اتفاقِ جوبا للسلام في العام 2020، والذي دَمَجَ الحركات المسلّحة التي تحدّت البشير في الحكومة الانتقالية، وركّزَ على إقامة علاقاتٍ وثيقةٍ مع قوى الحرية والتغيير من خلال تأييد إعلانها الدستوري في العام 2022.

جاء هذا التحوُّلُ أيضًا بعد أن شنَّت قواتُ الدَعمِ السريع حملةَ هَياجٍ في مدنٍ وبلدات السودان. وأدّى العُنفُ في الخرطوم نفسها إلى نزوحِ الملايين من سكانها إلى المدن والبلدات المجاورة، فضلًا عن نَهبِ مواقع التراث الوطني مثل المتحف الوطني السوداني والأرشيف التاريخي. وفي دارفور، اتُّهِمَت قواتُ الدَعمِ السريع بقتلِ الآلاف من أفرادِ قبيلة المساليت، وهي قبيلة أصلية، في هجماتٍ قال مراقبو الأمم المتحدة إنها “قد ترقى إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”، فضلًا عن التهجير القسري لـ500 ألف شخص من دارفور إلى تشاد. بالإضافة إلى ذلك، تمَّ توجيهُ اتهاماتٍ أيضًا إلى قوات الدعم السريع بنَهبِ وسَلبِ منازل المدنيين بالإضافة إلى إرسالِ البضائعِ المسروقة عبر الحدود إلى تشاد.

وتواجه قوات الدعم السريع أيضًا قيودًا تشغيلية. في حين أثبتت تكتيكات الكَرِّ والفَرّ فعاليتها في تمكينها من الاستيلاء على أراضٍ وتوسيع سيطرتها، إلّا أنها لا تملك القدرات المالية والعسكرية اللازمة لمواصلةِ حربٍ طويلة، خصوصًا أنَّ شركاتها الواجهة: شركة الجُنيد للأنشطة المتعددة المحدودة المسؤولية، شركة جي أس كاي أدفانس كومباني المحدودة، شركة تراديف للتجارة العامة المحدودة المسؤولية،  أصبحت كلّها الآن خاضعة لعقوباتٍ دولية.

بالنسبة إلى البرهان، تدعمُ الحربُ محاولته اكتساب الشرعية السياسية من خلالِ الإدّعاء بتمثيلِ الدولة، وتُفيدُ طموحاته الرئاسية، وتعزّزُ جهوده لتأمين الحصانة من الملاحقة القضائية لأمره بإخلاء موقع الاحتجاج بالقوة في الخرطوم في حزيران (يونيو) 2019. ويريد البرهان الوصول إلى تسويةٍ سياسية مع حميدتي بعد إضعافِ قوات الدعم السريع بشكلٍ كبير، بدلًا من هزيمتها بشكلٍ مباشر، بهدف الاستيلاء على قوات الدعم السريع الضعيفة لاستخدامها لحماية نفسه من انقلابٍ مُحتَمَل من قبل عناصر النظام السابق. وكان البرهان تعامَلَ مع الأمر في السابق بطريقةٍ آمنة، وعمل على تركيز جهود القوات المسلحة السودانية على الدفاع عن مواقعها في مواجهة قوات الدعم السريع، بدلاً من المضي في الهجوم.

بالإضافة إلى ذلك، يواجهُ البرهان أيضًا احتمالَ مُحاكمةٍ عسكرية من القوات المسلحة السودانية بعد انتهاءِ الحرب بسبب إسناد دورها إلى حليفه آنذاك حميدتي واستخدام قوات الدعم السريع لحماية المواقع الاستراتيجية – وهي خطوة أدت إلى نتائج عكسية سيئة عندما اندلع الصراع. وقد واجه البرهان بالفعل محاولات انقلابية عدة، أبرزها تلك التي قادها الجنرال عبد الباقي البكراوي وضباط من سلاح المدرعات في الجيش في أيلول (سبتمبر) 2021، والتي أُفيدَ أنها اندلعت بسبب الاستياء من محاباة البرهان الواضحة لقوات حميدتي. ونتيجةً لاعتماده على قوات الدعم السريع قبل الحرب، قام البرهان بإزالة المادة 5 من قانون قوات الدعم السريع، مما جعلها كيانًا منفصلًا عن القوات المسلحة السودانية بدلًا من أن تكون تحت سيطرتها. كما سمح لقوات الدعم السريع بتوسيع حجمها من 20 ألف جندي في العام 2019 إلى 100 ألف جندي قبل الحرب.

الكفاح من أجل الشرعية

تُتيحُ مشاركةُ البرهان في المبادراتِ الديبلوماسية له الاستفادة من التقدّمِ الذي أحرزته القوات المسلحة السودانية في الأشهر الأخيرة في الاستيلاء على مواقع متتالية من قوات الدعم السريع في أم درمان. إن الاختراقَ الأخير في استعادة راديو أم درمان، المقر الرئيس للإذاعة والتلفزيون الوطني، يعطي دفعة كبيرة لكلٍّ من البرهان والقوات المسلحة السودانية، مما يعزز شرعية قيادته، بعد أن سمح للقوات المسلحة السودانية على مضضٍ بالتخلّي عن موقفها الدفاعي لمهاجمة مواقع قوات الدعم السريع. وكان الضباط والجنود من ذوي الرتب المتوسطة غير راضين عن استراتيجية البرهان الدفاعية، والتي مكّنت قوات الدعم السريع من السيطرة على أراضٍ بشكل كبير على حساب القوات المسلحة السودانية. كما استخدمت قوات الدعم السريع جهود الوساطة في جدة كفُرصةٍ لمواصلة مهاجمة مواقع القوات المسلحة السودانية والتوسّع في مناطق أخرى، مثل ولاية الجزيرة، التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع في كانون الأول (ديسمبر) 2023.

ويأتي تغيير البرهان في الاستراتيجية نتيجةً لعدم قدرته على استخدامِ منظمة “إيغاد” لاكتساب الشرعية كرئيسٍ لدولة السودان. في الأصل، سعى إلى استخدام الكتلة التجارية الأفريقية المُكَوَّنة من ثماني دول لتحقيقِ صيغته الخاصة بالتوصّلِ إلى تسويةٍ سياسية لإنهاء الصراع في السودان. ولهذا السبب قَبِلَ البرهان تلبية دعوةَ الهيئة الحكومية الدولية المَعنية بالتنمية (إيغاد) لعقد جلسة طارئة بشأنِ الصراع في تشرين الثاني (نوفمبر) 2023، مُعتقدًا أنَّ كلًّا من كينيا وإثيوبيا –وسيطَي القوة في “إيغاد”– ستتخلّيان عن اعتراضاتهما على فكرةِ أنَّ الحربَ يجب أن تنتهي من خلال عملية عسكرية، وبعدها يأتي الحلّ السياسي. وقد ساهم هذا الخلاف، إلى جانب قضايا أخرى، في نهاية المطاف في تعليق السودان عضويته في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) في كانون الثاني (يناير) 2024.

من جانبه، أرادَ حميدتي استخدامَ مبادرات “إيغاد” لإجبار البرهان وحلفائه على الاعتراف به كشريكٍ في العملية الانتقالية والحفاظ على استقلال قوات الدعم السريع عن القوات المسلحة السودانية. لقد تعمّدَ تأخير الاجتماع مع البرهان للسفر إلى أوغندا ورواندا وكينيا وإثيوبيا، في محاولةٍ لتعزيزِ مصداقيته الإقليمية أوّلًا. كما وَقَّعَ حميدتي إعلانًا سياسيًا مع “تقدّم”، وهو الائتلاف المدني الذي شكله رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك في تشرين الأول (أكتوبر) 2023، و”قوى الحرية والتغيير”، التي أطاحها حميدتي والبرهان في انقلاب تشرين الأول (أكتوبر) 2021، ليضع نفسه وقوات الدعم السريع كمفاوضين ذوي مصداقية يتطلّعون إلى إنهاءِ الصراع في السودان. وقد شجّعت هذه المناورات السياسية كلا الجانبين على استخدام المبادرات التي تهدف ظاهريًا إلى إنهاء الصراع لتعزيز شرعيتهما السياسية، على المستويين الإقليمي والدولي.

خاتمة

في حين أنه من المُمكن أن ينتهي الصراعُ بانتصارِ أحدِ الطرفين على الآخر ــوهو التطوُّرُ الذي من شأنه أن يُمَهِّدَ الطريق على الأرجح لنظامٍ استبدادي جديد في السودان بغضِّ النظر عن الطرف الذي سيفوزــ فإنَّ المجتمع الدولي، وخصوصًا الولايات المتحدة وحلفاؤها، يمكنه تحدّي هذا الاحتمال من خلال دعم الحركة المدنية في السودان. ولتحقيقِ هذه الغاية، يمكنه تنفيذ حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة لوقف تدفق الأسلحة والذخائر التي تصل إلى قوات الدعم السريع عبر دارفور، والإعلان عن أسماء الدول التي لا تلتزم بالحظر، والضغط أيضًا على حلفاء القوات المسلحة السودانية الإقليميين لوقف دعمها بالأسلحة. إنَّ التعليقات الأخيرة للمسؤولين الأميركيين التي تؤكّدُ الحاجة المُلِحّة إلى وقف توريد الأسلحة لجميع أطراف النزاع هي خطوةٌ في الاتجاهِ الصحيح، ولكن هناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهود لمواصلة الضغط على كلٍّ من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع لوقف هذه الحرب و السماح لحركةٍ مدنية ذات مصداقية بتشكيلِ حكومةٍ مؤقتة، والإشراف على العملية الانتقالية، ثم تسليم السلطة إلى خليفة منتخب ديموقراطيًا.

في الوقت نفسه، تتحمّلُ حركة “تقدُّم” المدنية أيضًا مسؤوليةَ القيامِ بدورها لإنهاء الحرب الأهلية وتشكيل حكومة مؤقتة ذات مصداقية. إنَّ إجراءَ أحزاب “قوى الحرية والتغيير” لانتخاباتِ قيادة داخلية سيكون خطوة في الاتجاه الصحيح وسيقطع شوطًا طويلًا نحو مساعدة التحالف على استعادة مصداقيته. يُنظَرُ إلى بعض أعضاء “قوى الحرية والتغيير” على أنهم قريبون من حميدتي وقوات الدعم السريع، التي استخدمها كلٌّ من البرهان وحلفائه من أعضاء النظام السابق كذخيرةٍ لتقويضِ أيِّ آمالٍ بين السودانيين في انتقالٍ حقيقي إلى الديموقراطية.

  • الدكتور جهاد ماشامون هو باحث سوداني ومُحَلِّل سياسي في الشأن السوداني. يُمكن متابعته عبر منصة (X) على: @ComradeJihad

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى