سباق التسلّح الصاروخي المُقبل في الشرق الأوسط
فيما سلّمت روسيا أخيراً أربع منصات لصواريخ مضادة للطائرات من نوع “300 أس” لسوريا، وإعلان إيران عن صواريخ باليستية تصل إلى قلب إسرائيل، وإعلان السيد حسن نصرالله عن إمتلاكه لصواريخ هجومية – دفاعية تصل إلى كل مناطق الدولة العبرية، تدرس بلدان شرق أوسطية عدة بينها إسرائيل، السعودية والإمارات على إنشاء قوة صاروخية هجومية، الأمر الذي سيخلق سباق تسلح صاروخي خطير العواقب.
بقلم بلال صعب*
عندما يتحدث النقاد عن شرق أوسط ما بعد أميركا، فإنهم غالباً ما يُشيرون إلى الإرهاق الأميركي في المنطقة، إلى جانب عودة روسيا من جديد بعد تدخّلها الناجح وتوسّعها العسكري اللاحق في سوريا.
لكن القصة الأكبر للتحوّل الجيوسياسي الجاري في الشرق الأوسط تكمن في صعود القوى المحلية، وكيف تعمل بشكل متزايد خارج مدار الولايات المتحدة الإستراتيجي بسبب إنخفاض الثقة في القيادة الأميركية.
وتشكل حرب المملكة العربية السعودية في اليمن أحد الأمثلة. فعلى الرغم من أنها تُعتبَر تقليدياً شريكة وحليفة للولايات المتحدة، فقد أخذت الرياض الأمور على عاتقها، وقادت تدخلاً في الحرب الأهلية في اليمن، بسبب شكوكها حول إهتمام وانخراط واشنطن في المنطقة.
لكن بعيداً من اليمن، هناك إتجاه أوسع لصنع سياسة عملية مُستقلة لدى حلفاء أميركا المُفترَضين يؤكّد على أن المنطقة قد إبتعدت تدريجاً من السيطرة الأميركية. ويتجلّى هذا الإتجاه بشكل واضح في إستراتيجية الدفاع الوطني، وعلى وجه التحديد السعي الذي يبذله بعض حلفاء واشنطن الرئيسيين في الشرق الأوسط – في الوقت الحالي، إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة – لزيادة القدرات العسكرية الهجومية بشكل أكبر من خلال الحصول على صواريخ باليستية بعيدة المدى وأكثر دقة.
في الشهر الفائت قال وزير الدفاع الاسرائيلي أفيغدور ليبرمان في بيان ان بلاده تستثمر في قوة صاروخية مُعزّزة ومتطورة وأكثر دقة: “إن مشروع إنشاء نظام صاروخي أكثر دقة قيد التنفيذ. جزء منه بات فعلياً في الإنتاج وجزءٌ هو في المراحل الأخيرة من البحث والتطوير”. مضيفاً: “نحن نكتسب ونطوّر أنظمة إطلاق دقيقة تسمح لجيش الدفاع الإسرائيلي بأن يغطي خلال بضع سنوات كل نقطة في المنطقة”.
قد لا يُمثّل هذا تحوّلاً كبيراً في عقيدة الدفاع الإسرائيلية، لكنه يشير إلى تغيير مهم في التخطيط الأمني، نظراً إلى إعتماد البلاد المُعتاد على القوات الجوية، وفي بعض الأحيان البحرية، للقيام بمهمات الإغارة. ولو كانت قيادة إسرائيل ما زالت تؤمن بقوة بالدور الأمني التقليدي لأميركا في المنطقة، لما كانت على الأرجح تحركت بقوة وبسرعة في هذا الإتجاه.
قد يشير أولئك الذين لا يتّفقون مع هذا الإستنتاج إلى حقيقة أن الجيش الإسرائيلي قد خطط لتطوير قوة صاروخية هجومية منذ عقود عدة. علاوة على ذلك، فإن هذه الخطوة لها معنى عسكري بغض النظر عن الإعتبارات بالنسبة إلى الولايات المتحدة. لطالما تحمّل سلاح الجو الإسرائيلي معظم عبء الدفاع الوطني، لذا فإن إيجاد وضع دفاعي أكثر توازناً قد يخدم الأمن القومي وينقذ الأرواح والمال. (الصواريخ أرخص من الطائرات المقاتلة، وبلا شك تُزيل الخطر عن الطيارين). في الوقت الذي تواجه إسرائيل تهديدات عسكرية مُتنامية قد تُجبرها على خوض حروب على جبهات متعددة – سورية ولبنانية وفلسطينية وربما إيرانية – يستطيع جيش الدفاع الإسرائيلي بالتأكيد إستخدام مرونة وسرعة أكبر في العمليات.
ورغم أن هذا كله صحيح، إلّا أنه لا يوجد شك في أن سلبية أميركا في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة قد عجّلت في هذا القرار الإسرائيلي وحوّلته من فكرة إلى حقيقة. لو كانت واشنطن قد بذلت جهوداً ملموسة لمنع إيران من إقامة وجود عسكري طويل الأمد في سوريا، أو كان لدى إسرائيل أدنى تأكيد بأن واشنطن ستدعم بفعالية إزالة البنية التحتية العسكرية الإيرانية في سوريا، لكان الجيش الإسرائيلي على الأرجح قد أوقف خيار الصواريخ الهجومية لبعض الوقت.
وهناك ديناميات مماثلة أيضاً تحدث في شبه الجزيرة العربية. في حين أن حلفاء أميركا في الخليج لم يتخذوا بعد خطوات جريئة وحاسمة مثل إسرائيل، فإن ذلك ليس بسبب عدم الرغبة. إن المناقشات التي أجريتها مع القادة العسكريين الخليجيين في السنوات الأخيرة توحي بوجود وجهة نظر توافقية تُفيد بأن محاولات ردع إيران عن تطوير قدراتها الصاروخية قد فشلت، وبالتالي فهم بحاجة إلى مزيج من أسلحة أكثر تنوعاً. كانت دولٌ مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تشتري أفضل الأسلحة الأميركية المصنوعة على هذا الكوكب، وتستثمر في الدفاعات الصاروخية الأكثر تطوراً، ومع ذلك فإنها لا تزال تشعر بأنها لا تملك أي حلّ فعّال لترسانة الصواريخ الهجومية الهائلة السريعة التطور في إيران. وكان إستنتاجهم أنهم قد يضطرون إلى محاربة النار بالنار.
إن السبب الرئيسي في أن الرياض وأبو ظبي لم تسعيا حتى الآن إلى شراء الصواريخ الباليستية هو أن واشنطن تمكّنت لسنوات من إقناعهما بعدم القيام بذلك. آخر شيء تحتاج إليه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط هو سباق تسلح في مجال الصواريخ الهجومية، يُمكن أن يقود الخصوم بسرعة إلى مواجهة عسكرية مميتة تجرّ معها واشنطن وموسكو إلى الحرب. فالصواريخ في جوهرها أسلحة مزعزعة بسبب قدرتها على تصعيد الصراعات بسرعة. أوقات رحلاتها قصيرة جداً، كما أن التقنيات الجديدة تُحسّن بشكل كبير من دقتها وفتكها.
كما لو أن ذلك لم يكن مخيفاً بما يكفي، فإن المستقبل النووي للشرق الأوسط أصبح أيضاً غير مؤكد بشكل متزايد، بعد أن إنسحبت الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة، وهي الإتفاقية التي حدّت من تطوير إيران النووي مقابل تخفيف العقوبات. وفي الوقت نفسه، يرى ما لا يقل عن ست دول إقليمية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وتركيا ومصر والأردن وقطر، الطاقة النووية السلمية كحلّ طويل الأمد لاعتمادها على الوقود الأحفوري. يُمكن أن يؤدي نمو توليد الطاقة النووية في المنطقة إلى تفاقم خطر الإنتشار النووي، حيث إن التكنولوجيات والمواد نفسها مطلوبة لتطوير كل من الطاقة النووية والأسلحة النووية. وإذا أصبحت عملية تطوير الطاقة النووية المدنية في الشرق الأوسط عسكرية، فإن حيازة أساطيل الصواريخ الهجومية – التي يُمكن القول إنها أكثر وسائل التسليم فعالية للرؤوس النووية – يُمكن أن تزيد من الخطر المُحتمل.
مثل إسرائيل، يتجه بعض دول الخليج نحو تأمين وضع أقوى بالنسبة إلى الردع – من خلال مزيج أوسع من التقنيات الهجومية، بما في ذلك الصواريخ – لأن الدفاع الصاروخي وحده لا يبدو أنه الحل لمواجهة مشكلة الصواريخ الإيرانية. علاوة على ذلك، يُعدّ الدفاع الصاروخي مُكلفاً ويأتي مع مجموعة من التحدّيات الخاصة به. في حين أن أفضل نظام دفاع صاروخي سيكون نظاماً مُتكاملاً على المستوى الإقليمي، فإن أي أمل في إنشاء مثل هذا النظام في الخليج قد انتهى الآن بسبب النزاع المستمر بين المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين مع قطر.
ومع إنخفاض نفوذ الولايات المتحدة في الخليج على ما يبدو، فمن غير المحتمل أن تُسجَّل تفضيلات واشنطن أو تؤخَذ بقوة في الرياض وأبو ظبي مثلما كان الأمر في الماضي. مما لا شك فيه أن الدافع للاستقلال في صنع القرار المُتعلّق بالأمن القومي له حدوده، نظراً إلى إعتماد بلدان الخليج عسكرياً على واشنطن، لكن الأسلحة الأميركية ليست اللعبة الوحيدة في الساحة، مع قيام كل من روسيا والصين بالتوغل في المنطقة في الآونة الأخيرة.
قد لا تتمكن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من شراء صواريخ هجومية من الولايات المتحدة ودول أخرى أعضاء في نظام مراقبة تكنولوجيا الصواريخ، لكنهما ستجدان الصين وباكستان – اللتين ليستا جزءاً من النظام – جاهزتين للبيع. لن تضطر المملكة العربية السعودية إلى البدء من نقطة الصفر، نظراً إلى أنها تمتلك منذ العام 1987 عدداً (من المحتمل أن يكون صغيراً) من الصواريخ البالستية الصينية متوسطة المدى. لقد عرضتها للمرة الأولى في العام 2014، ربما لإخطار إيران وإرسال رسالة إلى واشنطن بعدم الرضا عن سياسة الولايات المتحدة. إنها مسألة وقت فقط قبل أن يصدر ولي العهد السعودي وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان أمراً ببناء قوة الصواريخ الاستراتيجية في البلاد.
لطالما رغبت أميركا في أن يتعاون حلفاؤها في الشرق الأوسط ويتقاسمون عبء الأمن الإقليمي. ولكن لكي ينتهي هذا النهج بشكل جيد، هناك حاجة إلى متغير واحد مهم: القيادة الأميركية، التي هي حالياً غير مؤكدة في أحسن الأحوال وغير موجودة في أسوأ الأحوال.
يتجه الشرق الأوسط إلى سباق تسلح في مجال الصواريخ الهجومية، والدولة الوحيدة القادرة على إيقافه، أو إدارة الوضع على الأقل، من خلال تعزيز السيطرة على التسلح، هي الولايات المتحدة. لسوء الحظ ، يبدو أن واشنطن ودّعت المنطقة منذ فترة.
• بلال صعب هو زميل كبير ومدير برنامج الدفاع والأمن في معهد الشرق الأوسط، وأستاذ مساعد في برنامج الدراسات الأمنية في جامعة جورجتاون في واشنطن.
• كُتِب هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الأبحاث والدراسات في “أسواق العرب”.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.