زمن الروس في لبنان؟
منذ زمن طويل وروسيا تسعى إلى لعب دور كبير في لبنان، لكن الظروف لم تسمح لها بذلك. ومع دورها المُهَيمن حالياً في سوريا ودخول الصراع هناك مرحلة جديدة، فقد عادت إلى السعي للعب دور أكبر في بلد الأرز، فهل تسمح لها أميركا؟
بقلم مُهنّد الحاج علي *
تابع النفوذ الروسي في لبنان توسّعه في الأشهر الأخيرة بشكل مطرد، وكان مُرتبطاً بتطورات رئيسية في البلاد شملت أزمة اللاجئين السوريين، وكما أُشيع، نشر الشرطة العسكرية الروسية على طول الحدود اللبنانية – السورية، فضلاً عن تشكيل حكومة لبنانية جديدة.
في تموز (يوليو) الفائت، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها أرسلت إقتراحاً إلى واشنطن تدعوها فيه إلى العمل معاً على تنظيم عودة ملايين اللاجئين السوريين الذين يعيشون الآن في لبنان والأردن وتركيا. كان رد فعل المجتمع الدولي والخبراء هو الشك، وبالفعل لم يَقُم الروس بعد بوضع خطةٍ مُقنِعة لعودة للاجئين. ومع ذلك، أثارت المبادرة ردود فعل إيجابية لدى اللبنانيين، بحيث أصبحت الإجتماعات حول هذه المسألة بين المسؤولين اللبنانيين والروس في بيروت وموسكو مألوفة منذ ذلك الحين.
الواقع أن السبب في الموقف اللبناني يكمن جزئياً في أن قضية اللاجئين السوريين باتت تشكل هاجساً كبيراً يقضّ مضجع البلد. وقد سعى المسؤولون اللبنانيون، الذين إشتهروا بعدم كفاءتهم وفسادهم وسياساتهم المثيرة للإنقسام، إلى التخفيف من عيوبهم بإلقاء اللوم على وجود اللاجئين بالنسبة إلى جميع المشاكل الوطنية. وقد وصلت المطالبات إلى أبعاد سخيفة. على سبيل المثال، نقل تقرير تلفزيوني حديثاً عن أخصائي طبي قوله إن اللاجئين السوريين كانوا وراء ظهور حالات السرطان في البلاد، لأنهم جلبوا معهم بكتيريا ضارّة.
لقد نجحت الولايات المتحدة والدول الأوروبية في عرقلة الجهود الروسية لإبرام إتفاقية تعاون عسكري مع لبنان. ومع ذلك، فإن أي دور روسي ينجح في المساعدة على حلّ أزمة اللاجئين يُمهّد الطريق أمام تنسيق أمني وعسكري منتظم بين لبنان وروسيا. على أساس أسبوعي، يعود مئات اللاجئين السوريين إلى سوريا، بعد تلقي ضمانات من الجانب السوري. ويلعب المسؤولون العسكريون الروس دوراً في عملية التنسيق، نظراً إلى أن هذه كانت في الأساس مبادرة لوزارة الدفاع الروسية. وبحسب ما ورد، قامت موسكو بتيسير وتسهيل شروط العودة، وعلى وجه التحديد إعفاء العائدين من الخدمة العسكرية والتدقيق الأمني.
لا تزال أعداد العائدين مُنخفضة نسبياً، بالنظر إلى الحجم الهائل للاجئين السوريين. وإذا استمرت الأرقام الحالية، مع عودة بضع مئات فقط من الأشخاص أسبوعياً، فقد تستغرق العملية سنوات، إن لم يكن عقوداً. في الوقت الحالي، إن الإطار الزمني لعودة اللاجئين السوريين قضية مفتوحة، ويوفّر فرصاً لمزيد من التعاون بين لبنان وروسيا، وتوطيد العلاقات المتبادلة، وزيادة نفوذ الديبلوماسية الروسية.
وقد صاحب هذا الجهد زيادة في عدد المسؤولين اللبنانيين الذين قاموا بزيارة العاصمة الروسية. وفيما عزّز النظام السوري وحلفاؤه سيطرتهم على معظم سوريا، باستثناء المناطق في الشرق والشمال، فقد كان المسؤولون والسياسيون اللبنانيون، بمن فيهم أولئك الذين يدعمون الإنتفاضة السورية، يتدفقون على موسكو. وقد ناقش رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري بصراحة منطقه لدور روسي أكبر. فعندما سُئل في مقابلة مع “يورونيوز” حول التعامل مع الرئيس السوري بشار الأسد، قال الحريري إنه يفضّل التعامل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. كان تفكيره بسيطاً: “روسيا تُسيطر على سوريا. لذلك سنتعامل مع الروس”.
وتحدّث الحريري أيضاً عن “علاقته الجيدة جداً مع روسيا”، مضيفاً: “لديّ علاقة جيدة مع الرئيس بوتين الذي أحترمه كثيراً. وأنا أعتقد أنه شخص يمكننا العمل معه”. بالنسبة إلى الحريري وآخرين، إن روسيا هي وسيط قوي قادر على توفير قناة غير مباشرة بين النظام السوري وخصومه اللبنانيين.
لكن هذا الموقف لا يعكس الحجم الكامل للدور الروسي المتنامي في لبنان. لقد أُقحمت موسكو أخيراً في نزاع مثير للجدل داخل مجتمع الدروز في البلاد. يُعارض الزعيم الدرزي وليد جنبلاط تعيين منافسه في الطائفة السياسي الدرزي المناصر لسوريا، طلال أرسلان، في أي حكومة جديدة. لقد أصبح هذا الأمر عقبة رئيسية في عملية تشكيل الحكومة بعد أربعة أشهر من الإنتخابات البرلمانية في أيار (مايو) الفائت.
خلال الأشهر القليلة الماضية، زار نجل جنبلاط ووريثه السياسي، تيمور، موسكو مرتين لمقابلة المسؤولين الروس، بمن فيهم الممثل الخاص للرئاسة في الشرق الأوسط ونائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف. ومما أدى إلى إستياء وليد وتيمور جنبلاط بعدها، أن وزارتي الدفاع والخارجية الروسيتين دعتا أرسلان إلى موسكو، حيث إلتقى مسؤولين كباراً بما في ذلك بوغدانوف. وقد سعى أرسلان إلى إستغلال الزيارة وتعزيز علاقاته مع روسيا. وأشاد “بالسياسة الحكيمة والواعية والواضحة لسيادة الرئيس فلاديمير بوتين وإدارته المتميزة لتحقيق السلام العالمي ومكافحة الإرهاب (الجهادي) بجميع جوانبه، وأولئك الذين يقفون وراءه على الصعيدين الإقليمي والدولي”. وأضاف أرسلان أنه “مع ميزان القوى الذي فرضه الرئيس بوتين على العالم، أصبحت روسيا حامية لأضعف شعوب العالم وأكثرها عرضةً”.
التصوّر اللبناني للقوة الروسية في المنطقة ينمو بشكل متزايد. في الشهر الفائت، قال مسؤول لبناني لصحيفة “الأنباء” الكويتية إن مسؤولين في الأمن القومي الروسي قد إقترحوا على نظرائهم الأميركيين في إجتماع عُقد في الشهر الماضي في جنيف أن تنشر روسيا لواءً من الشرطة العسكرية على بعد 20 كيلومتراً داخل لبنان لتسهيل عودة اللاجئين السوريين. وقد ورد أن جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأميركي، رفض الإقتراح، لكن مسؤولاً لبنانياً أبرز كيف تسعى روسيا إلى توسيع دورها في البلد والمنطقة بشكل مكشوف.
وسواء نجح إقتراح عودة اللاجئين السوريين أم لا، فإن الوجود العسكري الروسي وتأثيره في سوريا سيؤثر بدوره في السياسة اللبنانية في المستقبل المنظور. وقد كشفت موسكو ليس فقط عن حماس لتولي مثل هذا الدور القيادي، ولكن أيضاً إستعدادها لاستثمار الوقت والموارد في هذا الجهد. بهذه الطريقة، بعدما أنقذت نظام الأسد، قد تُطالب روسيا بلبنان كجائزة أخرى للصراع السوري.
• مُهنَّد الحاج علي هو مدير الإتصالات في مركز كارنيغي للشرق الأوسط.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.