“كرنـﭭـال” الإنتخابات بين الجُحُود والوُعُـود
بقلم هنري زغيب*
موسمُ الإنتخابات في لبنان هذه الأَيّام يقوم على إِغراقِ الناس بِـوُعُودٍ يعرف مُطْلقوها مُسْبَقًا، ومتلقُّوها لاحقًا، أَنها لن تتحقَّق، وأَن معظَمها كلام كاذب لجمهور ساذج يؤْخذ بالكلمات الرنَّانة والتعهُّدات الطنَّانة، فيما الـمُتَنَوِّرون يبتسمون هُزْءًا من الداعين والمدعوّين إِلى هذا الكرنـﭭـال السياسي البشِع، المبنيّ على ذَرّ الرماد في عيون مكفوفي البصيرة من الأَزلام والـمَحاسيب والـمُسـتسلمين الـمُستزْلِمين للزبائنيات السياسية. ذلك أَنّ مُبْصري البصيرة المتنوِّرين، وبَعد عقودٍ متعاقبةٍ من الوعود العقيمة والإلتزامات السقيمة، لم تعد تُقْنعهم صُوَرٌ على حيطان، ولا شعاراتٌ على صُوَر، ولا خُطَبٌ كيدية تحريضية على منابر المهرجانات الإنتخابية على مساحة البلاد، تدعو وتدَّعي وتتداعى إِلى محاربة الفساد كأَنَّ الفاسدين في الحُكْم حاليًّا رجالٌ من القَمَر أَو حُكَّامٌ من زُحَل، أَو سياسيُّون من عطارد.
الـمُتَنَوّرُون لم يعودوا يؤْمنون بطقم سياسي يتناسل عشائريًّا، ولا بِـمُعادلاتٍ قبائلية وتحالفاتٍ ظرفية وتركيباتٍ “مَزرَعجِية” وإتفاقات إنتخابية ترتفع موسِـميًّا على أَكتاف الناخبين حتى إِذا نجح الإنتهازيون نوّابًا سقطت من ذاكرتهم تلك المعادلات والتحالفات والتركيبات والإتفاقات، فلا يبقى من الصوت الذي أَوصلَهم إِلَّا صدًى يناسب إصطفافاتهم المصلحية.
الـمُتَنَوّرُون لا يريدون نائبًا يرفع يده ترقيعًا ببَّغاويًّا في مجلس النواب بل نائبًا يرفع صوته تقريعًا غاضبًا على إعوجاج أَو صفقة أَو قانون لا يرى فيه خيرًا لشعبه والوطن.
الـمُتَنَوّرُون لا يُذعنون لِـ”مشيئة” سياسية تأْتي بـالنواب، بل يَنْشُدون الوفاءَ في ضمير من أَولاه الناخبون ثقتَهم كي يكونَ صوتَـهُم التشريعي ويَدينَ بالولاء لشعبه لا لأَسياده.
الـمُتَنَوّرُون يرفضون الصوت “التفضيلي” الذي “يفضِّل” مرشحًا على آخَر، ولا يريدون الصوت “الأَفضل” لِمُجرَّد أَنه أَفضل “مِن” سواه، أَو أَفضل “لِـل”كيديات السياسية أَو الحزبية أَو الـمَناطقية أَو الـمَحلية الـموسِـمية النافلة. الـمُتَنَوّرُون يُنكرون الصوت “التفضيلي” و”الأَفضل” و”الأَفضليّ”، ويريدون الصوت “الفاضل”: الفاضل للوطن، للشعب، للتشريع، للمستقبل. هذا هو مقياس الـمُرشَّح الـمُؤَهَّل لــ”فضيلة” أَن يتولَّـى النيابة عن شعبه من أَجل مصلحة شعبه.
الـمُتَنَوّرُون يُصَوِّتون للكفاءة العلْمية والـجدارة التمثيلية والـسِجلّ الـمُشَرِّف في الخدمة العامة، ويهزأُون بـنوابٍ يصِلون إِلى ساحة النجمة على “ظهر البوسطة” أَو بـ”المحدلة” أَو بـ”هَـمرُوجة” موجة شعبية إنتخابية.
الـمُتَنَوّرُون يَطمحون إِلى نوابٍ في خدمة الشعب عبر الدولة، ويُطيحون نوابًا يَـجْعلون الدولة في خدمتهم ويَسُوسُون الشعب بسُلطة إِقطاعهم السياسي أَو المذهبي أَو الديني أَو الطائفي.
الـمُتَنَوّرُون لم تَعُد تقْنِعهم وُعُودٌ يعرفون أَنها وُصُوليةٌ كذَّابة، ولا خُطَبٌ وشعاراتٌ تَشحن النفوس بـتهيـيصات غرائزية كرنـﭭـالية للسُذَّج البُسَطاء من الناس، مِـمَّـنْ يُصَدِّقون الوُعُود وينسَون الـجُحُود.
هؤُلاء هُم الـمُتَنَوّرُون الـمُخلِصون الـمُنتمون إِلى هَيْبة الدولة الصالِـحة في الوطن، لا إِلى أَيِّ سياسيّ يتصرَّف بِـمنطق مُتَوَلِّـي القطيع أَو الزريبة أَو الإِصطبل.
الذي من السياسيين (إِذا وُجِد) ينتمي إِلى هذا المبدأ النقيّ، فلينزَع عنه الإنتماءَ الإصطفافي، ولْيتقدَّم ببرنامَـجه من دون كلامٍ فولكلوريّ أَجوف، حتى ينتخبَه الـمُتَنَوّرُون صاحبَ برنامجٍ وطنيّ يُـحاسبونه عليه، عدلًا أَو عزلًا، كما في أَرقى دول العالم.
• هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني، للتواصل معه على البريد الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو على صفحته على فايسبوك: www.facebook.com/poethenrizoghaib