الإنتخابات البلدية في تونس مُخَاطَرَة أم فُرصَة؟

تُجري تونس إنتخابات بلدية في 6 أيار (مايو) المقبل، في خطوة تهدف إلى نقل مزيد من السلطة إلى السلطات المحلية. فهل هذه الإنتخابات ستكون فرصة للبلاد أم مخاطرة للديموقراطية الوليدة فيها؟

يوسف الشاهد: هل تأتي النتائج جيدة لتدعم بقاءه؟

بقلم جايك واليس*

في 6 أيار (مايو) المقبل، سيقترع التونسيون في إنتخابات بلدية. وهذه الإنتخابات، التي تم تأجيلها مرات عدة منذ العام 2016 لأسباب سياسية وعملية، ستكون أول إنتخابات بلدية في تونس، والإنتخابات الثالثة على مستوى البلاد، منذ إنتفاضة 2011. لقد أُجريت إنتخابات في العام 2011 لإنشاء الجمعية التأسيسية، وفي العام 2014 جرت أخرى لإنتخاب رئيس الجمهورية ومجلس نواب الشعب (البرلمان) الحالي.
تُمثّل هذه الإنتخابات على حد سواء فرصةً ومخاطرةً للديموقراطية التونسية الوليدة. إذا نجحت، فسوف تساعد على تعزيز إنتقال تونس إلى الديموقراطية وتوسيع الحكم الديموقراطي إلى المستوى المحلي. ومع ذلك ، يُمكن أن يؤدي ضعف الإقبال أو التصويت الإحتجاجي الواسع إلى إضعاف شرعية هيكل الحكم الحالي. وفي كلتا الحالتين، فإن النتيجة سوف تُمهّد الطريق أمام التونسيين وتضع المسرح للإنتخابات الرئاسية والبرلمانية المتوقعة في العام 2019.
تتنافس أكثر من 2000 قائمة إنتخابية على المناصب البلدية تُمثّل مجموعة واسعة من الأحزاب السياسية والمستقلين. وقد وضع دستور تونس في العام 2014 الأسس لتطبيق اللامركزية في السلطة والموارد لفائدة السلطات المحلية، وتُشكّل الإنتخابات البلدية خطوة مهمة في هذه العملية.
من الناحية التاريخية، كانت السلطة السياسية في تونس مركزية للغاية، عاكسةً النموذج الذي حافظت عليه تونس بعد الإستقلال عن فرنسا في العام 1956. وقد تعزّزت هذه المركزية في السلطة خلال الحكم الإستبدادي للرئيس السابق زين العابدين بن علي. وقد ساهمت المركزية في الخلل الواسع في الموارد الإقتصادية بين المناطق الساحلية الأكثر تطوراً والمناطق الداخلية المُهمَّشة.
ولمعالجة هذه المشاكل، فإن الدستور الجديد للإنتفاضة لم يكن يقتصر فقط على فصل السلطات في العاصمة بين فروع السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، بل أيضاً على نقل بعض السلطات والموارد إلى الأقاليم. وقد تناول الفصل السابع السلطة المحلية ونصَّ على أن “السلطات المحلية يجب … أن تُدير الأمور المحلية …”. كما أنه منح الهيئات المحلية الحق “في إدارة مواردها بحرية”. كما نصّ الدستور على إنشاء مجلس أعلى للسلطات المحلية لتمثيل الهيئات الحكومية المحلية ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻌﻴﺪ اﻟﻮﻃﻨﻲ، وﺧﺻوصاً في ﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻘﻀﺎﻳﺎ اﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﺘﻨﻤﻴﺔ واﻟﺘﻮازن اﻹﻗﻠﻴﻤﻲ. ويأمل المدافعون عن اللامركزية أن يكون المسؤولون المحليون المُنتَخَبون ديموقراطياً أقوى المدافعين على المستوى الوطني عن الموارد التي يُمكن أن تُخفّف من المشاكل الإقتصادية الحادّة في الداخل.
ولا تزال لامركزية السلطة في تونس مثيرة للجدل إلى حد ما ، ولم يتمّ بعد سَنّ قانون جديد لتحديد الصلاحيات المُحدّدة للسلطات المحلية في البرلمان. بشكل عام، كان”نداء تونس”، وهو ثاني أكبر حزب في البرلمان، أكثر تشكّكاً في نقل سلطة حقيقية إلى المناطق، عاكساً بذلك قاعدة دعمه على طول الساحل وبين النخب التقليدية. من ناحية أخرى، يستقطب حزب “النهضة “، الحزب الإسلامي الذي يُشكّل أكبر كتلة برلمانية، معظم دعمه من الداخل وبالتالي يدعم اللامركزية لموازنة قواعد السلطة التقليدية في تونس.
فيما يتوجه التونسيون إلى صناديق الإقتراع، يلوح في الخلفية نقاش حول السياسات الاقتصادية لحكومة رئيس الوزراء يوسف الشاهد. فقد أدّى النمو الاقتصادي البطيء، وغرق قيمة الدينار التونسي، وتخفيض التصنيف الإئتماني للبلاد أخيراً إلى تقويض الدعم الشعبي للحكومة. وبينما تمكنت هذه الأخيرة من مواجهة موجة الغضب الشعبي التي أدت إلى مظاهرات في الشوارع في نهاية العام 2017 وبداية العام 2018، فقد إستمرت الدعوة إلى إجراء تغييرات في الحكومة. وفي الآونة الأخيرة، طالب نور الدين الطبوبي، رئيس الإتحاد العام التونسي للشغل، الشاهد بتعديل حكومته.
يتنافس حزبا “النهضة” و”نداء تونس” بوجه خاص على المناصب المحلية، ويأملان في إستخدام الإنتخابات البلدية لتعزيز قوتهما السياسية قبل الإنتخابات الرئاسية والتشريعية. من جهته يسعى “النهضة” خصوصاً إلى ترسيخ نفوذه على المستوى الشعبي وترسيخ مكانته في النظام السياسي التونسي. ويُمكن للإقبال القوي في الداخل أن يعزز مكانة “النهضة” بالنسبة إلى “نداء تونس”.
ومع ذلك، نظراً إلى الإستياء الشعبي من الإقتصاد، من الممكن أن يسجّل التونسيون، بدلاً، عدم رضاهم عن الحالة العامة للبلاد. فهم لا يلومون الحكومة فحسب، بل أيضاً أكبر حزبين سياسيين، اللذين كانا يعملان معاً بشكل وثيق في معظم القضايا خلال السنوات الثلاث الماضية. ويُمكن أن ينعكس عدم الرضى عن الهيكلية الحكومية سواء في نسبة إقبال منخفضة أو في تصويت إحتجاج كبير للمرشحين المستقلين أو الأحزاب السياسية الصغيرة. وتشير إستطلاعات الرأي الأخيرة التي أجراها المعهد الجمهوري الدولي إلى أن العديد من الناخبين لم يقرروا بعد وأن نسبة المشاركة قد تكون منخفضة. ويُمكن أن تكون للإقبال المنخفض أو التصويت الاحتجاجي الكبير آثار على مستقبل حكومة الشاهد.
وعلى مستوى أعمق، سوف تُشير هذه الإنتخابات إلى الكيفية التي ينظر بها التونسيون إلى مفهوم اللامركزية، وسيتوقف مستقبل عملية اللامركزية العامة بدرجة كبيرة على قوة الإقبال. فإذا كانت مرتفعة، فإن هذه الانتخابات يُمكن أن تمثّل نقطة إنعطاف حيث تبدأ البلاد أخيراً في التعامل بجدية مع عدم التوازن التاريخي بين الساحل والداخل. إن هذا الاختلال في التوازن الإقليمي والمشاكل الإقتصادية والإجتماعية المُزمنة في الداخل تشكل الخطر الأكبر على إستمرار التقدم في التحوّل الديموقراطي في البلد. ويؤكد استطلاع رأي المعهد الجمهوري الدولي أن الغالبية الساحقة من التونسيين تصف الوضع الاقتصادي الحالي بأنه “سيِّىء للغاية” (68٪) أو “سيئ إلى حد ما” (21٪).
وفي حين أن الإنتخابات المحلية وحدها لن تحل هذه المشاكل، فإنها يُمكنها أن تبدأ عملية تمكين في المناطق والتقليل من العزلة التي يشعر بها العديد من التونسيين في الداخل. وسواء كانت هذه بداية جديدة للبلاد أم مجرد إستمرار للماضي، فسوف يتّخذ الشعب التونسي القرار في صندوق الإقتراع إبتداءً من الشهر المقبل.

• جايك واليس زميل كبير غير مقيم في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، حيث يركز على القضايا الإسرائيلية – الفلسطينية، تونس ومكافحة الإرهاب.
• كُتِب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرّبه قسم الأبحاث والدراسات في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى