إيران تسعى إلى تعزيز قطاع الطاقة لأهدافٍ محلية وإقليمية

بعد إزالة العقوبات الإقتصادية عن الجمهورية الإسلامية إنصب إهتمام الحكومة فيها على قطاع الطاقة الذي يُعتبر أهم قطاعات البلاد. وقد تدفقت الإستثمارات على أثر ذلك، ولكن ما تبغيه إيران لم تحققه بعد في هذا القطاع.

حقل بارس الجنوبي: عمليات تنقيب جديدة قربه

طهران – هشام الجعفري

يجد صناع القرار في إيران أنفسهم في وضع فريد من نوعه. لقد رُفِعت سنوات من العقوبات، التي نبذت البلاد وشلّت إقتصادها، مما أفسح الطريق أمام طفرة في الإستثمار الأجنبي في الطاقة والسلع الإستهلاكية وغيرهما من القطاعات الإقتصادية الرئيسية. وقد ساهم هذان العاملان معاً في تحقيق مكاسب سياسية للقيادة في طهران التي إستخدمت تدفق الإستثمارات لتمويل ودعم المعارضة العسكرية ضد الكتلة السنّية التي تقودها السعودية في سوريا واليمن وإضفاء الشرعية على وضعها كلاعب إقليمي وحتى عالمي مهم.
من المعروف أن أهمية إيران على الساحة الدولية ترتبط بشكل أساسي إرتباطاً وثيقاً بإمكاناتها الهيدروكربونية. ومن المؤكد جيداً أن الدولة الفارسية هي موطن للغاز الطبيعي أكثر من أي بلد آخر، وتحتوي على ثاني أكبر كمية من الإحتياطات النفطية المؤكدة في العالم. ومن المفاجئ قليلاً أن مستقبلها يعتمد على سؤال لم يتم الإجابة عنه بعد حول ما إذا كان هذا البلد سيضع إستراتيجية تسمح له تسخير وإستغلال موارده أم لا. وهناك دلائل على أن كلا الإحتمالين واردان.

طفرة جديدة

الواقع أن الكثير من التكهنات المتفائلة جداً المتعلقة بقطاع الطاقة الإيراني ما بعد العام 2015 تُركّز على الطريقة التي سيبدو بها عذا القطاع الإيراني وهو يتحرك نحو المستقبل. وعلى الرغم من وصفه بأنه صورة مُصَغَّرة عن الإقتصاد الإيراني، فقد كان قطاع الطاقة الإيراني في السابق واحداً من أكثر القطاعات نشاطاً وتقدماً تكنولوجياً في العالم قبل أن تُزيل العقوبات الجراحية بشكل متزايد قدرته على الحصول على التمويل الخارجي والتكنولوجيا الحديثة.
كان تأثير العقوبات في قطاع الطاقة، شأنه شأن بقية الإقتصاد الإيراني، كبيراً. فقد أدّت إلى إنخفاض في إنتاج النفط وتكريره، وأجبرت الحكومة الإيرانية على إلغاء ثلاثة مشاريع في قطاع الغاز الطبيعي المُسال بعد إنسحاب شركتي “إيني” الإيطالية و”توتال” الفرنسية. وإعتمدت طهران مجموعة من التدابير التي تعزّز الحفظ والتخزين والإعتماد على الذات وكرستها في خطط السياستين القصيرة والمتوسطة الأجل كجزء لا يتجزأ من “إقتصاد مقاومتها”. في حين أن هذه الوصفات ساعدت الحكومة على تجنب الإنهيار الإقتصادي، والاضطرابات المحلية، وبالتالي ضمان طول فترة حكمها، فإنها أدّت إلى عجز كبير في المعرفة ودفعت العديد من كبار المهندسين والعلماء الإيرانيين للبحث عن وظائف في الخارج.
مع ذلك، في السنوات الثلاث الماضية، إتخذت البلاد خطوات رائعة نحو إستعادة مكانتها بإعتبارها واحدة من أهم منتجي الطاقة في العالم. وفي أيلول (سبتمبر) 2016، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة أن إيران وصلت بالفعل إلى مستويات ما قبل العقوبات في إنتاج وتصدير النفط الخام، ووقعت عقود إستكشاف بمليارات عدة من الدولارات مع “إيني” و”روسنيفت” وشركة البترول الوطنية الصينية. وبالتوازي مع ذلك، بدأت شركتا “توتال” والنفط الوطنية الإيرانية عمليات التنقيب في حقل جنوب “بارس”، وهو جزء من أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم، وأعلنتا عن خطط لبناء أو توسيع خطوط أنابيب الغاز الطبيعي إلى تركيا وسلطنة عُمان وباكستان والهند.
وقد قام مسؤولون حكوميون إيرانيون بتشجيع هذه المبادرات وغيرها من المبادرات المتعلقة بإمكانات الطاقة المتجددة الإيرانية وتحديث قطاعات المصب والمنتصف وعودة البلد إلى سوق الغاز الطبيعي المُسال على نطاق واسع كخطوات نحو إستعادة الصلة على الساحة العالمية. وبما أن العديد من هذه المشاريع هي مبادرات ثنائية أو متعددة الأطراف، فإن تحقيقها يمكن أن يؤدي إلى النمو في الاقتصاد وزيادة النفوذ الإيراني في جميع أنحاء المنطقة.

الأولويات المتضاربة

على الرغم من ذلك، فإن قدرة إيران على تحقيق هذه الأهداف ليست بعيدة من أن تكون مضمونة. ويُمكن القول إن تحديث قطاعي المصب والمنتصف من أهم القطاعات الثلاثة. وإذا تحقق ذلك، فإن إيران ستكون لديها القدرة على نقل الغاز الطبيعي وغيره من الهيدروكربونات بشكل أكثر كفاءة في جميع أنحاء البلاد والتصدير عبر أنابيب أو محطات تسييل بالقرب من الموانئ الرئيسية في البلاد. ومن شأن ذلك أن يزيد من مرونتها ويوسع شبكة شركائها المُحتملين، ولا سيما في جنوب وشرق آسيا. ولكن في حين أن تأمين التمويل لزيادة تطورات أو قدرة أيٍّ من مصافيها الست هو أمر بسيط إلى حد ما، فإن بناء شبكة أكثر تقدماً من خطوط الأنابيب، وبخاصة للغاز الطبيعي، سيتطلب مفاوضات مُطوَّلة مع ملّاك الأراضي وأصحاب المصلحة الإقليميين الآخرين، فضلاً عن الإصلاحات الشاملة للقوانين والأنظمة ذات الصلة. وحتى الآن، لم تُوضّح الحكومة الإيرانية الخطوات التي ستتخذها للقيام بذلك أو إلى أي مدى ستصل أي مبادرة بهذا الحجم.
ويتجلّى تضارب الأولويات عينه أيضاً في البيانات الحكومية بشأن إستخدام الغاز الطبيعي والمصادر المُتجدّدة في إيران. في أوائل العام 2014، أعلنت الحكومة الإيرانية إلتزامها بإستخدام مصادر الطاقة المُتجدّدة للحدّ من إعتمادها على الهيدروكربونات وتحرير المزيد من مواردها الخاصة للتصدير. وفي الوقت الذي زادت تنمية توليد الطاقة المتجددة في إيران بوتيرة واعدة، زادت البلاد أيضاً بشكل كبير من إلتزامها بإستخدام غازها الطبيعي الخاص. في مطلع شباط (فبراير) 2018، أعلنت وزارة النفط الإيرانية على موقعها على شبكة الإنترنت، وحسابات وسائل الاعلام الاجتماعية، أن الغاز الطبيعي سوف يُستخدَم لتلبية 98 في المئة من إحتياجات التدفئة ولدعم محطات توليد الطاقة غير المتجددة بنسبة مئة في المئة. كما ذكرت أن إستخدام الغاز الطبيعي لوقود النقل سيرتفع بنسبة 10 في المئة ليشكل 30 في المئة من هذا القطاع.
ويعتبر الإيرانيون من كبار مستهلكي الطاقة في العالم. وبما أن الحكومة تدعم بشكل كبير أسعار الطاقة، سيتم إستخدام جزء كبير من إنتاجها من الغاز الطبيعي لتلبية الطلب الداخلي بأسعار السوق الفرعية بدلاً من بيعها بأسعار السوق الدولية. وسوف يثير هذا أيضاً تساؤلات حول جدوى خطط الحكومة الإيرانية لتصدير الغاز إلى الخارج بواسطة خط الأنابيب أو كغاز طبيعي مُسال. وفي مطلع العام 2018، ألغى وزير البترول الإيراني بيجان نمدار زنقانة مشروعه الوحيد للغاز الطبيعي المسال، وهو مبادرة تشمل شركة “إكسمار” البلجيكية للغاز الطبيعي المُسال ومشروعاً مشتركاً بين شركة “هِملا” النروجية للغاز الطبيعي المسال وشركة تابعة لشركة البتروكيماويات الإيرانية الوطنية “خرج بتروكيميكال كومبني”. وأفيد بأن العقد ألغي بعد أن تعرضت بعض أحكامه لإنتقادات من قطاعات مُحافظة في المجال السياسي الإيراني. وإلى جانب خط أنابيب يربط المدن في إيران وسلطنة عُمان، لم يُحرِز البلد تقدماً ملموساً في أيٍّ من مبادرات خطوط أنابيبه.

التطلع إلى الأمام

من الواضح أن إيران هي في وضع فريد. لقد أدت إزالة العقوبات الإقتصادية في العام 2015 إلى تدفقات هائلة من الاستثمارات وإلى تفشّي التكهنات بشأن كيفية تطور الاقتصاد الإيراني نتيجة لذلك. وقد تركز هذا في المقام الأول على قطاع الطاقة، الذي يعتبر تاريخياً أهم قطاع في إيران، والذي لا يزال صناع القرار يركّزون عليه.
وبالإضافة إلى زيادة إنتاج النفط والتعهد بتحديث مصافي التكرير الإيرانية، قام سياسيون في طهران بتبني برنامج طموح في المنتصف (midstream) والغاز الطبيعي المُسال ومشاريع خطوط أنابيب دولية كوسيلة لزيادة التأثير الإيراني على المستويين الإقليمي والعالمي. غير أن جدوى هذه المشاريع غير مضمونة إلى حد بعيد بسبب أوجه عدم اليقين المالية والتنظيمية والتشغيلية المتأصّلة التي يتعيّن على قادة الجمهورية الإسلامية تقييمها وحلّها على المديين القريب والمتوسط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى