لغز المشهد السوري

بقلم أسامة الشريف*

الأجزاء والقطع التي تُشكّل لغز المشهد الذي أصبح سمة أساسية من سمات الصراع السوري المستمر منذ ست سنوات سقطت أخيراً في أماكنها.
لقد شهد الأسبوع الفائت دفعةً إستثنائية نحو إعادة العملية السياسية إلى مسارها، حيث أعاد مختلف المحاورين تموضعهم إستعداداً لما تبدو وكأنها جولة حاسمة للمحادثات التي تبدأ اليوم (29 تشرين الثاني (نوفمبر)) في جنيف.
إنتهى إجتماع إستمر ثلاثة أيام لمجموعات المعارضة السورية المختلفة في الرياض بإنطلاقة كبيرة: إتفاقٌ على تشكيل وفد مشترك يضم هيئات سياسية وعسكرية يحضر كجبهة واحدة مُوحَّدة في جنيف وربما في وقت لاحق في سوتشي.
وستسعى الأخيرة إلى بدء حوار بين السوريين يضم الحكومة والمعارضة. وقد إتفق على ذلك قادة روسيا وتركيا وايران الذين إجتمعوا فى المدينة الروسية في 25 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري.
وتُذكّر هذه القمة بمؤتمر يالطا في العام 1945، عندما إجتمعت القوى المنتصرة آنذاك لتقرير مصير ألمانيا المهزومة وأوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية.
هذه المرة، مع تنظيم “داعش” على وشك الهزيمة وسيطرة النظام السوري على معظم البلاد، فقد بدا أن اللاعبين الثلاثة الرئيسيين في سوريا مُتَّحِدون في مواقفهم بشأن مستقبل البلد الذي مزّقته الحرب. ولكن تماماً مثل النتيجة النهائية ليالطا، سيكون من الغباء إسقاط وإهمال جداول الأعمال المتضاربة لهؤلاء اللاعبين، ليس فقط في سوريا، بل في المنطقة ككل.
إن “الأفيال” في الغرفة، وهي كثيرة، بما فيها مصير الرئيس السوري بشار الأسد، وتمركز الجيش الأميركي في شرق سوريا، ووجود الميليشيات المؤيدة لإيران، والطموحات السياسية الكردية في سوريا، وقد تم تجنّب التطرق إليها حتى الآن.
وحقيقة أن روسيا أعلنت أن الاسد إلتقى بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين فى سوتشي قبل يوم واحد من إنعقاد القمة الثلاثية فهو أمر له أهمية خاصة. فبوتين لم يُعلن فقط أن العملية العسكرية الروسية في سوريا قد وصلت إلى نهايتها، بل أنه أخبر الأسد أنه يجب أن يكون مستعداً للمشاركة في عملية سياسية جدية ذات مغزى، وأن على جميع الأطراف أن تكون مستعدة لتقديم تنازلات.
وقد أضاف إلى الزخم الحالي البيان الذي أدلى به هذا الأسبوع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي أشاد فيه بجهود المملكة العربية السعودية لتوحيد المعارضة السورية. وأعلن أن موسكو والرياض عملتا معاً على تحقيق هذا الهدف.
وسيضم وفد المعارضة المشترك ما يسمى بمنصتي مصر وموسكو. والأخيرة كانت أكدت بأن مستقبل الأسد ودوره في المرحلة الانتقالية المقترحة لا ينبغي أن يقفا حجر عثرة أمام الحل.
وفي الوقت الذي أعلن الرئيس المنتخب حديثاً لوفد المعارضة المفاوض، نصر الحريري، أن الأسد لا ينبغي أن يكون جزءاً من السلطة الحاكمة الإنتقالية، فقد قال أيضاً أن الوفد سيتوجّه إلى جنيف للتفاوض من دون شروط مسبقة. ويبقى أن نرى ما ستحمله إلينا الأيام القليلة المقبلة من أخبار هذا المؤتمر الذي ستُركّز محادثاته على بدء العملية السياسية وتشكيل حكومة إنتقالية ودستور جديد للبلاد.
ولكن مع إصرار روسيا على عقد إجتماع سوتشي في وقت لاحق من هذا العام أو في أوائل العام المقبل، فإن هناك مخاوف من أن تكون موسكو تعمل على فرض بديل من جنيف. لقد تمكّنت من إضفاء الصبغة المؤسسية على عملية أستانا، التي تُوِّجت بإنشاء مناطق لتخفيف حدة التصعيد في سوريا.
والآن، وفقاً للافروف، تريد روسيا من المحاورين السوريين الموافقة على الإنتخابات والدستور الجديد في سوتشي. وقد يشجع ذلك النظام على رفض مؤتمر جنيف والإستغناء عنه كلياً.
إن بوتين يلعب أوراقه بعناية وحذر. فبإعتباره صاحب المصلحة الرئيس في سوريا، فإنه وضع نفسه في مقعد السائق عندما يتعلق الأمر بتحضير الأرض لتسوية سياسية.
لقد بنى تحالفاً إستراتيجياً فيما حافظ على وضع العواصم الإقليمية الأخرى، وبخاصة الرياض والقاهرة وعمّان، في الصورة. وعلى الرغم من العلاقات المتوترة بين موسكو وواشنطن فان الرئيس الروسي حريص على الحفاظ على مشاركة إدارة دونالد ترامب في الجهود الحالية كما يتضح من البيان الرئاسي المشترك حول سوريا الذي تم الكشف عنه خلال إجتماع قصير بين الرئيسين الأميركي والروسي فى فيتنام فى وقت سابق من هذا الشهر.
لكن في حين ستكون هناك ثلاث عمليات، تقول موسكو بأنها متداخلة، والتي تشمل جنيف وأستانا وسوتشي، فلا توجد ضمانات بأن إتفاقاً نهائياً سوف يتحقق في أي وقت قريب.
حقيقة الأمر هي أن روسيا، بوصفها لاعباً رئيسياً، تحتفظ بأهم القطع والأجزاء في لغز المشهد السوري. كيف وأين ستضعها في نهاية المطاف سيعتمد على قدرتها في تلبية الحد الأدنى من إحتياجات معظم اللاعبين. وهذا يعني إبقاء نظام الأسد والمعارضة مُنخَرِطَين في محادثات ذات مصداقية في حين تعمل على إرضاء، إلى جانب الولايات المتحدة، مخاوف أنقرة الأمنية بشأن ترسانة وحدات حماية الشعب الكردية.
وهذا يعني أيضاً أنه يجب أن تُعالج طموحات طهران بأن يكون لها وجود عسكري طويل الأمد في سوريا، وهذا يشكّل مشكلة كبيرة بالنسبة إلى الأردن وإسرائيل ودول الخليج. وبالإضافة إلى ذلك، يجب أن تحشد دعم الولايات المتحدة من أجل تأمين صفقة قابلة للتطبيق.
إنها مهمة صعبة جداً حتى بالنسبة إلى بوتين البارع، ولكن ما يُمكن أن يساعده هو أن يكون جميع اللاعبين يعانون مما يُسمى ب”تعب سوريا” وأنهم كلهم يريدون أن يروا نهايةً لما ثَبُتَ أنه نزاعٌ مُكلِف وخطير.

• أسامة الشريف صحافي ومُعلّق سياسي يُقيم في العاصمة الأردنية عمّان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى