هل يواجه بنيامين نتنياهو عقوبة السجن؟

إن قرار آري هارو، المدير السابق لمكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، بأن يدلي بأقواله كشاهد إثبات بموجب إتفاق تسوية مع المدعّي العام يتعلق بإتهاماتٍ بالفساد وُجِّهت إليه في قضية مُنفصلة، يشكّل منحى وبُعداً جديدين للتحقيق الجاري مع نتنياهو منذ فترة طويلة. ومن جهته نفى الأخير إرتكاب أي مخالفات. وقال متحدث باسم أسرته إن رئيس الوزراء الذي يتولّى المنصب لفترة رابعة سيقاوم ما وصفها بأنها “ملاحقة” تهدف لإبعاده عن السلطة.

بنيامين وساره نتنياهو: إساءة إستخدام أموال الدولة!

رام الله – سمير حنضل

هناك بعض أوجه الشبه بين الفضائح السياسية الإسرائيلية والدراما التي لا تنتهي لإدارة الرئيس دونالد ترامب، ولكن مع بعض الفروقات. إن الدائرة الداخلية التي تُحيط برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ليست مُلتفّة حوله ومدافعة عنه كدائرة ترامب، كما أن الدراما في تل أبيب تقترب بسرعة من الإكتمال والنهاية أكثر من منافستها في واشنطن.
في 4 آب (أغسطس) الجاري، وقّع رئيس موظفي نتنياهو السابق، آري هارو، إتفاقاً مع الدولة ليكون شاهداً للإدعاء والشرطة. وكان هارو أحد أقرب مستشاري نتنياهو منذ سنوات. ويُعدّ هذا الأمر أهم تطور فى التحقيقات المتعلقة بالفساد التى طال أمدها والتي تُحيط برئيس الوزراء، حيث تطال الآن زوجته وإبنه البكر ومحاميه الشخصي وأحد وزرائه. ويواجه إبنه الآن أيضاً دعوى قدح وتشهير.
وفى 9 آب (أغسطس)، ردّ نتنياهو على ذلك بمسيرة شارك فيها 3000 من أنصاره ومعظم وزراء الحزب. وقد هاجم رئيس الوزراء خلالها “وسائل الإعلام الإخبارية المُزيَّفة” لإنضمامها إلى خصومه في اليسار لإطلاق “عملية “قنص ساحرات” غير مسبوقة ضدي وضد عائلتي”.
ويجري التحقيق مع نتنياهو في قضيتين منفصلتين. الأولى، التي يُطلق عليها “القضية 1000″، تنطوي على مزاعم بأن نتنياهو ووزوجته تلقيا هدايا ثمينة – بقيمة حوالي 150,000 دولار من السيجار والشمبانيا والمجوهرات – من رجلي أعمال ثريين. والثانية، “القضية 2000″، تدور حول المفاوضات التي عُقِدت بين نتنياهو وعدوه اللدود أرنون موزِس، ناشر الصحيفة اليومية “يديعوت أحرونوت”. وتشتبه الشرطة في أنه في عشية إنتخابات أعضاء الكنيست في العام 2015، إقترح موزِس أن تحدّ “يديعوت أحرونوت” وموقعها المنتشر شعبياً من إنتقادهما لرئيس الوزراء، وفي المقابل سيساعد نتنياهو على الحدّ من طباعة وإنتشار أقوى صحيفة منافسة لهما “إسرائيل هَيوم”، التي يملكها أحد حلفاء نتنياهو شيلدون أديلسون.
كما أن بعض المقربين والأقربين إلى نتنياهو هم أيضاً في مأزق. هناك تحقيق آخر، “القضية 3000″، ينطوي على إدعاءات بأخذ رشوة تتعلق بشراء البحرية الإسرائيلية للسفن والغواصات الألمانية الصنع. لقد قام محامي نتنياهو الشخصي، دافيد شمرون، بتمثيل رجل ظلٍّ وسيط أصبح شاهداً للدولة في أواخر تموز (يوليو). وكانت الشرطة أصدرت فعلياً لائحة إتهام ضد ساره نتنياهو بتهمة سوء إستخدام اموال الدولة في مقر إقامة الاسرة، بينما إدّعت تقارير إعلامية أن أحد ابنائه يائير قَبِل هدايا ثمينة من رجل أعمال أوسترالي.
من جهته كان هارو يتمتع بمكانة متميّزة في دائرة نتنياهو الداخلية، ويُمكن أن يكون الشاهد الذي يدفع هذه التحقيقات إلى الأمام وإلى خواتيمها. وعندما تم التحقيق مع هارو بسبب فضيحة فساده الخاصة، التي تدّعي أنه إستفاد من منصبه لصالح عملاء في القطاع الخاص في شركته الاستشارية، صادرت الشرطة هاتفه المحمول ووجدت أنه يحتوي على تسجيلات للمحادثات السرية بين نتنياهو وموزِس. وهذه ليست المعلومات الوحيدة ذات الصلة بالتحقيقات التي تُجرى مع نتنياهو التي من المرجح أن تكون في حوزة وجعبة هارو؛ فقد وُجِّهت إليه أيضاً تهمة الإتصال بالمانحين، على سبيل المثال، وبالتالي يُمكن أن يُعرَف الكثير عن الأساليب غير المشروعة التي تلقّى من خلالها نتنياهو وأفراد عائلته الهدايا لسنوات.
إن السبب الأكثر إحتمالاً الذي جعل هارو يوقّع على الصفقة هو أن الأدلة ضده كانت قوية، ويواجه جدياً فترة سجن طويلة. الآن، سوف يقوم فقط بخدمات مجتمعية وإجتماعية ودفع غرامة 195,000 دولار. ووفقاً لما ذكره الكاتب في صحيفة “هآرتس” جيدي ويتز، أحد أفضل صحافيي التحقيق في الدولة العبرية، فإن هذا التطور “له أثر واحد لا رجعة فيه: لائحة الإتهام ضد نتنياهو آتية … ليس هناك ما يدعو الى مساعدة مشتبه به في حالة قانونية سيئة مثل هارو إذا لم يتم تقديم تعويض حقيقي في المقابل”.
في هذه الأثناء، يحاول نتنياهو الحفاظ على صورة هادئة. وفي رسالة مُصوَّرة بالفيديو على “فايسبوك” وصف التطورات التي حدثت يوم الجمعة في 4 آب (أغسطس) بإعتبارها “فضيحة الأسبوع المحتومة”. وأضاف “أود أن أقول لكم يا مواطني إسرائيل. إنني لا أصغي إلى الضوضاء التي تجري في الخلفية. أنا مستمر في العمل من أجلكم”. ولكن في الأشهر الأخيرة، أخذ صفحةً من كتاب دونالد ترامب وأطلق نوعاً من الهجمات الشخصية الذي لم يكن أبداً أسلوبه من قبل. فقد إتهم وسائل الإعلام الإسرائيلية بنشر أخبار وهمية وتشجيع الشرطة والإدعاء على الشروع فى “مطاردة ساحرات” ضده. أول شيء قالته ساره نتنياهو لعائلة ترامب، عندما زار الرئيس الأميركي وزوجته إسرائيل في أيار (مايو) الفائت، هو أن كلا الزوجين يتمتعان بتأييد شعبي كبير ويعانيان من تقارير غير عادلة ومنحازة من وسائل الإعلام.
ومع ذلك، لا يزال مستوى الضغط داخل أسرة نتنياهو مرتفعاً. وكثيراً ما يصف وزراء الليكود مزاج رئيس الوزراء صباح يوم الاحد: بعد عطلة نهاية الاسبوع مع زوجته وإبنه، غالباً ما يعود نتنياهو بروح كاملة قتالية، وعلى إستعداد للذهاب الى الحرب مع أعدائه السياسيين المُتصَوَّرين. ومنذ إنتصار ترامب في تشرين الثاني (نوفمبر)، أبلغ نتنياهو مستشاريه بأن “يكونوا مثل ترامب” ويبدأوا هجمات علنية شرسة ضد الصحافيين الذين تجرّؤوا على إنتقاده. القناة 20، وهي محطة تلفزيونية صغيرة يأمل نتنياهو أن تصبح نسخة إسرائيلية من “فوكس نيوز”، قارنت هارو في 4 آب (أغسطس) بيهوذا الإسخريوطي.
كما بدأ منتقدو نتنياهو اليساريون تنظيم مظاهرات أسبوعية ليلة كل سبت بالقرب من منزل المدعي العام أفيتشاي ماندلبليت مطالبين بعدالة سريعة. إن مهاجمتهم وإنتقاداتهم لأسرة نتنياهو كانت في أكثر الأحيان بسيطة، ولا تبعات لها تقريباً – ومع ذلك، فقد إستجاب نتنياهو وردّ على ذلك بما يعادل إستراتيجية الأرض المحروقة. في أواخر تموز (يوليو)، إشتكى موقع على “فايسبوك” من أن يائير نتنياهو رفض إلتقاط روث كلبة العائلة، كايا، بالقرب من مقر إقامة رئيس الوزراء في القدس.
ورد يائير بتعليق خاص حيث أورد إتهامات لا أساس لها ضد اليسار، ووسائل الإعلام، وحتى أُسَر شيمون بيريز، أرييل شارون، وإيهود أولمرت.
ولا يُلزم القانون الإسرائيلي رئيس الوزراء على الإستقالة بمجرد توجيه الإتهام إليه، ويعتقد المحللون السياسيون الإسرائيليون أن نتنياهو لن يترك منصبه من دون قتال. ويتوقع البعض أنه قد يُعلن إنتخابات مُبكرة بمجرد أن تبدو لائحة الاتهام أمراً لا مفر منه. وهناك نظرية أخرى تدّعي أنه إذا كان الأسوأ آتٍ لا محالة، فإن نتنياهو سيعقد صفقة: التقاعد السياسي المبكر مقابل عدم توجيه تُهَم جنائية.
حالياً، فإن أكبر سرّ يتعلق بشركائه في الإئتلاف. هل سيظلون يدعمونه بعد صدور لائحة إتهام؟
الواقع أنه لم ينبرِ سوى عدد قليل من الوزراء للدفاع عن نتنياهو بعد توقيع الإتفاق- الصفقة مع هارو. وقد أُجبر رئيس الوزراء على الإعتماد على بعض أعضاء حزب الليكود الموالين الذين كانوا على إستعداد للظهور في البرامج الإخبارية التلفزيونية. وقد ردّ رئيس الإئتلاف ديفيد بيتان، أقوى حليف سياسي له، بشكل شديد اللهجة من خلال التهديد بمحاسبة وزراء الليكود في الإنتخابات.
بيد أن الوضع لنتنياهو صار معروفاً، ومن المُحتّم أن يصبح أبشع في المدى القريب. بالنسبة إلى رئيس الوزراء، فإن وسائل الإعلام، ووزارة العدل، والمحاكم، والأوساط الأكاديمية، وحتى الجيش والعديد من كبار رجال الأمن في الأجهزة الأمنية كانوا كلهم دائماً جزءاً من مؤامرة كبيرة ضده وضد أسرته. وقال أستاذ القانون في جامعة نيويورك موشيه هالبرتال، وهو مراقب سياسي ذكي، أن هجمات نتنياهو المستمرة على ثأر النخب الشخصية منه تعمل أيضاً على إقناع الناخبين بأنه ليس على خطأ في إخفاقات حكومته.
لا يزال نتنياهو يتمتع بدعم شعبي واسع. الناخبون المتشددون في الليكود يعشقونه، ولا يثقون بالنخب، وهم مترددون في قبول وتصديق التقارير السيئة عن نتنياهو. أكثر من أي شيء، لا يزال الناخبون اليمينيون يعتقدون أنهم يستطيعون أن يثقوا بنتنياهو في المسائل الأمنية. ولا تزال صورته كقائد قوي ومتشدّد الذي من غير المرجح أن يُقدّم تنازلات خطيرة للعرب أو أن يبدأ حروباً لا لزوم لها. كما أنه لا يوجد أي خليفة محتمل في الأفق. وكان نتنياهو قد أضعف عمداً وزراء الليكود، في حين أن الخوارج اليمينيين مثل أفيغدور ليبرمان ونفتالي بينيت فعليهما السعي أولاً الى السيطرة على الحزب قبل ان يصبح أحدهما رئيساً للوزراء. على يسار الوسط، يبدو يائير لابيد وكأنه قذيفة جوفاء، في حين أن الوافد الجديد آفي غاباي، الفائز المفاجئ في الإنتخابات التمهيدية لحزب العمل في الشهر الماضي، يفتقر إلى أي خبرة ذات صلة لأصعب عمل في إسرائيل.
ولكن حتى لو ظل نتنياهو في منصبه، فإن جو الفضيحة يمكن أن تكون له آثار خطيرة على الأمن الإسرائيلي. كثير من المحللين يشعرون بالقلق من أن حالة نتنياهو الحالية قد تؤثر في سلوكه عند التعامل مع الشؤون الإستراتيجية. فعلى سبيل المثال، كانت أزمة جبل الهيكل نتيجة لقراره المتسرّع بتركيب أجهزة الكشف عن الأسلحة بالقرب من مداخل المسجد الأقصى. وتتعرض علاقة إسرائيل مع الأردن الآن للخطر، لأنه أصرّ على نشر صور تُظهره مع حارس أمن إسرائيلي وافق الأردنيون بالإفراج عنه رغم أنه أطلق النار على إثنين من مواطنيهم وقتلهما في حادث في عمان. كما إن الوضع متقلّب بشكل خاص في غزة، حيث أن إسرائيل ليست بعيدةً جداً من تصعيد عسكري خطير.
هارو، الذي ولد في لوس أنجليس، ينحدر من عائلة صهيونية متعصبة، وقد هاجر إلى إسرائيل عندما كان في الثانية عشرة من العمر. ومن الصعب أن نتصور أنه كان يعتقد إطلاقاً انه سوف يجد نفسه في وسط مثل هذه الفضيحة. إن صعوده إلى مكانة بارزة هو أيضاً بمثابة تذكير إلى كم هو حجم المجتمع الإسرائيلي صغير: أحد معارفه نشر أخيراً صورة على تويتر لهارو تعود إلى أيام خدمته العسكرية. كانا مُجنَّدين معاً في كتيبة المشاة عينها قبل نحو 25 عاماً.
آري هارو إسمه سيدخل التاريخ الإسرائيلي على أنه كان وراء إنهيار وعزل بنيامين نتنياهو، وفقاً لما يقوله أهل المعرفة في تل أبيب. فهل تصدق التوقعات؟
الجواب يبدو أنه لن يطول…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى