أوباما كان سيّئاً بالنسبة إلى الشرق الأوسط، لكن غموض ترامب يثير القلق
على الرغم من فك إرتباطها رسمياً عن سوريا، فإن إدارة دونالد ترامب المضطربة محلياً تُرسل رسائل مُختلطة إلى منطقة تُعاني من الصراعات والتي هي محتاجة بشكل ماس ومُلِحّ إلى توجّه واضح.
واشنطن – محمد زين الدين
مع إقتراب الكونغرس الأميركي من توسيع عقوباته ضد “حزب الله” الموالي لإيران، يبدو أن واشنطن قد قررت مواجهة نفوذ طهران المتزايد في الشرق الأوسط.
ولكن ليس بهذه السرعة. في حين أن إدارة ترامب قد تكون صادقة في رغبتها في إحتواء الجمهورية الإسلامية، فإن سياساتها في سوريا والعراق قد زرعت البلبلة والإلتباس، وهذا بالكاد يكون غريباً على البيت الأبيض الحالي.
كما أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يُنفّذ تهديداته بالتنصل من الإتفاق النووي الإيراني أو إعادة التفاوض عليه، والذي أعادت إدارته توكيده وتأكيده حتى مع فرض الولايات المتحدة مزيداً من العقوبات على إيران.
الواقع أنه لم يكن تفكير ترامب أكثر تناقضاً مما كان عليه في سوريا. قبل أيام، أعلنت الإدارة أنها ستُنهي الدعم العسكري للمتمردين السوريين، الأمر الذي يعني تسليم أي نفوذ سياسي لأميركا في سوريا إلى موسكو وطهران.
وبهذه الطريقة، أعطى البيت الأبيض هاتين العاصمتين بشكل فعّال مساحة واسعة لتحديد كيفية نهاية الأزمة السورية. وهذا سيفيد إيران على وجه الخصوص، التي تسيطر على معظم القوات العسكرية على الأرض التي تقاتل بإسم نظام الأسد.
لم يكن هذا إنزلاقاً. لقد نقل الصحافيان الأميركيان كولوم لينتش وروبي غرامر في مجلة “فورين بوليسي” عن لسان وزير الخارجية الأميركي ريكس تيليرسون قوله للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس بأن “مصير الرئيس السوري بشار الاسد هو حالياً في أيدي روسيا، وأن أولوية إدارة ترامب تقتصر على هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية””. وقد إستشهد الكاتبان بثلاثة مصادر ديبلوماسية لقصتهم.
بعبارة أخرى، لقد أقرّت إدارة ترامب بأن مستقبل سوريا سوف يتشكّل إلى حد كبير من قبل روسيا بالتعاون الوثيق مع إيران، التي تعتبر البقاء السياسي للأسد جانباً رئيسياً من سياستها وإستراتيجيتها في المشرق العربي.
يُمكن أن يُغفَر للمرء عن سوء فهم الأساس المنطقي وراء الرغبة في إحتواء إيران إقليمياً، مع منحها مساحة أكبر في المكان الذي كان فيه توسّع طهران أكثر وضوحاً.
إن هذه الإزدواجية كانت موجودة أيضاً في العراق منذ العام 2014، بعد إستيلاء تنظيم “الدولة الإسلامية” على الموصل. وقد تكون واشنطن قد غضّت الطرف في تلك أثناء على أساس أن النتيجة تبرر الوسيلة، لكنها لم تكتفِ بذلك، بل شاركت بشكل كبير في إعادة السيطرة على الأراضي التي إستولت عليها الجماعة المتطرفة على الرغم من أن ذلك كان يعني التعاون مع قوات “الحشد الشعبي”، التي من بينها العديد من الجماعات المرتبطة بالإيرانيين.
في الآونة الأخيرة، كانت الحكومة اللبنانية هدفاً للإنتقاد في الولايات المتحدة والعالم العربي لتنسيقها مع “حزب الله” في الحملة العسكرية التي قادها الحزب الشيعي لإزالة ودحر الجماعات المتطرفة (“داعش” و”جبهة النصرة”) من المناطق النائية شرق بلدة عرسال البقاعية بالقرب من الحدود السورية – اللبنانية. وفي الوقت نفسه، في 22 تموز (يوليو)، قدمت الحكومة الكويتية إحتجاجاً إلى الحكومة اللبنانية مطالبة بممارسة الضغط على الحزب لإنهاء دعمه للمجموعات التي تهدف إلى الإطاحة بالحكومة الكويتية.
إن عدم قدرة الحكومة اللبنانية على إتخاذ إجراءات ضد “حزب الله” من غير المرجح أن يثير تعاطفاً من قبل النقاد والمنتقدين.
مع ذلك، لم يكن سلوك إدارة ترامب يمثّل دليلاً للمسؤولين في بيروت. وبالنظر إلى تعاون الولايات المتحدة بحكم الأمر الواقع مع الجماعات المؤيدة لإيران ضد المنظمات المتطرفة في العراق، قد يتساءل اللبنانيون لماذا لا يجري التنسيق عينه أو المعاملة نفسها مع “حزب الله” في منطقة عرسال وإلى أي حد هذه العملية مختلفة؟
قد يكون هناك الكثير من الفجوات في مثل هذه الحجة أو هذا الجدال، ولكن من المفارقات، هو أن إدارة ترامب هي التي تخلق الغموض الذي يسمح لمثل هذه الأسئلة. والمشكلة الحقيقية هي أنه، بخلاف العموميات، لا يبدو أن للإدارة الأميركية فكرة عن كيفية مواجهة إيران. كما أنها لم تُكلّف نفسها عناء حشد حلفائها، كما كان الحال في السابق، من أجل دفع جهد إقليمي جماعي لإبقاء الجمهورية الإسلامية تحت المراقبة والسيطرة.
بدلاً من ذلك، لا يزال العالم العربي مُنقسماً بشكل عميق حول مجموعة من القضايا، من سوريا إلى إيران إلى التوترات في الخليج، في حين أن البلد الذي يُمكنه أن يعمل كمحرر، أي الولايات المتحدة، يبدو محَيَّداً تماماً بسبب خلل وظيفي داخلي. كما لم يفرض أحد إنضباطاً في السياسة الخارجية على الإدارة الأميركية بما فيه الكفاية لتحديد الأولويات في الشرق الأوسط بعد القضاء على تنظيم “الدولة الإسلامية” و”جبهة النصرة”. يبدو أن ترامب فك إرتباطه بالمنطقة وليس لديه الإهتمام الكافي بشؤونها، فيما الذين يحيطون به قد أضاعوا البوصلة.
لفترة، بدا أن الإتفاق الذي تم التوصل إليه بين الولايات المتحدة وروسيا حول جنوب سوريا كان إستثناءً لهذا. من خلال التوصل إلى إتفاق خارج حدود عملية أستانا، وبالتالي منع إيران من أن يكون لها رأي، فإن واشنطن وموسكو توصلت إلى طريقة يمكن أن تُبقي إيران وحلفاءها في سوريا بعيداً من مرتفعات الجولان المحتلة والأردن. لكن هذا الهدف لم يكن متماشياً مع الإجراءات الأميركية اللاحقة في سوريا، التي وسّعت هامش المناورة الإيراني.
إن العديد من الدول العربية يحب ترامب لأنه، بالنسبة إليهم، يمثّل عكس باراك أوباما. ولكن هذا لم يعد جيداً بما فيه الكفاية. ربما كان أوباما سيئاً بالنسبة إلى الشرق الأوسط، لكنه كان متّسقاً في تردده وسخريته. ترامب، في المقابل، هو في كل مكان. وقريباً، قد تُدرك الأنظمة العربية أن تبجّحه لا يخفي سوى سخرية عميقة خاصة به.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.