المغرب يسير على “بَيض” الحَذَر ليبقى محايداً في أزمة قطر

إتّخذ المغرب مساراً خاصاً في ما يتعلّق بالأزمة الخليجية، فبعد إعلانه البقاء على “الحياد الإيجابي” والرغبة بلعب وساطة لحلّ الأزمة، جاء قراره بإرسال مساعدات غذائية لقطر ليثير تساؤلات عدة، حيث إعتبر البعض الخطوة قراراً صائباً لطبيعة العلاقات التي تجمعه بأطراف الأزمة، فيما إعتبره آخرون موقفاً لن يرضي الرياض وأبو ظبي. والسؤال هنا: أين سيقف المغرب في نهاية المطاف؟

برنامج الحدث في العربية: أحدث إزعاجاً في المغرب

الرباط – محمد الشناوي

على الرغم من أن أزمة قطر بعيدة جغرافياً من المغرب، إلّا أنها تسببت في إزعاج كبير للبلاط الملكي في الرباط، الحليف الوثيق لدول الخليج. وعندما ندّدت المملكة العربية السعودية بقطر وقطعت علاقاتها معها سارع حلفاء عرب آخرون إلى تأييد خطوة الرياض ومشاركتها في خطواتها، بما فيها الإمارات العربية المتحدة والأردن والبحرين ومصر. والإستثناء الملحوظ كان المملكة المغربية التي إختارت أن تظلّ مُحايدة.
الواقع أن المغرب هو في موقف صعب لإضطراره إلى الإختيار بين الأصدقاء، لا سيما في أزمة يعتبرها غير ضرورية. وقد أصبح الوضع أكثر تعقيداً بعد رفض قطر الشروط التي وضعها السعوديون والإماراتيون والمصريون والبحرينيون في 5 تموز (يوليو) الجاري. وعلى الرغم من أن القصر الملكي والقريبين منه يجادلون بأن موقف المغرب حكيمٌ ويؤكد على مدى نجاح العلاقات الجيدة بين الرباط ودول الخليج، فإنهم يتحدثون أيضاً عن الضغوط التي ستواجهها المملكة إذا إختارت جانباً.
حتى الآن يبدو أن المغرب يدرس ملياً رهاناته، ويبحث إذا كانت هناك طريقة “سحرية” تُبقي علاقاته جيدة مع جميع شركائه. وإذا كان بوسعه الحفاظ على علاقاته مع قطر من دون إغضاب السعودية والإمارات، فإن ذلك لن يكون صحيحاً وجيداً لعلاقاتها العزيزة مع مجلس التعاون الخليجي فحسب، بل يُمكن أن يُعزّز مصداقية السياسة الخارجية للرباط. ولكن يبدو الآن أن الأزمة تزداد سوءاً، وبأنّ هذا التوازن لن يكون قابلاً للتحقيق لفترة أطول.
في 11 حزيران (يونيو) الفائت، أصدرت وزارة الخارجية المغربية بياناً موجَزاً تؤكّد فيه علاقات البلاد القوية مع جميع دول الخليج، إستناداً إلى “الروابط الشخصية القوية، والأخوة الصادقة، والتقدير المُتَبادَل بين الملك محمد السادس وإخوته ملوك وأمراء مجلس التعاون الخليجي … “. وأبرز البيان أيضاً دعوة الملك لضبط النفس، وأكد أن المملكة لن تتخذ مواقف “تثير الخلافات وتعمّق الإنقسامات”. كما أكد رغبة المغرب في التوسط بين الأطراف المتنازعة. وتلاه بيان آخر في 12 حزيران (يونيو) يُذكّر دول الخليج بإلتزامات المغرب تجاهها ودعم مساعيها الإقليمية المختلفة.
في الواقع كانت الرباط دائماً شريكاً مُخلصاً لدول الخليج، لا سيما السعودية والإمارات. وفي المقابل، إستثمرت هاتان الدولتان بكثافة في المملكة المغربية. وقد إعتُبِر المغرب لفترة وجيزة عضواً مُحتَمَلاً في مجلس التعاون الخليجي خلال الإضطرابات الإقليمية التي شهدها العام 2011. وعلى الرغم من أن ذلك لم يتحقّق إلّا أن العلاقات الإقتصادية والسياسية مع السعودية وبقية دول مجلس التعاون الخليجي إستمرّت في الازدهار.
ويُقال إن الأجيال الشابة من قادة الخليج – بمن فيهم ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان – تتمتع بعلاقات وثيقة بالملك محمد السادس. وأوضح العاهل المغربي في خطاب ألقاه في الرياض في نيسان (إبريل) 2016 أن الشيخ محمد بن زايد شارك في المسيرة الخضراء في تشرين الثاني (نوفمبر) 1975 عندما سيطر المغرب على الصحراء الغربية قبل الإنسحاب الإسباني. وفي العام 2015، حصل محمد بن زايد على “وسام محمد”، وهو أعلى ميدالية ملكية في المغرب، من أجل تعزيز العلاقات بين الإمارات والمغرب، وهو أمر إحتفل به كل من البلدين.
ومن بين المؤشرات القوية إلى إلتزام الرباط بالرياض رغبتها في الإنضمام إلى الحرب في اليمن. وساهم المغرب بست طائرات من طراز “F-16″ في الحملة العسكرية وشارك في هجمات على الحوثيين. وقبل ذلك، شارك في التحالف ضد ما يسمى ب”الدولة الإسلامية”. وتهدف مشاركة المغرب في اليمن إلى طمأنة الرياض بالنسبة إلى إلتزامها، ولكن ليس بتكلفة باهظة. وعلى الرغم من أن الحكومة المغربية خفّضت من أهمية هذه المشاركة المحدودة، فإن وفاة الطيار المغربي الذي أُصيبت طائرته فوق صعدة في العام 2015 دفع إلى مناقشة داخلية قصيرة وإن كانت مثيرة للإهتمام في المغرب حول حكمة الإنضمام إلى حرب بعيدة المنال ضد عدو لم يسبق له أن أساء أو أضرّ بالمملكة.
وعلى الرغم من أن المغرب صديق طويل الأمد للمملكة العربية السعودية، الذي يرتبط بها بروابط إقتصادية وسياسية قوية بل وحتى عائلية بين أفراد العائلات المالكة، فإن عدم إستعداده للإنحياز في نزاع قطر هو دليل على تزايد أهمية علاقات الرباط مع الدوحة أيضاً. لعل علاقات المغرب مع قطر قد لا تكون واسعة النطاق كالعلاقات مع السعودية، ولكنها نمت في السنوات الأخيرة وترتكز على التعاون الإقتصادي القوي.
منذ العام 2011، زاد عدد إتفاقات التعاون الثنائي ومذكرات التفاهم بشكل كبير بين الرباط والدوحة، وأصبحت قطر مستثمراً رئيسياً في المغرب. وعلى الرغم من أن السعودية ودولة الإمارات لا تزالان من بين أكبر المستثمرين، فقد إحتلت قطر المرتبة الخامسة من حيث صافي تدفقات الإستثمار الأجنبي المباشر في العام 2016. ومع ذلك، فقد أبدى المغرب إستياءه من تغطية قناة الجزيرة لعدد من القضايا المتعلقة بالمغرب، وبالتحديد قضية الصحراء الغربية. وأغلقت وزارة الثقافة والإتصال مكتب الجزيرة مؤقتاً في العام 2010 وألغت إعتمادها الصحفي، وهو تكتيك إستخدمته الوزارة ضد بعض صحافييها من قبل. ومع ذلك، لم يؤدِّ ذلك إلى زيادة التوتر مع قطر.
في حين لعبت الروابط الإقتصادية المتنامية دوراً في تردد المغرب للتنديد بقطر، يبدو على العموم أن الرباط لا ترى أن التنديد بالدوحة هو شيء إيجابي كما فعلت بلدان أخرى. فمع الحفاظ على حيادها، لا تزال الحكومة المغربية تُرسل شحنة من المواد الغذائية لمعالجة النقص الذي واجهته قطر بعدما بدأت المقاطعة التي تقودها السعودية، والتي تم توضيحها بأنها “مساعدة خيرية رمضانية”. وفي الوقت عينه، كان وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة يقوم بجولة على دول الخليج – السعودية والإمارات وقطر والكويت – سعياً إلى القيام بدور الوساطة.
مع إستمرار الجمود بالنسبة إلى قبول قطر للشروط العربية الخليجية، من غير المرجح أن يتخذ المغرب موقفاً من شأنه أن يُعرِّض علاقاته مع المملكة العربية السعودية للخطر. حتى قراره بشحن الطعام إلى قطر كان على الأرجح نتيجة توازن ودراسة مُعَمّقة. وكان هناك بعض التكهنات أخيراً بأن السعودية تُمارس ضغوطاً على المغرب لإتخاذ موقف، وأبدت إستياءها عبر إستفزاز الرباط بالنسبة إلى الصحراء الغربية — وهي قضية حاسمة بالنسبة إلى المغرب – في وسائل الإعلام. هذه التكهنات مُستَمَدَّة من التفسير المُفرط لبرنامج “الحدث” عن الصحراء الغربية الذي بثته محطة “العربية” المملوكة للسعودية. هذا البرنامج، في حين لا يكاد يتعارَض مع إدعاءات المغرب، يشير إلى الأراضي بأنها “الصحراء الغربية” وليس “الصحراء المغربية”، المُصطلح المُستخدَم في المغرب. كما سمّت “الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية” في إقتباسات، وأشارت إلى أن الأخيرة تشير إلى المغرب كقوة إحتلال.
وأظهر برنامج آخر، بثّه تلفزيون أبوظبي، الذي أثنى في الوقت عينه على التسامح الديني والثقافي للمغرب، خريطة للمملكة من دون الصحراء الغربية. كما تمّ إبراز ذلك كمؤشر آخر إلى إستياء أبو ظبي من الرباط.
مع ذلك، فإن مثل هذه القراءات تتغاضى عن حقيقة النفوذ الإقتصادي والسياسي الهائل للمملكة العربية السعودية في المغرب والذي يعني أنه لن يحتاج إلى اللجوء إلى الرسائل غير المباشرة أو الخفية، أو مثل هذا العرض المتوتر من الإستياء، لضمان دعم المغرب. بالنسبة إلى الرباط، تُعدّ السعودية حليفاً إستراتيجياً أكثر قيمة من قطر. وإذا طلبت الرياض مباشرة تعاون المغرب والإنحياز إلى جانبها، فمن المرجح أن يمنحها هذا الأخير ما تريد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى