عظمة أميركا هي أكبر من ترامب

بقلم كابي طبراني

بعد أسبوع من العيث “خراباً” في السياسات الداخلية والخارجية الأميركية، وقّع الرئيس دونالد ترامب بقلمه السام على أمر تنفيذي يوم السبت الفائت (28/01/2017) يمنع بموجبه دخول اللاجئين ويستهدف المسلمين في سبع دول إعتبرها بأنها تشكل تهديداً إرهابياً للولايات المتحدة.
في خطوة مفاجئة، أصدر حظراً شاملاً ضد أولئك الذين يلتمسون اللجوء إلى بلاده أو زيارتها من إيران والعراق وسوريا واليمن والسودان وليبيا والصومال – مثيراً بذلك على الفور إنتقادات دولية من حلفائه وأكاديميين ونشطاء الحقوق المدنية على حد سواء. حتى أصحاب البطاقة الخضراء – أولئك الذين حصلوا على حقوق الإقامة من هذه الدول في الولايات المتحدة – تأثروا بقرار الحظر إلى حد ما.
وقد أصدرت محكمة إتحادية قراراً بوقف تنفيذ أمر الرئيس، بناء على أساس أنه قائم على التمييز على أسس دينية وعرقية، ويتعارض مع أحكام الدستور الأميركي، ولكن يبدو أن السلطات الأمنية المسؤولة لم تأخذ به. كما أن أمر ترامب التنفيذي، مع ذلك، كان له تأثير سلبي كبير، حيث إضطرّ الآلاف من المسافرين إلى تغيير خططهم وأجبر كثيرين غيرهم حتى على التفكير مرتين قبل محاولة زيارة الولايات المتحدة.
ما هو واضح هو أن الرئيس ترامب عازم على متابعة تنفيذ عدد كبير من وعوده المثيرة للجدل التي أطلقها خلال حملته الإنتخابية والتي لعبت على الوتر الحساس لدى الناخبين الذين إقترعوا له. لقد عادت الحياة إلى مشاريع الفحم وخطوط الأنابيب، وأُعطي الأمر بالتحضير لإلغاء “أوباما كير” للتأمين الصحي، وللبدء في بناء الجدار مع المكسيك، والآن حُظِّر دخول اللاجئين المسلمين بشكل فعلي، وكل ذلك تحت شعار “جعل أميركا بلداً عظيماً مرة أخرى”.
ما لم يُدركه ترامب وأولئك الذين يؤيّدون أجندته الشعبوية، أو بالتالي لا يستطيعون فهمه، أن عظمة أميركا ليست قائمة (على) ومُحدَّدة بمصانعها، ومناجم الفحم فيها، أو بمصانع الصلب و مصانع السيارات والطائرات والتكنولوجيا لديها… إن عظمة أميركا تقوم على الحقوق والحريات التي تمنحها وتتمتع بها.
إن أساس عظمة أميركا وقدرتها على قيادة العالم تنبع من قيم عالمية تؤسس لمجموعة من القواعد التي تدعم حقوق الآخرين، وليس أميركا التي تحاول بناء عظمتها على مجموعة من الصفقات التي تهدف إلى إستخلاص أفضل ما في الآخرين. فأميركا على هذه الشاكلة سوف تجد قدرتها على قيادة العالم منقوصة بفِعل الإفتقار إلى السمعة الطيبة وتَوفُّر عدم الثقة. وسوف تتآزر دول أخرى من أجل حماية أنفسها من إستئساد الولايات المتحدة عليها.
منذ اللحظة التي إجتمع فيها ممثلون عن 13 ولاية في فيلادلفيا في ستينات القرن الثامن عشر، فقد قامت الروح الثورية الأميركية على فكرة أن كل الناس خُلِقوا متساوين، وكلهم ينعمون بالحقوق نفسها غير القابلة للتصرف. وتلك الحقوق تم تكريسها أيضاً في الدستور. كل الناس سواسية – بمن فيهم المسلمون. وعندما، على مدى 250 عاماً الماضية، توافد الملايين على شواطئ أميركا، فقد فعلوا ذلك على أمل وإعتقاد وإيمان ومعرفة بأن لديهم حريات وحقوق متساوية وتكافؤ فرص ومساواة أمام القانون. لقد إندلع قتال دموي بين شمالها وجنوبها لحماية مبدأ المساواة هذا.
في ميناء نيويورك، يرتفع تمثال الحرية الذي يشع كمنارة لأولئك الذين فرّوا من ديارهم والتي تخيّلته الشاعرة الأميركية إيما لازاروس يقول: “أعطني الجماهير المُتعَبة، والفقيرة، والمُحتَشدة التي تتوق للتنفس بحرية… أرسل أولئك الذين لا مأوى لهم… فأنا أرفع مصباحي إلى جانب الباب الذهبي”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى